جيش الاحتلال يفرض تعتيمًا على الخسائر.. وترامب ينتقد احتفالات إيران بالنصر
مع بدايتها فجأة ونهايتها سريعاً، تثير الحرب الإسرائيلية ــ الإيرانية الكثير من التساؤلات حول اختراق طهران أمنياً من جانب تل أبيب، وكذلك بشأن نتائج هذه المواجهة العسكرية التى يؤكد كل طرف فيها على تحقيق النصر، ليتم رسم مشهد النهاية بدون مهزوم.
ما زالت كواليس الصراع العسكرى تحمل الكثير الذى لم يُسرد، بالرغم من ظهور بعض التسريبات، التى بدأت تتكشف تدريجياً لوسائل الإعلام حول أسرار الـ 12 يوماً من القصف المتبادل بين الجانبين.
بحسب مصادر أمنية إسرائيلية نقلت عنها صحيفة وول ستريت جورنال، تعود أصول العملية إلى منتصف تسعينيات القرن الماضي، عندما رصدت الاستخبارات الإسرائيلية لأول مرة ما اعتبرته محاولات إيرانية ناشئة لبناء برنامج أسلحة نووية.
بعدها قامت تل أبيب ببناء مجموعة واسعة من العملاء داخل إيران حتى يمكنها القيام بأى عملية داخل أراضيها، إلى أن جاء القراربتدمير البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، والقدرات العسكرية لها، بعد أن تم تحديد أكثر من 250 هدفاً، بما فى ذلك العقول التى تشرف على الطاقة النووية الإيرانيةوكبار القادة فى الجيش الإيراني.
فى هذا السياق، شهدت العاصمة الإيرانية طهران، أمس، مراسم تشييع 60 من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين وبعض المدنيين، الذين لقوا حتفهم خلال الحرب مع إسرائيل.
استطردت وول ستريت جورنال فى شبكات التجسس التى زرعتها تل أبيب داخل إيران، التى وصفتها بأنها واسعة وكبيرة بالشكل الذى أدى إلى تسهيل ادخال المسيرات الاسرائيلية وإنشاء قواعدلها داخل البلاد، حيث لعبت دوراً حاسماً فى تدمير أنظمة الدفاع الجوى الإيرانية، وذلك بعد تجميعها فى مناطق بالقرب منها ومن مراكز القيادة الإيرانية.
فى نفس الوقت، ساعدت هذه الشبكة تل أبيب فى تحديد منازل العلماء النوويين الذين تم استهدافهم من خلال انفجارات متزامنة نفذتها هذه الطائرات المسيّرة و فرق خاصة، لتقضى على نخبة العقول التى كانت تقود البرنامج النووى الإيراني.
لم تخف إيران هذا الاختراق الأمنى فى صفوفها، حيث كشفت مؤخراً أن إسرائيل -بمساعدة متعاونين محليين- تمكنت من تنفيذ ضربات دقيقة واغتيالات، وفقاً لمجلة نيوزويك.
بعدها أعلنت السلطات الإيرانية عن اعتقال عدد من الجواسيس، قالت إنهم ينتمون إلى أقليات عرقية كردية وأذربيجانية، كما كشفت المجلة الأمريكية أن طهران أعدمت مؤخراً ثلاثة أشخاص بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، ليصل إجمالى عمليات الإعدام إلى ستة أشخاص.
وقالت وكالة فارس الإخبارية إن من بين الجواسيس المتهمين أفرادا قدموا معلومات استخباراتية بالغة الأهمية مكنت إسرائيل من شن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على أهداف إيرانية، مشيرة إلى أن بعض العملاء تلقوا تدريبا فى دول من بينها جورجيا ونيبال، بترتيب من المخابرات الإسرائيلية.
وتأتى الإعدامات التى تنفذها إيران وسط حملة مشددة، اعتقل خلالها أكثر من 700 شخص حيث تحاول طهران القاء القبض على المتعاونين مع إسرائيل، وتفكيك هذه الشبكة التى تبدو أنها مترامية الأطراف داخل حدوده، وفقاً للنيوزويك.
