تناقلت وكالات الأنباء العالمية.. حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ أيام حول «زلزال الشرق الأوسط».
.. ووقفت مراكز الأبحاث الكبرى فى تل أبيب هذه الأيام بالفحص والدرس.. أمام خطة الخداع الكبري.. والمفاجأة الاستراتيجية الكاملة.. التى تمكنت من خلالها القوات المسلحة المصرية من عبور قناة السويس.. وتحطيم حصون خط بارليف.. فى معركة خاطفة استمرت ست ساعات فقط.. خلال المشاهد الافتتاحية لحرب أكتوبر 1973 الخالدة.
.. لماذا يقال ذلك الآن؟! وأين نحن؟! وما هذا العالم الذى نعيش فيه؟!.. وفى كل يوم.. وفى كل لحظة يتأكد لنا أن الحروب لا تحدث صدفة.. وأن الحروب ليست مجرد حوادث عابرة.. الحرب لا تحدث إلا بتخطيط مسبق.. لخدمة استراتيجية ذات أهداف محددة وواضحة تمامًا.
وهذا يعنى أن الصراع والحرب المتصاعدة بين روسيا وأوكرانيا ليست مجرد صدفة.. أو حادث عابر.. فى أيام الزمن والتاريخ..
.. وحين تتعمد إسرائيل تصعيد الحرب والغزو بالدبابات والمدرعات لأراضى لبنان.. مع مواصلة جرائم الحرب البربرية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.. فإن ذلك لا يمكن أن يحدث صدفة.. ومن المستحيل ألا تكون وراء ذلك استراتيجية ذات أهداف توسعية واستيطانية..سابقة التجهيز!!
تقارير تل أبيب: نتنياهو قرر استهداف مواقع عسكرية فى طهران
الولايات المتحدة تدافع عن نظام الهيمنة الأمريكى.. بالقوة المسلحة
حاخامات تل أبيب: أرض لبنان من أرض إسرائيل الكبرى فى التوراة
تقارير عالمية: أوكرانيا باعت لإيران صواريخ كروز نووية.. بعد سقوط السوفيت
النصر الإسرائيلى الكامل.. من أوهام نتنياهو الخاسرة
الحروب الطويلة.. تكون دائمًا فادحة الخسائر البشرية.. كما حدث فى غزة
.. دعونا نتساءل ببراءة.. لماذا يتحدث حاخامات الصهاينة فى تل أبيب عن لبنان الآن.. باعتباره جزءًا من «أرض إسرائيل».. التى تحدثت عنها التوراة.. ووهبها الرب لموسي؟! هل هذا الحديث فى هذا التوقيت.. صدفة؟!
.. وليست صدفة أن نجد أن أمريكا تقف بكل قوة إلى جانب أوكرانيا.. فى الحرب ضد روسيا.
.. وليست صدفة أن تقف أمريكا مع إسرائيل فى كل حروبها فى الشرق الأوسط.. ضد حماس وحزب الله.. وحتى إيران.
.. وليست صدفة أن تقف أمريكا مع تايوان ضد الصين فى أقصى جنوب شرق آسيا.
.. كل ذلك يؤكد أننا فى هذا العالم.. أصبحنا أمام نوعية جديدة تمامًا من الحروب بالوكالة.. تحاول من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية أن تدافع عن «النظام الدولى الأمريكي» بالقوة المسلحة.
وإذا لم تكن هذه هى «الحرب العالمية الثالثة».. فإنها من المشاهد الكبرى للحسم العسكرى النهائى للصراع العالمى فى القرن الحادى والعشرين.
.. وحين تهدد إسرائيل بتوجيه ضربة انتقامية لإيران.. ردًا على ضربة الصواريخ الإيرانية فى الأول من أكتوبر الحالي.. تؤكد من خلالها إسرائيل قدرتها على الوصول بطائراتها إلى أى مكان فى الشرق الأوسط.. يتأكد لنا فورًا أن الصراع العسكرى المباشر بين إيران وإسرائيل سوف يتصاعد ويشتعل دائمًا.. ولن يتوقف.. ولن ينتهي.. حتى لو أجلت الحرب إلى حين.. مع ذلك فإن تقارير تل أبيب تؤكد أن ضربة الانتقام سوف يكون هدفها قواعد إيران العسكرية.
