الأكراد والشيعة والسنة فى المواجهة.. و إسرائيل المستفيد الأول
أصبح الوضع السورى متداخلا لدرجة التعقيد.. ولا يمكن التنبوء بما تصير إليه الأحداث التى تتضخم بسرعة تلفت الأنظار.. الأسئلة كثيرة والجميع يحاول الإجابة عنها وفق المعطيات التى يملكونها من الخلفيات التاريخية لتلك الفصائل المسلحة التى أسهمت فى إسقاط النظام السوري.. لكن خبراء الإسلام السياسى اتفقوا على قول واحد: إن سوريا دخلت النفق المظلم ولا يعلم أحد متى أو كيف ستخرج منه، وأن تلك الفصائل المسلحة سوف يقاتل بعضها بعضا للحصول على الغنائم، وانتظروا طالبان جديدة بالمنطقة.
أوضح هشام النجار المتخصص فى شئون التيارات الإسلامية أن الفصائل المسلحة كانت قبل الأحداث ضعيفة ومفككة وغير مؤهلة وتعانى انقسامات وصراعات واحتجاجات فى إدلب، وانتشرت حالات اغتيال واعتقال على يد هيئة تحرير الشام وكان يتوقع قيام ثورة شعبية ضد الفصائل وليس ضد النظام، وهذا ما أحدث المفاجأة حينما حدث العكس تمامًا وهذا يشير إلى حدوث تفاهمات غربية بمعنى أن هذا الأمر لم يحدث بجهود ذاتية من الفصائل، وتفسير ذلك وفق تأويل النجار أن هناك قوة خارجية مهدت ووحدت ودعمت هذه الفصائل ودربت مقاتليها لساعة الصفر حتى وإن لم يكن هناك اتفاق مسبق لكن كل الجهود تصب فى تقوية الفصائل تمهيدًا لإسقاط النظام .
حيث كانت روسيا صاحبة اليد العليا عام 2015 لإنقاذ النظام ووجودها ساند النظام السورى طيلة السنوات الماضية، ولذلك كان لزاما تحييد روسيا حتى يتحقق المخطط لإسقاط النظام وبذلك استطاعت تركيا اللعب فى الساحة ودعمت الفصائل وقامت بتوحيدها تحت إدارة عمليات واحدة، وهذا كان عاملًا رئيسيًا، إضافة إلى أن أوكرانيا لعبت دورا مهما جدا حيث عقدت صفقة نوعية مع هيئة تحرير الشام مفادها تسليح الهيئة بأسلحة متطورة وتدريب مقاتليها بما يساعد فى تطوير الأداء القتالى والميدانى، حيث شاهدنا تطورًا نوعيًا وتفوقًا عسكريًا غير معهود للهيئة ومقاتليها وعناصرها أثناء المواجهات وذلك يرجع إلى التدريب الذى تلقاه مقاتليها على يد ضباط أوكرانيين وضباط آخرين من دول أوروبا الشرقية وكانت الصفقة تتضمن قيام الهيئة بإرسال المقاتلين الأجانب إلى أوكرانيا للمشاركة فى الحرب الروسية حتى يتخلص الجولانى منهم لتطرفهم الشديد وإحداثهم للمشاكل حتى أصبحوا عبئا على الهيئة وكان يرغب فى التخلص من العنصر الأجنبى حتى يستطيع أن يقدم نفسه كواجهة محلية وليس تنظيما عابرا للحدود.
يرجح النجار دخول سوريا النفق المظلم مثل العراق وليبيا مع احتمالية ظهور طالبان جديدة فى المنطقة كأحد السيناريوهات المتعددة المطروحة لأن وجودهم كمعارضة يختلف تماما عن وجودهم فى السلطة خاصة بالنسبة للتيارات الراديكالية حيث يمكن أن يحدث صراعات بينهم، لأن نسب التطرف بينهم متباينة، ومن الممكن أن يختلفوا على أدق وأقل التفاصيل فى الاختلافات الفقهية والشرعية.
