لا أحب شهر أغسطس ولا يروق لى الدخول فى أى مشروعات جديدة من أى نوع خلال هذا الشهر الذى تربطنى به ذكريات مؤلمة على كافة الأصعدة، فى هذا الشهر تصل درجات الحرارة المحسوسة والمصحوبة بالرطوبة الخانقة مداها، تذكرنا شمس أغسطس وحرارتها بما هو أعظم وأخطر وهى جهنم والعياذ بالله، وهناك اعتقاد صينى راسخ لدى الصينيين بأن الأشباح تتسلل خارجة من الجحيم باحثة عن المرح فى منتصف هذا الشهر وتحديداً من 16 أغسطس إلى 14 سبتمبر حيث تنطلق وتنتشر الأشباح الجائعة لتنشر الطاقة السلبية والحظ السيئ فى كل مكان، ومن الصين انتقلت تلك الأفكار المرعبة إلى دول جنوب شرق آسيا خاصة الفلبين ويبدو أن هذه المعتقدات متجذرة ومتعمقة فى النسيج الجمعى لهذه المناطق ومنها تناثرت تلك الأفكار إلى العديد من دول العالم، فشهر أغسطس له قصص وحكايات ويأتى فى مقدمتها الرواية القصيرة التى كتبها غابرييل غارسيا ماركيز روايته «أشباح أغسطس» حيث يقول فى أحد مقاطع روايته الشهيرة: «فى الأسبوع الأول من شهر أغسطس وتحديداً يوم الأحد حيث كان يوماً حاراً ورطباً ومثيراً للأعصاب، الناس تحاول الابتعاد وتلافى شروره من خلال تقديم القرابين، وحرق البخور، وتوزيع الطعام، وأيضا حرق الأموال فى أول يوم من الشهر، فضلاً عن زيارة قبور المتوفين، وتنظيفها والصلاة لأجلهم، وإقامة مراسم تأبين لهم».
فى هذا الشهر اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وألقيت القنابل النووية على هيروشيما وناجازاكى لأول مرة فى التاريخ، واندلعت الحرب الاهلية فى إنجلترا واحتلت العراق الكويت، واندلعت حرائق الأمازون فى 2019 وانفجر مفاعل تشيرنوبيل فى روسيا وحدثت العديد من حوادث الطيران والزلازل والبراكين والانهيارات والأعاصير وحدث كل هذا فى شهر أغسطس، فهل حقاً وكما يؤمن الصينيون هو شهر خروج الأشباح من سجونها وتحررها من أغلالها وانطلاقها إلى حيث المرح والفرح لتحوله إلى أحزان وآلام؟ بيد أن الدين والفقه لا يقودنا إلى هذا الطرح اطلاقاً، بل حذرنا الدين من فكرة التشاؤم من الأشخاص أو الأماكن أو الأزمان، لكن ودون الدخول فى مناكفات فكرية فالأمر بالنسبة لى أمر شخصى ونفسى مرتبط بمدخلات ثقافية وفكرية ونفسية، فأنا من مواليد شهر فبراير لكننى أحب شهر نوفمبر كثيراً وأكره شهر أغسطس أكثر، اكتشفت وببساطة شديدة تصل لدرجة الضحالة والسطحية أننى أحب الشتاء والبرد والثلوج وهواء نوفمبر المنعش وحبات المطر المتساقطة فى يناير وفبراير وأحب زهور وخضرة مارس وأبريل وأكره رياح الخماسين وأكتئب لاصفرار الجو وهبوب الرمال وصوت الريح العاتى، ومع دخول يوليو الذى احترمه كثيراً ابدأ فى الاستعداد للابتعاد خلال أغسطس، ابتعد عن المألوف من الجلسات والحوارات فجميعها تنتهى بخلافات واهية ما كانت تحدث لولا ارتفاع الرطوبة والحر الخانق، عموما احذر أصدقائى من صحبتى ومجالستى فى أغسطس فليس لدى استعداد لمزيد من «الفرهدة» مع وجود أشباح أغسطس.