.. وقد أكد الرئيس الأمريكى بايدن أن من حق إسرائيل الرد على ضربة الصواريخ الإيرانية.. لكنه لا يرد أن تقوم إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية.. لكنه أوضح أن أمريكا ومجموعة دول السبع الكبرى تؤيد قيام إسرائيل برد انتقامي.
وهذا يعنى من جديد أن أمريكا ودول مجموعة السبع الكبرى تفكر وتخطط.. وإسرائيل تتولى التنفيذ.. ومن أجل ذلك قام يؤاف جالانت وزير الدفاع الإسرائيلى بزيارة عاجلة لواشنطن للتباحث حول حدود الرد الانتقامى الإسرائيلى على إيران.
.. ومرة أخري.. نجد أن إسرائيل لا تتخذ قرارات الحرب والمعارك فى الشرق الأوسط وحدها.. جنرالات القيادة المركزية الأمريكية يتواجدون دائمًا بجوار جنرالات إسرائيل فى تل أبيب من أجل التخطيط السياسى والعسكرى للمعارك وقرارات الحرب، وهذه مفاجأة جديدة تمامًا.. نعم.. كل معارك الحرب والتصعيد العسكرى فى المنطقة تتم بحسابات أمريكية.. وبضوء أخضر واضح من واشنطن.
.. من الواضح تمامًا حاليًا أن إسرائيل تعمدت التأخير فى القيام بالرد الانتقامى على ضربة الصواريخ الإيرانية الجديدة.. ببساطة لأنه يبدو أن تحديد موعد الانتقام يتم بحسابات وإرادة أمريكية.
قوية بما يكفى.. وضعيفة بما يكفى
.. ولذلك يقال فى واشنطن حاليًا تريد توجيه ضربة انتقامية إسرائيلية لإيران.. تكون قوية بما يكفى لإشباع رغبة إسرائيل فى الانتقام.. وتكون ضعيفة نسبيًا.. بما يكفى لاقناع إيران بعدم الرد.. وإشعال الحرب الإقليمية الشاملة.. على الأقل فى هذا التوقيت الحرج قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية.
.. وفى النهاية.. لا توجد حدود لمؤامرات ومناورات الخداع الاستراتيجى بين إيران وإسرائيل.. وتشارك أمريكا دائمًا فى الخداع الاستراتيجى لصالح إسرائيل كل شيء وارد فى الحرب.
.. وقديما قالوا.. لا جديد تحت الشمس.. أى أن القواعد الأساسية للحرب والمعارك الدموية الرهيبة فى الشرق الأوسط.. لا تختلف عن قواعد وأسس الحرب العالمية الثانية.. ومعارك الأسلحة التقليدية مازالت كما هى لم تتغير.. رغم ما حدث من تقدم هائل فى تكنولوجيا الأسلحة الجديدة.
.. ويؤكد الخبراء من جديد أن غارات القصف الإستراتيجى الإسرائيلى الحارقة على لبنان وقطاع غزة.. لم تؤد فى النهاية لاستسلام حركة حماس.. أو ميليشيات حزب الله.. حتى بعد اغتيال حسن نصر الله.
عام من الحرب
.. كل ما حدث هو أن الغارات الجوية الوحشية على قطاع غزة.. فتحت الطريق أمام الدبابات والقوات الإسرائيلية البرية للانتشار واحتلال أراضى قطاع غزة.
.. وفى الشمال.. تعرضت أراضى جنوب لبنان لغارات جوية شديدة العنف لم يشهد لها العالم مثيلاً منذ الغزو الأمريكى للعراق فى 2003.. وهذه الغارات البربرية.. هى التى فتحت الطريق أمام الدبابات الإسرائيلية لغزو الأراضى اللبنانية.. كما يحدث حاليًا.