وفى سياق التخطيط الإسرائيلى للعملية، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال»عن عمليات تدريب للطياريين الاسرائيليين سراً، لا سيما أن المواقع التى تم ضربها تبعد أكثر من 1000 ميل عن تل أبيب، لذلك كان على الطيارين تعلم كيفية الطيران فى تشكيلات من 6 إلى 10 طائرات حول طائرات التزود بالوقود، عدة مرات خلال الرحلة.
وبعد هجوم 7 أكتوبر 2023، أمضت إسرائيل العامين الماضيين فى إضعاف المحور الإيرانى تمهيداً للضربة العسكرية على إيران، وذلك من خلال ضربات متكررة للحوثيين فى اليمن بمساعدة أمريكية، بالإضافة إلى اضعاف «حماس»، وكذلك»حزب الله» فى لبنان.
وبعد اضعاف سوريا عسكرياً من خلال عمليات قصف مكثفة عليها دمرت فيها عدداً كبيراً من الطائرات وأنظمة الدفاع الجوى وغيرها استطاعت الطائرات الإسرائيلية عبور المجال الجوى للبلاد دون عوائق.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، حيث ذكرت تقارير اعلامية أمريكية عن مسئولين لم تحدد هويتهم، أن تل أبيب خططت لمفاجأة إيران بالضربة، حيث قبلها بأيام، أعلن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أنه سيأخذ عطلة عائلية استعدادا لحفل زفاف ابنه أفنير.
كما سرّب مسئولون إسرائيليون معلومات مغلوطة للصحافة-بالتزامن مع خبر حفل الزفاف – تفيد بوجود خلاف بين نتنياهو والرئيس الأمريكى دونالد ترامب حول الخيار العسكري، وأن إسرائيل لن تتحرك من دون ضوء أخضر أمريكي.
فى الوقت نفســـه، كتب ترامــب على منصة «تروث سوشال»: «ما زلنا نؤمن بالحل الدبلوماسى للملف النووى الإيراني»، وهى رسالة هدفها طمأنة الجانب الإيراني، لتتحرك بعدها المقاتلات الإسرائيلية لضرب الأهداف الإيرانية.
وفيما يخص الرسائل المتبادلة بين طهران وواشنطن، كشفت الأخيرة عن أنها أبلغت طهران عبر قنوات دبلوماسية بعدم سعيها إلى تغيير النظام، حيث ذكرت شبكة «سى بى إس» ، أن الإدارة الأمريكية أوصلت لطهران رسالة واضحة مفادها أن هذه الضربات تمثل «الحد الأقصى «، وأنها لا ترغب فى الانجرار إلى حرب شاملة.
وفيما يتعلق بالبرنامج النووى الإيراني، لا سيما بعد الضربات العسكرية الأمريكية التى استهدفت المنشآت النووية فى عمق الأراضى الإيرانية، ما زال الغموض يكتنف مصيره فيما يخص تدميره بالكامل أو تعرضه لأضرار بالغة أو بسيطة.
فى هذا الصدد، كشف موقع «أكسيوس» الأمريكي، نقلا عن ثلاثة مسئولين إسرائيليين كبار أن مخزون إيران من اليورانيوم عالى التخصيب قد تم نقله إلى أنفاق تحت الأرض فى منشأتى فوردو وأصفهان، فى خطوة تهدف إلى حمايته من أى هجوم خارجي.
وبحسب هؤلاء المسئولين، فإن هذه المنشآت تحت الأرض باتت معزولة عمليا عن العالم الخارجى بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة، ما يجعل من الصعب على إيران استعادة هذا اليورانيوم بسرعة أو استخدامه فى سياق أى تصعيد نووى محتمل.
وعلى العكس من ذلك قال وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إن إسرائيل لم تدمر كل اليورانيوم عالى التخصيب فى إيران فى اشارة إلى 408 كيلوجرامات الذى لا يزال يتواتر الحديث بشأنهم.
وأضاف فى مقابلة مع القناة الإسرائيلية الـ13 ، أن هجومنا لم يقض على كل المواد، مشدداً على أن الموقف المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو أن الإيرانيين سيُطلب منهم تسليم تلك المواد».
