اليوم، الخامس والعشرون من أبريل أجمل أعياد مصر، وأجمل أعيادى أنا شخصيا يوم أن حررت مصر أرضها بالكامل، خاصة أننى حضرت حرب الخامس من يونيو 67، والتى فقدت فيها مصر سيناء بالكامل، وحضرت انسحاب قواتنا من سيناء، ومازلت أتذكر هجمات القوات الإسرائيلية، وأنا أنسحب فى ممر متلا فى سيناء، والطيران الإسرائيلى يضرب بضراوة حتى وصلنا الضفة الغربية لقناة السويس، ثم مرت ست سنوات وأنا فى حرب الاستنزاف فى موقعى على الضفة الغربية لقناة السويس. وأمامى خط بارليف على مسافة 200م هى عرض قناة السويس، وفى كل لحظة أرى أمامى العلم الإسرائيلى يرفرف فوق أرض سيناء، وأسأل نفسى متى سوف نعيد أرض سيناء الحبيبة مرة أخرى إلى الوطن الأم
واتذكر أننى كرهت المستشار العسكرى الروسى الذى كان يعمل معنا فى الكتيبة، عندما كنت أسأله متى سنهاجم خط بارليف لنحرر سيناء وكانت إجابته أن خط برليف يحتاج إلى قنبلة ذرية لتدميره، ولكن جاء السادس من أكتوبر 73، ليكون الله معنا، ونهاجم خط بارليف، ونقتحم قناة السويس ونحرر جزءاً من سيناء وتبدأ المعارك الاخري، حتى احتفلنا بتحرير آخر شبر من أرض سيناء الحبيبة فى 25 يناير، الذى أصبح رمزا كبيرا فى حياة مصر والمصريين.
واتذكر بعد حرب 73 ومع توقف القتال فى 28 أكتوبر 73، بدأت المباحثات، مع الجانب الإسرائيلى التى لم تكن سهلة، حتى تم التوقيع على اتفاقى فض الاشتباك؛ الأول والثاني، وما أعقبهما من مفاوضات السلام ومعاهدة كامب ديفيد، حين استجابت مصر لنداء السلام، مبرهنة على قوتها السياسية والدبلوماسية، التى قادها ببراعة الرئيس السادات.
وهكذا استعادت مصر، بدماء وجهد وعرق وفكر المخلصين من أبنائها، خلال الحرب والسلام والتفاوض، أرضها المحتلة، باستثناء طابا، إذ تلكأت إسرائيل، كعادتها، ولم تنسحب منها، مدعية أن تلك المساحة، 1020 متراً، لا تقع ضمن حدود الأراضى المصرية. ولأول يتم الإعلان عن مشكلة طابا، فى مارس 1982، قبل شهر واحد من إتمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكرى المصري، فى اللجنة المصرية الإسرائيلية، أن هناك خلافاً جذرياً حول بعض النقاط الحدودية، خاصة العلامة 91.
وحرصاً من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي، اتفق الجانبان على تأجيل الانسحاب من طابا، وحل النزاع طبقاً لقواعد القانون الدولي، وبنود اتفاقية السلام، وتحديداً المادة السابعة، التى تنص على حل الخلافات بشأن تطبيق، أو تفسير المعاهدة، عن طريق المفاوضات، وإذا لم يتيسر حل الخلاف يتجه للتوفيق أو التحكيم. ونص الاتفاق المؤقت، الذى وقعته مصر وإسرائيل، على عدم قيام إسرائيل ببناء أى منشآت فى المنطقة، لحين الفصل فى النزاع، إلا أن إسرائيل حاولت فرض الأمر الواقع، فأعلنت، فى 15 نوفمبر 1982، عن افتتاح «فندق سونستا طابا»، وإنشاء قرية سياحية، كما ماطلت فى اللجوء للتحكيم، مطالبة بالتوافق، وهو ما رفضته القيادة السياسية المصرية، وأجبرت إسرائيل على قبول التحكيم، فى يناير عام 1986، بعد أربع سنوات من المماطلة.