ويقول الخبراء إن القوة الجوية بشتى أنواعها من طائرات مقاتلة وصواريخ وطائرات مسيرة.. مهمة جدًا فى كل المعارك والحروب.. لكن حين يتعلق الأمر بحسم الحرب واحتلال أراضى لبنان وغزة.. فإن هذه هى مهمة الدبابات والقوات البرية.. كما تفعل إسرائيل حاليًا.
.. وقد حدث فى الأسبوع الماضى أن أتمت الحرب الإسرائيلية على غزة عامها الأول منذ هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023.. ومرة أخري.. استغلت إسرائيل انفرادها بالتفوق الجوى الساحق على ميليشيات حزب الله.. وقامت بعمليات قصف استراتيجى شامل لأنفاق وفنادق حزب الله العميقة فى كل جنوب لبنان.
وهذه العملية تسمى عمليات تكسير العظام ومفارم اللحم.. واستهدفت إسرائيل أيضًا اختبار نوايا إيران.. ومدى صبرها على ما يتعرض له حزب الله من خسائر جسيمة.. لكن إيران سرعان ما ردت «بضربة جوية».. بالصواريخ أحدثت دمارًا واسعًا فى قواعد جوية إسرائيلية رئيسية.
من الجو إلى البر
.. مع ذلك.. فإن الحسابات النهائية للحرب تؤكد أن الضربات الجوية المتبادلة بين إيران وإسرائيل لها أهميتها.. لكنها لا تكفى للقضاء على العدو.. وتصفية وجوده واحتلال المدن والسيطرة على مراكز القيادة والسيطرة والمخابرات.
فقد حاولت إسرائيل تدمير مواقع وأنفاق حماس فى قطاع غزة بالغارات الجوية البربرية.. لكن كل ذلك لم يؤد إلى تدمير قدرة حماس على الحرب وإطلاق الصواريخ على إسرائيل حتى هذه اللحظة.
.. وفشلت الغارات الجوية الإسرائيلية ضد خنادق وأنفاق حزب الله فى جنوب لبنان.. فى تقويض قدرة ميليشياته على الحرب والقتال وإطلاق الصواريخ على حيفا وتل أبيب وشمال إسرائيل.
بين الحرب والنصر
.. وبالتأكيد.. فإن هذه القواعد الأساسية للحرب تنطبق أيضًا على حركة حماس وعلى ميليشيات حزب الله فى لبنان.
وهذا يعنى أنه لن يتحقق لهما النصر الحقيقى بدون التركيز على تدمير القوة الرئيسية للجيش الإسرائيلى وتحطيم قدرته على القتال.
ربما كشفت حماس خلال هجوم 7 أكتوبر 2023 قدرتها على تهديد إسرائيل.. لكنها لم تدمر قدرة إسرائيل على الحرب والقتال.
وهنا يتساءل الخبراء.. ماذا تريد إسرائيل؟ وما هى أهداف خطة إسرائيل؟!
هل إسرائيل تقاتل وتقوم بالحرب من أجل حماية نفسها ووجودها.. أم من أجل هزيمة أعدائها؟!
.. الاختيارات تبدو منطقية.. لكن الكيفية التى سوف تنفذ بها إسرائيل خطط المعارك.. هى التى سوف تحدد نوعية استراتيجيتها العسكرية.
يؤكد الخبراء أن مفتاح الحرب.. هو أن نعرف ما هو النصر؟! ومفتاح النصر.. هو أن نجعل العدو فى حالة من اليأس التام.
ويقول الأمريكى جورج فريدمان أنه لا توجد وسيلة لتحقيق الهدف إلا من خلال الحصار الشامل للعدو وتدميره والقضاء عليه.. والغارات الجوية وضربات الصواريخ وحدها لا تفعل ذلك.. ومن الواضح أن إسرائيل تضع ذلك فى اعتبارها وقواتها تتقدم فى جنوب لبنان.. وسط أنفاق وحصون حزب الله.. كما فعلت حين قامت قواتها باقتحام وإعادة احتلال قطاع غزة.
