ألقى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلى المأزوم، خطاباً مليئاً بالأكاذيب على المستوى السياسى والعسكرى والدولي، ووصف بأنه اسوأ خطاب استعماري، وهذا هو خطابه الرابع ليكون بذلك أكثر ضيف اجنبى فعلها، وفى نفس الوقت لم يحضر الجلسة قرابة نصف أعضاء الكونجرس، وأهمهم المرشحة للرئاسة الأمريكية من الحزب الديمقراطى كامالا هاريس، وقاطع أكثر من 60 نائبا من حزبها الممتعضين من وجود مجرم حرب فى الكونجرس، ووصل الأمر الى اتهام أعضاء الحزب بأنهم معادون للسامية، وطوقت الزيارة بمظاهرات قبل سفر نتنياهو من أهالى المحتجزين فى غزة اعتراضا على عدم التوصل الى صفقة اطلاق الرهائن، ومظاهرات امام الكونجرس تطالب لاول مرة بالقبض على مجرم الحرب نتنياهو كما جاء فى قرار المحكمة الجنائية الدولية.
وخلال كلمته التى استغرقت 53 دقيقة، وبعد كل جملتين إلى ثلاث جمل يلقيها نتنياهو، كان أعضاء الكونجرس بقاطعونه بالتصفيق الحار الذى كان بعضه يستمر لقرابة نصف دقيقة، لدرجة أنه خلال الـ53 دقيقه صفق الكونجرس لنتنياهو 79 مرة، منها 58 مرة وهم يقفون على الأقدام، لدرجة أن نتنياهو من كثرة التصفيق قال لهم لا أريدكم أن تصفقوا فقط أنصتوا، وهاجم البعض سلوكه واعتبره تعاليا على الحاضرين، ومن الواضح ان ما حدث كان المقصود منه رفع الروح المعنوية لاسرائيل متمثلة فى تواجد نتنياهو، ولكنه أراد تذكير الإسرائيليين بخبرته على المسرح العالمي، فى وقت يواجه المخاطر فى الداخل، وتطمين شعبه بأنه مازال هناك تأييد له على الساحة الدولية.
وفى البداية أراد نتنياهو ان يسيطر على المسرح، وان تتقدم اكاذيبه الكثيرة، كذبة قرب تحقيق النصر على حركة حماس، وسيطرته التامة على قطاع غزة، وتقديم التحية لأربعة جنود إسرائيليين اصطحبهم معه إلى الجلسة، شاركوا فى الحرب، وهم جندى مسلم من بدوإسرائيل، وجندى من أصل إثيوبى وجندى مصاب وآخر فقد ساقه، عارضا بطولات وهمية لهم مدعيا انهم يبذلون اقصى ما عندهم ايمانا بعدالة قضيتهم، فى حين ان التقارير تشير الى وجود موجة رفض للخدمة العسكرية فى غزة تنتشر فى الجيش الإسرائيلي، وان المئات يغادرون البلاد ولا يعودون، بالاضافة الى رفض شباب الحريديم التجنيد وتهديدهم بالهجرة من اسرائيل، كما ان أكذوبة اقتراب تحقيق النصر يفضحها ان جيش الاحتلال مازال يقاتل على محور نتساريم ومحور فيلادافيا ولا يزال شمال غزة يضربه بقوة، وتتصدى له المقاومة وتكبده خسائر فى القوات والعتاد، لدرجة انه اعلن ان لديه نقص فى الدبابات والمدرعات، وهوما يعنى ان الجيش فى حالة مواجهة صعبة، ولا تزال اقدامه غير ثابتة على الارض، والكذبة الكبرى فى الجانب العسكرى انه سوف يستمر فى الحرب حتى يحرر الرهائن بالضغط العسكري، وانه حرر 130 رهينة، ليوحى بأنه تم تحريرهم بهذه الطريقة، وحرص نتنياهو على تقديم الرهينة المحررة «نوعا أرغماني» التى كانت تجلس الى جانب زوجته خلال الخطاب، وهذا كله مناقض تماما للواقع، لان 110 من الرهائن تم تحريرهم بالتفاوض،
وعلى الصعيد الانساني، وحول ادخال المساعدات الى قطاع غزة، استمر نتنياهو فى ترويج معلومات مضللة، وكأن العالم اعمى عن حرب التجويع وكسر الارادة التى يقوم بها، قائلا انه ادخل أطنان من المواد الغذائية بشكل يومي، وأن نصيب الفرد 4 آلاف كالوري، وأن هذه الكمية كافية، ولكن حماس هى من تسرق هذه المساعدات، والحقيقة انه وبشهادة المؤسسات الدولية يسيطر شبح المجاعة على القطاع وأدى إلى وفاة 34 فلسطينيا، وأصبح جزءاً من العقاب الجماعى وحرب الابادة.
يقول د.جهاد الحرازين محلل سياسى فلسطينى والقيادى فى حركة فتح، ان الخطاب غير مؤثر على المستوى العالمي، وانما كان موجهاً للداخل الاسرائيلي، وللشركاء الامريكان، وهما الجانبان الداعمان له وللاكاذيب الاسرائيلية، ولن ننكر انه كان محبوكا بشكل ما، وارسل عدة رسائل للحصول على الدعم من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهوري، وزاد من غطرسته مما جعله يؤجل ارسال وفد التفاوض الإسرائيلى أى الاسبوع القادم بدلا من اليوم، لانه قدم رؤيته التى تنسف الصفقة وطالب بالاستمرار فى الحرب من أجل القضاء على حماس، التى قدمها على أنها ذراع ايران لديه، وذلك من أجل ان تكون الحرب بعيدا عن مسألة الاحتلال، وأن تكون فى نطاق حرب اقليمية، ومن أجل ان يصطف الشركاء ضد ايران ومساعدة إسرائيل التى تخوض الحرب نيابة عنهم، وهى كذبة كبرى خلال خطابه أراد بها ان يدلل على بطولته، وانها حرب العالم المتحضر أمام الهمجية.
وأوضح ان نتنياهو سوف يزيد من الغطرسة خاصة وانه ارسل رسالة إلى المجتمع الاسرائيلي، بأنه قادر على الوصول الى أهدافه، وأنه لم يخرب العلاقة مع الولايات المتحدة، ولذا ربط انتصاره بأنه انتصار لأمريكا.
قال السفير إبراهيم الشويمى مساعد وزير الخارجية الأسبق ان جنون العظمة لدى نتنياهو كانت واضحة خلال خطابه، وانه تعود على الأكاذيب فى كل مرة يخطب فيها، ولكنه هذه المرة يصدق ما يقوله، ويستخدمه للتلاعب بالإدارة الأمريكية من أجل الحصول على المزيد من الدعم العسكري.