بشهاداتهم هم.. فإن أكتوبر 1973 ليست مجرد «معركة» تمضى وتنتهى بالنصر أو بغيره.. وإنما هى «ثورة» تولدت عنها روح وثابة أثبت فيها المصريون قدرتهم على «تحدى التحدي» ومواجهة أصعب المواقف وأعقدها بأعلى درجات الحكمة والحنكة والقوة والعزيمة فلا يستطيع أقوى أعدائها على الوقوف أمامها.
– إنها «الروح الوثابة» التى ترهب أعداء مصر وتجعلهم يحسبون لها ألف حساب بل مليون حساب.. إنها الروح التى تجعل من «الخطوط الحمراء» التى تنطق بها مصر سلاحا يفوق فى قدرته وتأثيره أعتى الأسلحة النووية.
– إنها الروح التى أنقذت مصر من ويلات مؤامرة 25 يناير 2011 وتحطمت على عتباتها مخططات التقسيم والتفتيت والفتنة.. وهى ذاتها الروح التى انتشلت مصر من حكم الإخوان المجرمين فى 2013 وهى نفسها الروح التى قهرت كل التحديات وحفرت قناة السويس الجديدة وانطلقت تبنى مصر (البشر والحجر) وتصنع المنجزات والمشروعات العملاقة فى شتى المجالات فى الصعيد وبحري.
– إنها الروح التى أنقذت سيناء من براثن الإرهاب.. ومن مخططات التهجير.. وحافظت على القضية الفلسطينية من مخططات التصفية.. إنها ذاتها الروح التى تؤجج عزيمة كل المصريين دفاعاً عن حقوقهم فى كل نقطة ماء وكل ذرة رمل من أرضنا.. انها الروح التى لا ترهبها حرب الإبادة ولا الاغتيالات وغطرسة الحرب الغاشمة الإسرائيلية التى لا تعرف الحدود.
.. شهاداتهم تقول:
– إن 6 أكتوبر «ثورة» وليست «معركة» وحسب.. فالمعركة صراع قد ينتهى بالنصر أو بغيره.. ولكن الثورة وثبة روحية تمتد فى المكان والزمان حتى تحقق الحضارة.
.. ويواصل حاييم هرتزوج الرئيس الإسرائيلى السابق «شهادته».. مؤكدا ان حرب أكتوبر رمز ثورة الإنسان على نفسه وتجاوزه لواقعه وتحديه لمخاوفه.
– وقال موشى ديان بعد 48 ساعة من الحرب إن حرب أكتوبر بمثابة الزلزال الذى تعرضت له إسرائيل وأن ما حدث فى هذه الحرب قد أزال الغبار عن العيون وأظهر لنا ما لم نكن نراه قبلها وأدى كل ذلك إلى تغير عقلية القادة الإسرائيليين.
.. وقالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل فترة الحرب قد تحدثنا أكثر من اللازم قبل أكتوبر 1973.. لقد تعلم المصريون كيف يقاتلون.. لقد كانوا صبورين وكانوا يعلمون الحقائق وأصبح العالم الخارجى يثق فى بياناتهم أكثر منا.
وفى كتابها «حياتي» كتبت جولدا مائير.. «ليس أشق على حياتى ونفسى من الكتابة عن حرب أكتوبر.. حرب يوم كيبور».. وقالت.. لن أكتب عن حرب أكتوبر من الناحية العسكرية.. ولكنى سأكتب عنها كما عشتها.. إنها كارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسى وسيظل باقيا معى على الدوام.. وقالت «كان التفوق علينا ساحقا من الناحية العددية سواء من الأسلحة أو المعدات أو الطائرات أو الرجال.. قاسينا انهيارا نفسيا عميقا.. وقالت.. لم تكن الصدمة فى الطريقة التى بدأت بها الحرب فقط.. بل ان معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها».
.. وفى كتابه «إلى أين تمضى إسرائيل» كتب ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية السابق إن من أهم نتائج حرب أكتوبر أنها وضعت حداً لأسطورة إسرائيل التى لا تقهر فى مواجهة العرب وكلفت إسرائيل ثمنا باهظا يفوق الخمسة مليارات دولار وعانت إسرائيل بسببها أزمة حادة فى اقتصادها.