مع إسرائيل وأوكرانيا
.. وهنا نعود للمشاهد الأولي.. وهى أن أمريكا تقف مع أوكرانيا ضد روسيا فى أعنف حرب تجرى فى أوروبا حاليًا.
.. وتقف أمريكا أيضًا مع إسرائيل ضد أعدائها فى حماس وحزب الله وإيران فى الشرق الأوسط.
وهذا يعنى أنه يوجد صدام عسكرى مباشر وغير مباشر بين روسيا وأمريكا.. ومصالح روسيا فى الحرب الأوكرانية واضحة ومباشرة.. لكن روسيا.. مثل أمريكا.. لها مصالح أيضًا فى الشرق الأوسط.. وتردد أن الرئيس الروسى بوتين قد بحث فعلاً إمكانية القيام بزيارة لقطر.. لكن لم يتم تحديد موعد الزيارة.
من الواضح أن روسيا يمكن أن تحقق الكثير من المكاسب من خلال تورط أمريكا فى أى حرب وصراع عسكري.. وقد امتدت الحرب فى الشرق الأوسط من قطاع غزة إلى لبنان فى الشمال.. ويمكن أن تمتد إلى إيران فى حرب إقليمية شاملة فى أى لحظة.
خسائر فادحة
.. وحين يمتد أمد الحروب وتطول أيامها.. فإنها تؤدى دائمًا إلى خسائر بشرية فادحة كما حدث ويحدث حاليًا فى قطاع غزة وفى بيروت وجنوب لبنان وفى الضفة الغربية.. وحتى فى أوكرانيا.. وكما يمكن أن يحدث إذا اشتعلت الحرب الشاملة بين إسرائيل وإيران.
وفى النهاية سوف تكون تكاليف كل هذه الحروب باهظة ونتائجها وتداعياتها فادحة على كل الأطراف.. بصورة لا يمكن أن يتوقعها أحد.. ويمكننا أن نقول ذلك بدون أن يدرى أحد.. متى أو كيف يمكن أن تنتهى مثل هذه الحروب.
الحرب.. أى حرب تكون معقدة جدًا بطبيعتها ولذلك نجد أن التخطيط الدموى الأمريكى الإسرائيلى يبدو واضحًا تمامًا.. وهو ضرورة هزيمة أعداء إسرائيل فى حماس وحزب الله وحتى إيران.. بلا رحمة!!
وبهذه القسوة والوحشية العسكرية الإسرائيلية- الأمريكية سقط أكثر من 42 ألف شهيد فى قطاع غزة وأكثر من مائة ألف جريح.. والبيانات الأولية للمعارك والغارات البربرية فى جنوب لبنان تؤكد أن الخسائر البشرية فادحة جدًا.. مثل غزة وأكثر عددًا.
التهديد بالنووى
.. ومن الملاحظ فى هذا التوقيت أن إسرائيل تلوح وتهدد باستخدام السلاح النووى ضد إيران.. بهدف ردع إيران.. ولو بدون حرب.
وتتعامل إسرائيل مع إيران على اعتبار أنها تملك برنامجًا نوويًا.. ولا تملك أسلحة نووية.
وربما تعتمد إسرائيل فى ذلك على تقارير المخابرات المركزية الأميريكة التى تؤكد أن إيران لم تحصل على أسلحة نووية من أوكرانيا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.. كما أكدت بعض الأخبار والتقارير العالمية.
.. وذكرت المخابرات المركزية الأمريكية أن أمريكا قامت بالتحقيق التام والمراجعة الكاملة.. لكل ما كان لدى أوكرانيا من أسلحة نووية قبل السقوط السوفيتي.. وتأكدت تمامًا أنه تم نقل كل هذه الأسلحة وتسليمها لروسيا وقالت إن ما يتردد عن قيام أوكرانيا ببيع من خمسة إلى عشر رءوس نووية لإيران.. أخبار غير صحيحة تمامًا.
.. وفى هذا المجال.. لا توجد حقيقة نهائية وثابتة.. خصوصًا بعد أن اعترفت أوكرانيا فى عام 2006 بأنها باعت صواريخ كروز قادرة على حمل رءوس نووية لإيران والصين.