ويرى النجار أن ظهور الجولانى فى المسجد الأموى له رمزية كبيرة لأنه المسجد يمثل القوة الدينية والسند الدينى والروحى للنظام السورى حيث كان الرؤساء من حافظ الأسد إلى بشار الأسد يحرصون على الظهور فى المسجد الأموى الذى يمثل رمزية للنظام وبالتالى كان من المهم أن يكون أول ظهور للجولانى فى المسجد الأموى لما له من رمزية دينية وأصبح الآن فى يد الفصائل.
فيما يرى الدكتور أحمد ربيع الغزالى – باحث فى شئون التيارات الإسلامية أن سوريا لم تدخل النفق المظلم بل خرجت من الخريطة فهى فى طريقها إلى التقسيم المذهبى والدينى والعرقى ، ولا نبالغ القول: إن سوريا انتهت كدولة، وأن الأعمال المسلحة التى تمت وستتم كلها مدروسة ومخطط لها بعد ضرب حزب الله وضرب إيران وتهديدها بفتح الملف النووى وضرب المنشآت النووية الأمر الذى أدى إلى انسحاب إيران وتركيا وروسيا من المشهد وتركهم المنطقة بابا مفتوحا لضرب المحور الذى يقوم بتوصيل السلاح من إيران لحزب الله من خلال تشجيع أمريكى ورضاء تام من إسرائيل وغدا سنرى الأكراد ضد الشيعة والشيعة ضد السنة والسنة على مذاهبهم ضد بعضهم البعض.
ويضيف الغزالى نخشى أن نرى طالبان وداعش وكل المذاهب الإسلامية على الساحة فيما بعد وكذلك الطريق إلى القدس والكل يحارب بعضه ويتساءل هل تحريرالشام يكون بتدمير مقدراتها حتى تفتح الباب واسعا أمام إسرائيل لكى تدمر الجيش السورى وكل المطارات الحربية والاستيلاء على الأراضى السورية التى لم تكن تحلم أن تطأ قدماها عليها.
بينما يرى عماد عبدالحافظ الباحث فى الإسلام السياسى أن الأمر يبدو بدرجة كبيرة أنه مخطط مسبق من خلال التنسيق بين عدة دول أبرزها الولايات المتحدة وإيران وروسيا وتركيا، وربما بالتنسيق مع بعض القادة فى الجيش السورى، حيث تم تحريك الفصائل المسلحة وإعطاء ضوء أخضر لها بأنه ليس هناك من يعترض طريقها أو يقاومها بشكل حقيقى، وتم الضغط على الأسد ووضعه أمام الأمر الواقع لقبول التخلى عن السلطة ومغادرة البلاد، ولا شك أن للأوضاع فى غزة ولبنان وإضعاف حماس وحزب الله وقبول الحزب للاتفاق مع اسرائيل على إنهاء الحرب وقبوله بالشروط المفروضة عليه بعد مقتل العديد من قياداته؛ كان له أثر على رضوخ إيران وقبولها التخلى عن دعم الأسد مما سهل إجباره على الهرب، بجانب أنه ربما تم التنسيق بين أمريكا وروسيا حول الوضع فى أوكرانيا مقابل تخليها عن دعم الأسد كذلك، وكل هذا جعل مهمة الفصائل سهلة للغاية فى الاستيلاء على العديد من المدن السورية، وهذا بالطبع من خلال التنسيق بينها وبين الدول المشرفة على تنفيذ المخطط
أضاف أن هناك تفاهمات وتنسيقا على سيناريو معين وهذه الفصائل نفذته بحرفية وأن طبيعة الجماعات والتنظيمات المتصدرة للمشهد فى سوريا قائمة على فكرة الحق المطلق واعتقاد كل منها بأنها تمثل الإسلام وتسعى لتطبيق رؤيتها باعتبارها الرؤية الوحيدة الصحيحة، بجانب رغبة كل منها فى السيطرة، وهذا كفيل بإحداث خلافات وصراعات وانقسامات فيما بينها، هذا بجانب طبيعتها المتشددة التى تجعلها تسعى لفرض رؤيتها على المجتمع ، فهى تنظيمات قائمة على القهر وثقافة الاستبداد مترسخة بداخلها، وهذا سوف يخلق العديد من الأزمات ويجعل التجربة نسخة مكررة من تجارب أخرى مثلما حدث فى أفغانستان والسودان على سبيل المثال.