.. ويواصل.. «لكن الأخطر.. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم.. وأصيبت الجبهة الداخلية بضعف هائل.. وهذا أخطر شيء يمكن ان تواجهه الشعوب وبصفة خاصة إسرائيل.
.. وتتأكد نفس المعانى فى كتاب «إسرائيل انتهاء الخرافة» لآمنون كايليوك المعلق العسكري.. فى السادس من أكتوبر سقطت إسرائيل من أعلى برج السكينة والاطمئنان الذى كانت قد شيدته لنفسها.. وكانت الصدمة على مستوى الأوهام التى سبقتها قوية ومثيرة.. أفاق الإسرائيليون من حلم طويل جميل ورأوا الكثير مما كانوا يرونها حقائق لا تقبل التشكيك وآمنوا بها لسنوات قد تحطمت جميعها أمام حقائق جديدة لم يسبق ان توقعوها.
– وفى كتابه «زلزال أكتوبر حرب يوم عيد الغفران» كتب المعلق العسكرى الإسرائيلى زئيف شيف.. انها أول حرب يعالج فيها الأطباء جنودا إسرائيليين أصيبوا بصدمة القتال.. ويحتاجون لعلاج نفسي.. لقد نسى بعضهم اسمه.
لقد أذهل الإسرائيليين نجاح العرب والمصريين فى تحقيق عنصر المفاجأة.. وتحقيق المصريين لانتصارات ونجاحات عسكرية لقد دفعت إسرائيل ثمنا باهظا جدا وأصبح على إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربي.
– وقال بحسم «لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القمة إلى القاعدة.. وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك».
– ويكشف الكاتب الفرنسى «جان كلود جيبوه» ان ديفيد بن جوريون الرئيس الإسرائيلى لم يقل قبل موته فى مستشفى تيدها شوسير إلا جملة واحدة «لقد رأيت كل شيء».. وكان ذلك صباح اليوم الأول من ديسمبر 1973.
– ويقول الكاتب.. لقد أصيب الرئيس الإسرائيلى فى 18 نوفمبر 1973 بنزيف فى المخ فى الأسابيع الثمانية الأخيرة من عمره فقد رأى وهو فى مستعمرته بالنقب إسرائيل وقد سحقها المصريون فى أيام قلائل بزلزال وحشي.
وتابع «جان كلود جيبوه» ان حاييم هيرتزوج رأى سقوط إسرائيل الحاد.. وهى تهوى هذه المرة من علوها الشامخ الذى اطمأنت إليه.
.. وسجل الكاتب البريطانى دافيد هيرت فى كتابه «البندقية وغصن الزيتون» ان حرب أكتوبر كانت بمثابة الزلزال.. لأول مرة فى التاريخ الصهيونى يحاول العرب وينجحون فى فرض أمر واقع بقوة السلاح ولم تكن حرب أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين مجرد «نكسة» عسكرية بل انها ضربت جميع العناصر السيكولوجية والدبلوماسية والاقتصادية التى تتكون منها قوة وحيوية أى أمة.
– وكتبت مجلة بماحتيه الإسرائيلية فى 30 سبتمبر 1998 ان حرب يوم الغفران بمثابة انكسار للمجتمع الإسرائيلي.
– وقالت «معاريف» الإسرائيلية فى نفس التاريخ ان هذه الحرب تمثل «جرحا غائرا فى لحم إسرائيل القومي».
.. وبعد
.. لا أجد ختاما لهذا المقال أفضل من الرسالة التى وردت على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال حديثه عن حرب أكتوبر فى الندوة التثقيفية الـ29.. عندما أكد أن الهزيمة الكبرى التى ألحقها الجيش المصرى بالخصم كانت أحد الأسباب الرئيسية التى دفعت إسرائيل لقبول السلام مشيرا إلى سقوط آلاف القتلى والمصابين فى صفوف العدو.
– وأضاف «نصاً».. «إن الجيش المصرى استطاع تحقيق النصر وهزيمة إسرائيل وإلحاق الخسائر بها مرة.. وقادر على فعلها فى كل مرة».
وللمقال بقية