الردع الضائع
.. وهكذا.. من الواضح حتى الآن أن تهديدات إسرائيل النووية قد فشلت فى ردع إيران.. بدون حرب.
.. وهنا يؤكد الخبراء حول العالم أن الشرق الأوسط يحترق بنيران الحروب الإسرائيلية البربرية على قطاع غزة.. وعلى لبنان.
.. ويعترف الخبراء فى واشنطن بوضوح أن القضية لا تتعلق بقدرة إسرائيل على الردع.. بقدر ما تتعلق بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الردع.
أمريكا.. تحاول بكل هذه الحروب الجديدة التى تجرى بالوكالة فى هذا القرن أن تستعيد قدرتها على الردع فى مواجهة المحور العالمى الجديد المُعادي.. الذى تقوده روسيا والصين.. مع إيران وكوريا الشمالية.
.. فقد تزايدت المخاوف من اندلاع الحرب الإقليمية الشاملة فى الشرق الأوسط.. بعد الضربة الصاروخية الثانية لإسرائيل فى الأول من أكتوبر الحالي.. وتهدد إسرائيل بالانتقام الغاضب.. ويتزامن ذلك مع الغزو الإسرائيلى الغاشم للبنان فى تصعيد إقليمى شديد الخطورة.
سقوط الأسطورة
.. لم يعد هناك سوى حقيقة واحدة عارية تمامًا.. وهى أنه لم يعد هناك خوف من قدرة أى طرف على الردع.. فقد سقطت أسطورة الردع الإسرائيلي.. فى مواجهة حماس وحزب الله.. والتصعيد والغزو البرى للبنان ليس إلا محاولة إسرائيلية-أمريكية لاستعادة القدرة على الردع.
لم تعد هناك خطوط حمراء.. والتصعيد العسكرى يدور بلا قواعد أو حدود.. فى الغياب التام لقنوات الاتصال السرية أو المعلنة بين جميع الأطراف.
من الواضح حتى الآن أن أمريكا قد أطلقت يد إسرائيل فى الحرب على لبنان وحزب الله.
.. وتفرض الأسئلة نفسها.. بلا إجابات واضحة.. أين سوف تنتهى الحرب الإسرائيلية متعددة الجبهات فى الشرق الأوسط؟!
من المؤكد أن عملية اغتيال حسن نصر الله.. زعيم حزب الله كانت لحظة تحول فارقة فى هذه الحرب المشتعلة على لبنان وفى الشرق الأوسط كله.. مهما كان فإن اغتيال نصر الله يمثل صدمة حقيقية لإيران ولكل الميليشيات التابعة لها.
اغتيال نصر الله
.. لكن إسرائيل خططت لاغتيال حسن نصر الله.. فى ضربة استباقية منطقية.. على الطريق إلى التصعيد العسكرى الشامل.. ليس مع حزب الله فقط.. ولكن مع إيران أيضًا.
من هنا.. بدأت عملية الغزو الواسع لأراضى لبنان فورًا.. ويوجد اقتناع فى واشنطن بأن اغتيال حسن نصر الله كان عملية ضرورية للغاية.. قبل قيام إسرائيل بالهجوم الشامل على حزب الله.. فى غياب قائده.. وقياداته العسكرية المباشرة.
.. لكن فى لحظة خاطفة تلقت إسرائيل ضربة إيرانية بالصواريخ.. وكلها تقريبًا.. صواريخ من نوعيات جديدة دقيقة التوجيه.. وفائقة السرعة.. وقد فشلت الدفاعات الصاروخية الإسرائيلية والأمريكية فى اعتراض وإسقاط معظم هذه الصواريخ.. التى دمرت قواعد جوية إسرائيلية رئيسية.
.. الآن.. أظهرت إسرائيل على مدى عام كامل.. منذ هجوم حماس.. أنها مستعدة دائمًا للقيام بأى مغامرة عسكرية.. مهما كانت التداعيات والمخاطر.
