عندما فكر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. فى تأميم القناة.. لجأ للدكتور مصطفى الحفناوي.. الذى كان قد طالب بأن تكون القناة لمصر.. ولمن لا يعرف من هو د.مصطفى الحفناوي.. أقول: هو الذى وقف بكل قوة فى قلب باريس منادياً بأن القناة ملك خالص لمصر.. وقد تصدى لأصحاب الشركة العالمية لقناة السويس.. بكل الطرق.. ولعل أبرز ما قدمه هذا الرجل.. هو ما جاء فى رسالته العلمية التى حصل بها على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق بجامعة باريس فى يوم ٥ يونيو 1951.. وقد اقتصرت هذه الرسالة على حق مصر فى القناة.. طبقاً للقانون الدولي.. وقد ترجمت هذه الدكتوراه إلى اللغتين العربية والإنجليزية.. وتضمنت كافة الوثائق والمستندات التى تؤكد ملكية مصر للقناة.. ويقول د.الحفناوي: ان ملكية مصر للقناة واجب مقدس.. اتفرغ له تماماًَ.. وسوف اكافح فى سبيله.. فأنا اؤمن بعدالة مطلبنا إيماناً لا يتزعزع.. ومن نبل وشهامة د.الحفناوي.. انه قال فى مقدمة كتابه « قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة « – الجزء الأول – انه ليس أول مصرى يتصدى لتاريخ القناة وحقيقة ملكية مصر لها.. إنما يوجد المغفور له طلعت حرب باشا.. الذى كان قد اعد رسالة قيمة عن قناة السويس وكذلك الدكتور حسين حسنى باشا.. قدم رسالة رائعة عن التاريخ السياسى للقناة والتى تعد من المراجع العالمية جليلة الشأن.. كتاب الدكتور الحفناوى رحمه الله.. اصدره فى 10 فبراير 1952 أى قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952.. وقبل ان يفكر ناصر فى تأميم القناة بأربع سنوات.. المهم استدعى عبدالناصر.. الدكتور الحفناوي.. طالبا منه جميع المستندات القانونية التى يعتمد عليها عند إعلانه تأميم القناة.. وبالفعل انطلق الحفناوى إلى باريس.. واستطاع الحصول على مستندات مهمة دعمت موقف مصر فى مباحثات ما بعد إعلان ناصر التأميم فى 26 يوليو 1956.. واستدعى جمال عبدالناصر.. المهندس محمود يونس الذى كان يتولى رئاسة هيئة البترول.. وكلفه بالقيام بالاستيلاء على إدارات ومبانى الشركة العالمية للقناة.. واستأذن يونس.. من عبدالناصر.. ضم كل من المهندس عبدالحميد أبوبكر والمهندس محمد عزت عادل وهما من قيادات هيئة البترول.. ليكونا ضمن الفريق الذى سيتولى عملية التأميم.. وقام محمود يونس بتشكيل ٣ مجموعات من ضباط جيش وشرطة.. تجمعت فى معسكر الجلاء بمدينة الإسماعيلية.. انتظار لكلمة السر.. التى سيقولها عبدالناصر فى خطاب على الهواء مباشرة من الإسكندرية.. وهى كلمة ديليسبس.. وكان المهندس مشهور أحمد مشهور من ضباط الجيش الذين انضموا لمحمود يونس فى الإسماعيلية وبذلك يكون ثلاثة منهم تولوا رئاسة الهيئة يونس ومشهور وعزت عادل.. وبعد ان استولت هذه المجموعة على القناة.. واجهتهم مشكلة إرشاد السفن.. عقب انسحاب للمرشدين الأجانب وبقى منهم مجموعة من المرشدين اليونانيين ومن المصريين الذين كانوا يعملون فى القناة قبل التأميم.. اذكر منهم إبراهيم الشيتى وهو أول مرشد مصرى يحصل على شهادة أعالى البحار من إنجلترا.. ومعه القبطان البحار والقبطان فهمى ياسين والقبطان الأيوبى والقبطان جلال الابيارى وغيرهم طبعاً.. وكان المهندس محمود يونس يتابع عبور السفن.. من سيارته.. وبجواره المهندس عزت عادل.. على طريق القناة وهو الطريق الاسفلت الملاصق للقناة فى ذلك الوقت.. ونجحت مصر بفضل هؤلاء الرجال فى إدارة القناة.. وبدأت مفاوضات مصر مع إنجلترا وفرنسا حول التأميم.. عقب العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد الباسلة.. وهنا لابد من وقفة حول الدور الوطنى الكبير لأبناء بورسعيد وصمودهم وتضحياتهم ضد إنجلترا وفرنسا وإسرائيل.. وكيف نجح أبطال بورسعيد فى أسر ضابط المخابرات الإنجليزى مور هاوس.. ابن شقيقة ملكة إنجلترا.. والذى أحدث أسرة.. زلزالاً عنيفاً داخل إنجلترا.. دون جدوي.. فلم تستطع إنجلترا الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس.. من فك أسرة.. وتنازلت مصر من مديونيتها لإنجلترا أو التى تبلغ فى ذلك الوقت حوالى 500 مليون إسترليني.. كتعويض عن تأميم القناة.. ومن سخريات القدر.. ان إنجلترا اعترضت على إنشاء القناة فى بداية حفرها.. خشية ان تستولى فرنسا على طريق الوصول إلى مستعمرتها الهند.. وقد قال السير تشارلز دلك وكيل وزارة الخارجية البريطانية: ان قناة السويس هى الطريق الرئيسى إلى الهند وسيلان والمحميات كما انها طريق بورما.. حيث يعيش ربع مليون من الناس تحت التاج البريطانى وكذلك نمر بالقناة فى طريقنا إلى بلاد الصين.. ولنا فيها مصالح كبيرة.. وقامت إنجلترا بشراء حصة مصر فى القناة والتى تقدر بـ15٪ من أسهم القناة.. سداداً لديونها.. وبذلك وضعت إنجلترا يدها على القناة جنباً إلى جنب مع فرنسا.. اليوم وبعد 68 سنة من تأميم القناة.. أقول: إن حق الامتياز للقناة كان سوف ينتهى فى 17 نوفمبر 1968.. أى بعد التأميم بـ12 سنة.. ولا أحد يدرى ماذا كان سيحدث عقب هذا التاريخ.