كل عام وأنتم بخير.. اليوم نستقبل عيد الأضحى المبارك.. اليوم الذى يفرح فيه حجاج بيت الله الحرام بأداء الركن الأكبر والأهم فى فريضة الحج وهو الوقوف بعرفة، وتعم بقدومه الفرحة والبهجة كل أرجاء الوطن الاسلامى الكبير.. وهى للأسف فرحة منقوصة وبهجة مكتومة فى نفوسنا جميعا بسبب استمرار مذبحة العصر فى غزة.
لكن فى كل الأحوال مطلوب منا أن نتغلب على أحزاننا ونتعامل مع شعائر هذه المناسبة الدينية بقدر ما نستطيع.
البداية مع صلاة العيد.. وهى سنة لها رسالتها الروحية ولذلك ينبغى أن يحرص عليها كل مسلم، وأن يبدأ بها برنامجه فى هذا اليوم المبارك، وأن يذهب إليها وهو فى كامل نشاطه وحيويته، وأن يستعد لها بأن يغتسل وأن يلبس أجود ثيابه، وأن يضع على جسده شيئا من الروائح الزكية.. فالمطلوب من المسلم رجلا كان أو امرأة أن يستقبل يوم العيد وصلاة العيد بأحسن ما يكون الاستقبال من عبادة وشكر لله تعالى ومن هيئة جميلة.
وصلاة العيد- كما يؤكد العلماء- لها أهداف اجتماعية وإنسانية بالإضافة إلى أهدافها الدينية، فهى فرصة لتلاقى المسلمين فى بداية هذا اليوم الأغر وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ينتهزون هذه الفرصة لتقوية صلاتهم الاجتماعية والإنسانية بعضهم ببعض وكانوا يهنئون بعضهم بعضا ويقضون بعض الوقت الطيب مع بعض داخل المسجد أو خارجه يتبادلون التهانى والنصائح والأحاديث الودية ويعودون إلى منازلهم وهم أكثر بهجة ونشاطا.
بعد صلاة العيد ينتقل المسلم الى شعيرة أخرى من شعائر وقربات هذا اليوم السعيد وهى الأضحية حيث ينبغى على كل المسلمين القادرين الحرص على هذه الشعيرة يوم التضحية والفداء.
والأضحية من أفضل القربات التى يتقرب بها المسلم الى خالقه أيام عيد الأضحى المبارك، وهى سنة مؤكدة، ويكره تركها بالنسبة للقادر عليها، والقادر على الأضحية هو الذى يملك ثمنها فوق حاجاته الضرورية، فكل من يستطيع شراء أضحية دون حرج أو استدانة مطلوب منه أن يضحى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذى ضحى بكبشين أملحين أقرنين.. أى خروفين يخالط بياضهما سواد ولهما قرون.
والمقاصد والأهداف الدينية والاجتماعية والانسانية للأضحية كثيرة ومتنوعة منها شكر لله تعالى على نعمه، والتوسعة على الفقراء والمحتاجين.
>>>
ورغم حزننا على ما يحدث لإخواننا فى غزة لا ينبغى أن نتجاهل أجواء عيد الأضحى المبارك وما ينبغى أن ندخله على أسرنا من بهجة فى هذه المناسبة الدينية، فمن حق المسلم أن يفرح ويدخل السرور والبهجة على نفسه وأسرته فى هذه الأيام المباركة دون أن يرتكب مخالفات أو تجاوزات شرعية، فالاسلام الذى نشرف بالانتماء إليه دين للحياة والتواصل الانسانى والاجتماعى .. دين بهجة وسعادة ولا يحرم الانسان أبدا من أمر فيه فائدة حقيقية له، وأعياد المسلمين كلها منافع وفوائد للجميع من أغنياء وفقراء، ولو فهم المسلم المقاصد الحقيقية من العيدين-عيد الفطر وعيد الأضحي- واحتفل بهما وفق الضوابط الشرعية والالتزام بالقيم والأخلاقيات الإسلامية لأدخل السرور والبهجة على نفسه وكل المحيطين به دون تجاوزات أو مخالفات، والأعياد فى الإسلام لها أهداف ومقاصد سامية، وحكم عالية، ومنافع كثيرة، فهى فرصة للترويح عن النفس، خاصة أن العيدين يأتيان بعد أداء عبادتين، فعيد الفطر يأتى بعد أداء عبادة شاقة وهى الصوم، وعيد الأضحى يأتى مع أداء عبادة شاقة أيضا وهى الحج.. والمسلم مطالب بالاحتفال بالعيد بكل ما هو مباح ومشروع، والمباحات من وسائل الترفيه والبهجة كثيرة.. لكن للأسف تضيق الدنيا بالبعض ولا يحلو لهم العبث والفوضى إلا فى الأعياد، وهذا أمر مرفوض شرعا ويجلب لصاحبه غضب الله وعقابه.
أيضا.. على هؤلاء الذين يحرمون أنفسهم وأسرهم من بهجة العيد بسبب ما أصابهم أو أصاب أعزاء لهم أن يدركوا أن الإسلام دين رحمة وسعة وبهجة وسرور وهذا الدين العظيم الذى ننتمى إليه لا يمكن أن يفرض على الإنسان ما لا يطيق، ولا يفرض عليه حياة جافة كئيبة، فالتوازن فى حياة الإنسان مطلوب شرعا، وكل إنسان مطالب بأن يؤدى واجباته الدينية والدنيوية ثم يخلد بعد ذلك للراحة ويجدد نشاطه بكل ما هو مباح ومقبول شرعا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائل فى الحديث الصحيح «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت».
>> عيد سعيد على الجميع.. ونسأل الله أن يلطف بإخواننا فى غزة وأن يرفع عنهم ما يعانون من ظلم وأن يعوضهم خيرا عما لحق بهم من أذى.