من هنا جاء اغتيال حسن نصر الله.. وجاءت الحرب الشاملة على حزب الله.
.. ويقال فى تل أبيب إنه لا يمكن العودة للسياسات القديمة.. حين كانت إسرائيل.. تحاول احتواء حركة حماس فى غزة.. واحتواء ميليشيات حزب الله فى لبنان.
.. وقد أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو على استعداد تام للقيام بأى عمل عسكرى حاسم.. ما دام سوف يؤدى لتحقيق النصر الكامل لإسرائيل فى كل المعارك.. مهما كانت النتائج.. ومهما كانت خسائر إسرائيل وجنودها.
نتنياهو.. يريد استعادة قدرة إسرائيل على الردع فى الشرق الأوسط.. واتضح أن الجيش الإسرائيلى خطط واستعد منذ سنوات طويلة للحرب الشاملة مع حزب الله.. وواضح تمامًا أن هذه هى الحرب التى خططت لها إسرائيل.. تدور حاليًا بعنف وضراوة داخل أراضى لبنان.. وبضوء أخضر أمريكى واضح.
.. وفى هذا المناخ التصعيدى الرهيب.. تقدم أمريكا الدعم لإسرائيل بالمال والسلاح.. وبالأساطيل والقوات الأمريكية. بهدف ممارسة أقصى درجات الضغط العسكري.. ضد حماس فى غزة وضد حزب الله فى لبنان.. وحتى ضد إيران.. ومن وقت لآخر تتذكر واشنطن أنها يمكن أن تتدخل بالدبلوماسية.. التى لم تحقق أى نتائج.
.. تراجع الدبلوماسية الأمريكية.. يؤكد التوافق الأمريكي-الإسرائيلي.. على أن الدبلوماسية قد لا يكون لها مكان حاليًا.
وهذا يعنى أن إسرائيل.. لا تريد إلا النصر العسكرى الكامل.. على حزب الله.. وحتى على إيران.
.. لكن يبقى دائمًا المعنى المجهول للنصر الكامل.. الذى يريده نتنياهو.
إذا كان النصر.. هو التصعيد العسكرى والانتصارات التكتيكية.. فإن إسرائيل قد حققت انتصارات من خلال جرائم الحرب فى غزة وضد حزب الله.. وقادة حزب الله.
لكن إسرائيل تدرك جيدًا أن كل هذه الانتصارات مؤقتة.. وتنطوى على نتائج وخيمة.. وتكاليف وخسائر جسيمة لا يمكن التنبؤ بها حاليًا.
ليست الأولى
فقد قامت إسرائيل من قبل بغزو لبنان ودخلت الدبابات الإسرائيلية إلى قلب بيروت.. ولم يتحقق لإسرائيل النصر الكامل الذى تريده.. ولم يتحقق لها السلام الذى تدعى أنه هدفها.
.. وفى النهاية.. لن يتحقق لإسرائيل النصر الكامل.. ولن تتوصل إلى أى نوع من السلام.. يضمن لها البقاء واستمرار وجود ما يطلقون عليه حاليًا.. دولة اليهود الوحيدة فى العالم.. وهى إسرائيل.
.. ويدرك الإسرائيليون عن يقين تام وثابت أن العدو الحقيقى لإسرائيل وهو الشعب الفلسطيني.. وأن هذا الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة وفى الضفة والقدس.. وحتى داخل إسرائيل ذاتها.. هو الذى يمثل التحدى والتهديد الحقيقى لوجود وبقاء دولة إسرائيل.
مخطط إستراتيجى
ومن تل أبيب.. إلى واشنطن.. يبدو أن المخطط الاستراتيجى أصبح واضحًا تمامًا.. وقد تحددت الأهداف من خلال تدمير حماس فى غزة.. واغتيال حسن نصر الله وتدمير ميليشيات حزب الله فى لبنان.. وإضعاف إيران فى النهاية.
ويؤكد الخبراء فى واشنطن أن هذا هو الوهم الأمريكى القديم الذى دفع أمريكا لغزو العراق وأفغانستان فى 2003.. إلى جانب دفع أمريكا إلى محاولة تغيير نظم الحكم العربية من الداخل من خلال انقلابات الربيع العربى الشهيرة.