كما قالت صحيفة واشنطن بوست أنه لا مفر من الدبلوماسية سواء كانت الضربة الأمريكية إذا كانت «قضت» على البرنامج النووى الإيرانى بالكامل، كما يصر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أو لم تسفر الضربة الأمريكية عن تدميره بالكامل.
فى هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجي، أمس، إنه إذا كان الرئيس ترامب يرغب بشكل صادق فى التوصل إلى اتفاق نووى مع إيران، فعليه أن يتوقف عن «النبرة غير اللائقة وغير المقبولة» تجاه المرشد على خامنئي.
وجاءت تصريحات عراقجى رداً على منشور للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، الذى اتهم خامنئى بـ»الكذب»، بعدما أعلن انتصار إيران فى الحرب ضد إسرائيل.
وكان قد انتقد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى وقت سابق تصريحات المرشد الإيرانى على خامنئى بشأن «تحقيق إيران للانتصار» فى حربها مع إسرائيل، معلناً وقف العمل على خطط لتخفيف العقوبات عن طهران.
وقال ترامب فى منشور على منصته «تورث سوشيال»: لماذا يقول خامنئى زعيم إيران الممزقة بالحروب.. أنه انتصر فى الحرب مع إسرائيل، فى حين يعلم أن تصريحه كاذب».
واعتبر ترامب أن إيران «دُمرت، وتم محو 3 من مواقعها النووية بالكامل»، مضيفاً: «كنت أعلم بالضبط أين كان مختبئاً (خامنئي)، ولم أسمح لإسرائيل أو للقوات الأمريكية، بإنهاء حياته».
وزعم الرئيس الأمريكي، أنه أنقذ المرشد الإيرانى من «موت بشع» وتابع: «هو ليس مضطراً ليقول: شكراً».
وما بين اعلان المرشد الإيرانى على خامنئي، تحقيق النصر، وما يقابله من بيان جيش الاحتلال بحسم المعركة لصالحه، قال الجيش الإسرائيلى إنه دمر الآلاف من أجهزة الطرد المركزى الإيرانية خلال عمليته العسكرية.
كما ذكر أيضًا أن المنشآت النووية الثلاث الرئيسية فى إيران لحقت بها أضرار جسيمة، فضلاً عن تدمير نحو 50 ٪ من مخزون المنصات الصاروخية الإيرانية خلال العمليات، بالإضافة إلى 15 طائرة واستهداف ستة مطارات.
وعلى الجانب الاسرائيلى تشير المعطيات التى سمح بنشرها المتحدث باسم الجيش فى ظل فرض تعتيم اعلامى كبير أن أكثر من 1050 طائرة مسيّرة انطلقت باتجاه إسرائيل، كما أطلق 591 صاروخا، تسببتا فى تحطم أكثر من 62 موقعا فى مناطق مختلفة داخل إسرائيل.
وتشير تقارير اعلامية وأخرى غير رسمية إلى أن الإعلان عن القتلى لم يُعلن رسميابدقة، كما أن هناك تساؤلات حول حقيقة الأضرار، ودرجة الشفافية الرسمية فى تل أبيب، وقدرة المنظومات الدفاعية على الصمود.
بحسب معهد أبحاث الأمن القومي» التابع لجامعة تل أبيب، قُتل حوالى 29 إسرائيليا جراء الصواريخ الإيرانية، فيما تم تسجيل 3508 إصابات متفاوتة.
كما نزح أكثرمن 15 ألف شخص عن منازلهم نتيجة الدمار أو الخطر الأمني، كما سجلت سلطات ضريبة الأملاك فى إسرائيل أن هناك أكثر من 41 ألفا و650 مطالبة بالتعويض عن أضرار لحقت بالممتلكات الخاصة والعامة، نتيجة الهجمات الصاروخية والمسيّرة الإيرانية. وتشير التقديرات إلى أن عدد هذه الدعاوى قد يتجاوز 50 ألفا خلال الأيام المقبلة.
علاوة على ذلك، تعرض الاقتصاد الاســـرائيلى لخسائر كبيرة، لا سيما التى تكبدتها المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة، نتيجة الإغلاق القسري، وتراجع النشاط الاقتصادي، وحالة الشلل التى أصابت العديد من القطاعات فى المناطق المستهدفة.