دخل الجانبان فى مفاوضات، لصياغة شروط التحكيم، انتهت فى سبتمبر من نفس العام، وزعمت إسرائيل أن علامات الحدود أزيلت بفعل العوامل الطبيعية، بينما فى الحقيقة أنها من أزالتها بنفسها، فقدمت مصر للمحكمة الكثير من الأدلة والمستندات، التى تؤكد أن هذه البقعة مصرية، وكانت، دائماً، تحت سيطرة وسيادة مصر، وكان من ضمن ما قدمته للمحكمة، صورة للجنود المصريين تحت شجرة الدوم، فى هذه المنطقة، وكانت هذه الشجرة موجودة أثناء التحكيم، فكانت، ومازالت، شاهد إثبات على حق المصريين.
وبعد مباحثات ومناقشات وجلسات طويلة، أصدرت هيئة التحكيم الدولية حكمها، فى 27 سبتمبر 1988، بأحقية مصر فى ممارسة السيادة على كامل ترابها، بعدما تم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر، من مجموع 14 علامة، بأغلبية 4 أصوات، مقابل صوت واحد، وإثبات 4 علامات الأخري، بإجماع الأصوات الخمسة. وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية، ومراوغات إسرائيل، وعُقدت جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم، وتسليم طابا، إلى مصر، حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة، بتسليم طابا فى 15 مارس 1989، ورفع العلم المصرى على أعلى نقطة فى سيناء فى 19 مارس،مسجلاً لحظة عظيمة، فى تاريخ مصر الحديث.
ومن معركة استرداد طابا، نستلهم الدروس والعبر، وأهمها أنه لا يضيع حق وراءه مطالب، يحسن الدفاع عنه، بالأسلوب الذى يفهمه الخصم، من خلال دراسة أساليبه فى المناورة والمراوغة، ومسلحاً نفسه بالقوة الاقتصادية والقانونية والعسكرية، وبالاعتماد على أهل الخبرة والتخصص، وأخيراً، حسن إدارة الأزمات، والتجانس بين فريق العمل، من أجل الوصول إلى الهدف.
وفى هذه الأيام، عندما نرى الاستقرار والأمان يعم أرض سيناء، فنحن متأكدون أن دماء الشهداء هى التى حققت لنا هذا الأمن، وأن عزيمة رجال المصريين فى كل من المعارك قد أعادت سيناء لنا ليصبح 25 من أبريل كل عام، رمزا للمصريين، وأنه لا مستحيل لتحقيق أمل وعادت الأرض مرة أخري، وأقول دائما لننظر حولنا، حيث الجولان، الأرض السورية ما زالت محتلة من إسرائيل، بل إن الكنيست أعلن ضمها إلى إسرائيل، كذلك الضفة الغربية من الأردن ما زالت فى يد إسرائيل، ولكن مصر استعادت أرضها بالكامل لتبدأ مرحلة التعمير والبناء فى سيناء التى هى أساس تأمينها بالتنمية و التى بدأنا فيها خلال الست سنوات الماضية لتصبح سيناء المستقبل المضيء لمصر فى الأعوام القادمة.
حيث تم إنشاء الأنفاق الأربعة وكوبرى الفردان ليصل سيناء بالوطن الأم، كذلك إنشاء ثلاث مصانع الأسمنت ومصنع للرخام، وجار تطوير ميناء العريش ليصبح أهم موانيء الحاويات فى البحر المتوسط، علاوة على تطوير بحيرة البردويل بالخبرة اليابانية، وبناء مطار جديد لتصدير الأسماك إلى أوروبا يوميا، مع استصلاح 400 الف فدان شرق الإسماعيلية، وكذلك بناء المدن الجديدة فى سيناء لاستيعاب العناصر من المواطنين، كذلك انشاء ثلاث جامعات جديدة علاوة على توطين بدو سيناء، وهكذا يصبح الأمل فى سيناء اليوم، لتصبح الاستثمار الجديد فى بناء مصر الجديدة وتصبح تنمية سيناء هو التأمين الفعلى حتى تصبح الأمل الجديد فى مصرنا.