.. وفى النهاية.. فإن استمرار الصراعات والحرب سوف يلحق إضرارًا بالغة بمنطقة الشرق الأوسط.
أوهام نتنياهو
.. وسوف يلحق أضرارًا بالغة أيضًا بالمصالح الأمريكية.
.. فقد تتمكن إسرائيل من إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل.. واحتلال جنوب لبنان.. وربما حتى تقوم بضم الضفة الغربية بالكامل لدولة إسرائيل.. كما يريد دعاة التطرف والاستيطان فى حكومة نتنياهو.
وهذه الاستراتيجية لن تضمن لإسرائيل النصر الكامل الموعود.. بقدر ما سوف تضمن لها التورط فى «الحرب إلى الأبد».. بما يؤكد من جديد أن إسرائيل منذ اللحظة الأولي.. قامت بالحرب فى الشرق الأوسط.. وسوف تبقى فى حالة حرب دائمة.. وإلى الأبد.
نعم إسرائيل تنطلق على الطريق المؤكد للحرب الدائمة إلى الأبد.. بل إن أى ضربة انتقامية إسرائيلية واسعة لإيران.. سوف تؤدى لانفجار جحيم الحرب الشاملة فى الشرق الأوسط كله.. ويتردد فى واشنطن أن إسرائيل تخطط لتوجيه ضربة انتقامية لإيران مفاجئة وقوية.
ومازالت المشاورات واسعة بين واشنطن وتل أبيب.. حول خطة الضربة والأسلحة التى يمكن استخدامها فيها.. والأهداف الواجب تدميرها.
بدائل الانتقام
.. وتتعدد البدائل أمام إسرائيل.. بدءًا من المخطط الرهيب لاغتيال المرشد الأعلى الإيرانى خامينى بالقنابل الأمريكية المضادة للخنادق والتحصينات العميقة تحت الأرض.. كما حدث مع حسن نصر الله فى الضاحية الجنوبية لبيروت.. وحتى تدمير منشآت إيران النووية أو البترولية.
والرئيس الأمريكى بايدن يطالب إسرائيل بالتركيز على ضرب قواعد إيران العسكرية ومصانع السلاح وأنفاق الصواريخ الإيرانية.. وتؤكد صحف إسرائيل حاليًا أن الهدف النهائى للضربة الإسرائيلية المنتظرة هى القواعد العسكرية ومخازن الصواريخ.
وتبدو إيران حاليًا فى مأزق حقيقي.. لأن أى رد إيرانى انتقامى جديد ضد إسرائيل.. سوف يؤدى إلى حرب شاملة.. ليس مع إسرائيل فقط.. ولكن مع أمريكا أيضًا.
ولن يتم إغلاق دائرة الانتقام والانتقام المضاد بين إيران وإسرائيل بسهولة.. وربما تلوح أشباح الحرب النووية والفناء النووى بين تل أبيب وطهران.
وهذا ما لا يريده أحد سواء فى واشنطن.. أو تل أبيب أو طهران.. لكننا أصبحنا أمام نوعية جديدة تمامًا من الحروب بالوكالة.. تحاول من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية الدفاع عن «النظام الدولى الأمريكي» بالقوة المسلحة.
.. وإذا لم تكن هذه هى «الحرب العالمية الثالثة».. فإنها على الأقل من المشاهد الكبرى للحسم العسكرى النهائى للصراع العالمى فى القرن العشرين.
.. لكن أين وكيف سوف تقوم إسرائيل بالانتقام من إيران ردًا على ضربة الصواريخ الأخيرة؟!
.. الساعات القادمة الرهيبة.. سوف تجيب عن هذا السؤال الكبير.. والخطير.. ومع ذلك فإن الشرق الأوسط يحترق بنيران الحرب فعلاً.. وهذا هو الزلزال الكبير الذى تحدث عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى.. فى ذكرى انتصارات حرب أكتوبر 1973.