قبل سنوات تابع هواة السينما الأمريكية فيلما من أفلام الرعب والخيال العلمى يحمل اسم الخفافيش أو الوطاويط ..الفيلم باختصار يحكى قصة فريق من العلماء أدخل تعديلات جينية على نوع من الوطاويط بحيث تصبح شديدة الشراسة وتلتهم لحوم البشر بشراهة واستمتاع ..وتم تدريبها بحيث تستجيب لنوع من الموجات فوق الصوتية.. ما أن تسمعها حتى تتوحش وتنطلق فى أسراب تحجب الرؤية لتفتك بالبشر بوحشية.. استهدفت هذه التجارب العبثية بشكل أساسى تحويل هذا الكائن المسالم الذى يعيش على التهام القوارض ويقى الإنسان شرورها إلى آلة حربية جديدة تصعب السيطرة عليها بوسائل الدفاع التقليدية ..ولكن أحد الباحثين المشاركين فى التجارب قرر استثمار الوطاويط المعدلة لحسابه .. استخدامها للسيطرة على العالم.. لتبدأ التفاصيل الدامية .. عشرات الضحايا الذين تلتهمهم الكائنات الجديدة المتوحشة .. مواجهات ضارية .. وبعد تفاصيل دامية طويلة يتم تدميرها .. وفى المشهد الأخير نكتشف بعضا منها كامنا مختفيا ينتظر لحظة انقضاض جديدة .
على مستوى النقد الفني.. الفيلم ساذج ورديء والقصة بعيدة عن المنطق والحبكة الدرامية ضعيفة .. ولكننا فى هذا المكان لسنا بصدد إجراء تقييم فنى للفيلم.. فقط نطرح سؤالا بريئا.. هل هذا الفيلم مجرد خيال عابث ؟.. من وجهة نظر شخصية هو ليس كذلك.. فبعض تجارب العلماء اكثر عبثا مما جاء فى الفيلم ..وفكرة أن يصحو العالم ذات يوم ليجد نفسه فى مواجهة مع كائنات ممسوخة شرسة مرعبة تصعب السيطرة عليها أصبحت واقعية اكثر مما يعتقد الكثيرون.. العبث الجينى فى الكائنات الحية اصبح موجودا.. ادخل العلماء تعديلا جينيه على أصناف عديدة من النباتات.. لتصبح مقاومة للآفات الزراعية.. لتقوم بإفراز مضادات حيوية طبيعية تحميها من البكتريا والحشرات.. وربما لتدمير صحة الإنسان الذى يأكلها.. فالمخاطر المحتملة قائمة ..وبرغم ذلك تنتشر الخضراوات والفواكه المهندسة وراثيا فى الأسواق.. أضافوا بعض جينات قنديل البحر إلى الفئران.. فظهر جيل منها يضيء فى الظلام.. ادخلوا تعديلات جينية على الماعز لينتج حليبا محتويا على المادة الخام لخيوط العنكبوت القوية.. والأمثلة كثيرة.. فالعبث الجينى بدأ.. وتشويه الكائنات الحية انطلق.. والإنسان ليس بمنأى عن كل ذلك.. الاستنساخ البشرى قادم لا محالة.. ومعه محاولات التدخل فى الصفات الطبيعية للبشر للوصول إلى مواليد حسب الطلب.. لمحاولة التحكم فى الذكاء والطول ولون البشرة والشعر وكل شيء.. وهناك المزيد والمزيد .
قبل سنوات طالعنا تفاصيل إحدى المحاولات الغريبة لتعديل الفئران.. نجح فريق من العلماء الأمريكيين فى توليد نوع من الفئران المعدلة وراثيا.. بأدمغة كبيرة تحتوى على طيات وتجعيدات لا تختلف عن مثيلتها الموجودة فى أدمغة البشر والثدييات الأخرى الأعلى ..قام هؤلاء العلماء بإجراء تعديل وراثى عن طريق إفراز كميات عالية من بروتين خاص.. يحفز خلايا الدماغ على الانقسام بكمية كبيرة تزيد على المستوى الاعتيادى مما يؤدى إلى تنظيم نمو خلايا الدماغ.
الدراسة التى نحن بصددها توضح أن المسئول عن هذا التطور هو بروتين يدعى «بيتا–كاتينين» وهو يحفز خلايا الدماغ على الالتحام بعضها ببعض.. واستدعت التجربة إدخال تعديل واحد لتنمية قشرة الدماغ حيث توجد المادة الرمادية التى تتيح تعلم الأمور المعقدة.
دعونا لا ندخل فى تفاصيل هذه التجارب المعقدة.. دعونا فقط نتساءل سويا عن جدوى هذا النوع من التجارب.. دعونا نتخيل جيلا من الفئران الذكية آلى تملك أدمغة مماثلة أو قريبة من أدمغة البشر.. ينتشر بيننا ونعجز عن مقاومته.. هل بعد ذلك يمكن أن نطلق على فيلم الوطاويط أو الخفافيش وصف الخيال العلمى المخيف؟.. يبدوا أن واقع الزمن القريب سيصبح مخيفا اكثر من الخيال البعيد.