فى ظل ما يجرى حولنا من صراع القوى بين أمريكا والصين والذى قطعاً سيؤثر على مصير العالم كله، وما يحدث فى غزة من مجازر بحق أبرياء.. هل من المنطقى أن نغرق فى تفاصيل صفقة انتقال «زيزو» للأهلى بعد انتهاء عقده مع الزمالك نهاية هذا الموسم.. ولماذا يصر بعض الإعلام على «اختلاق أزمة» وإغراقنا فى تفاهات الأمور وهناك أولويات وجودية ينبغى توعية الناس بها.. فهل نحسن صناعة الوعى أو إدارة هذا الوعى أم تركناه للسوشيال ميديا التى تكسب كل يوم أرضاً جديدة على حساب الإعلام التقليدي، حتى إنك تجد صناع محتوى لهم من الجمهور والمشاهدات ما يفوق مشاهدات وقراءات القنوات والبرامج والمواقع والصحف كافة..؟! والسؤال: كيف ندير وعينا وننظم أولوياتنا..؟!
ليس عيباً أن نهتم بالرياضة لا سيما الساحرة المستديرة صانعة السعادة فى كل مكان، فالمواطن يحتاج لحظات ترفيه للتخفف من ضغوط الحياة وما أكثرها وأصعبها.. لكن الغلط أن تصير تلك «الرفاهيات» هى أولويتنا الوحيدة، ونفصل أنفسنا عن الواقع المؤلم حولنا.. وهل ما نراه عندنا من عك كروى يخلو من المتعة الحقيقية يمكن أن يُقارن بما نراه فى الدوريات الأوروبية القائمة على الاحتراف والموضوعية والعدالة والشفافية.. هل رأينا هناك انتقالات عشوائية أو إقدام مجلس إدارة فريق على خطف لاعب من خصمه اللدود دون معايير أو شروط واضحة وإجراءات شفافة.. وهل سمعنا بشيء من ذلك فى الدورى الإنجليزى مثلاً الذى تجد كل شيء فيه معلناً بجدول زمنى محدد مسبقاً، سواء جدول المباريات أو انتقالات اللاعبين فرغم تعدد الارتباطات لكنك تجد هذا النادي- أى نادٍ هناك- يلعب فى دورى الأبطال مثلاً وبعدها بيومين يلعب مبارياته فى الدورى الإنجليزى دون تأجيل كما يحدث عندنا بسطوة ونفوذ الأندية الكبري، مما يتسبب فى تشويه البطولة والتشكيك فى نزاهتها.
هل نرى هناك اعتراضات وتشكيكا فى نزاهة وقدرات «قضاة الملاعب» وانسحابات أندية كبرى من مباريات مصيرية إذا لم تسر الأمور على هواها..؟!
الأخطر أن يسعى بعض الإعلام- قاصداً أو غافلاً- لتضخيم- التفاهة- ليوارى بها سوءات أو جراح أمة تبكى ما يحدث فى غزة، أو تترقب ما يجرى حولها من تحولات ضخمة من شأنها تحديد شكل الاقتصاد العالمى الذى سنتأثر به جميعاً مباشرة ودون استثناء.
هل العيب فى المنظومة الرياضية برمتها أم فى رابطة الأندية أم ثقافة اللاعبين ورؤساء الأندية أم فيمن يتصدر المشهد الإعلامى من وجوه غير مؤهلة لإدارة هذا المشهد الذى يسير من سيء لأسوأ، ولماذا ينخرط هذا الإعلام فى سفاسف الأمور ليشعل نار التعصب بين المشجعين بينما يغفل النجوم الحقيقيون من العلماء والمفكرين الذين بهم ترتقى الأمم وتنهض الشعوب.. وكيف تنهض الشعوب فى ظل غياب القدوة الحقيقية القادرة على استنهاض الههم وابتعاث الإرادة من غياهب الغفلة والإغراق فى السطحية والتفاهة..؟!
نرجو أن تسارع الجهات المسئولة عن الرياضة بتحديد مدة رئاسة الأندية بحيث لا تتجاوز دورتين حتى لا تتشكل مراكز القوى والأباطرة الذين يتحكمون فى المشهد دون رقيب ولا حسيب..؟!
نرجو أن تكون الرياضة نموذجاً ملهما لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والشفافية وتعليم النظام والالتزام والأخلاق حتى تظل كما فى كل الدنيا صانعة للسعادة والفرحة والمتعة؛ فالساحرة المستديرة يمكنها أن تصبح مشروعاً قوميّاً يلتف حوله الجميع.
كرة القدم صارت صانعة للسعادة ليس لشعبنا فحسب بل لشعوب الأرض جميعاً.. ولننظر كيف تمتليء المقاهى عن آخرها فى مباريات كلاسيكو الأرض، أو فى مباريات ليفربول مثلاً تشجيعاً لمحمد صلاح الذى نجح فى تحقيق أرقام قياسية غير مسبوقة فى أوروبا وهو ما جعله خير سفير لمصر فى القارة العجوز، أو فى مباريات السيتى الذى يلعب له نجمنا الواعد عمر مرموش..!!
لا عجب والحال هكذا أن تتحول كرة القدم إلى قبلة للاستثمارات تحقق عوائد ضخمة بمليارات الدولارات، يعود نفعها على اللاعبين والأندية والاتحادات والشركات الراعية والدول المضيفة للبطولات على السواء بما يجعل الساحرة المستديرة صناعة ثقيلة وبيزنس مثمراً.
إن كرة القدم، شأنها شأن كل سلوك إنساني، يشوبها أحيانا قصور فى أداء الحكام ومساعديهم أو أداء اللاعبين ومدربيهم أو حتى سقطات الجمهور وخروجه عن النص.. لكن ذلك كله لا يعدو أن يكون استثناءً طبيعياً لا يفسد للعرس الكروى بهجة أو متعة، لكوننا بشراً تحتمل أفعالنا الصواب وتحتمل الخطأ.. لكن يبقى أن كرة القدم هى إكسير السعادة وكلمة السر فى إدخال البهجة إلى قلوب الشعوب وإحداث المتعة وانتزاع الإعجاب الذى ربما لا نجده بالقدر ذاته فى أى شيء آخر كما يتحقق على أرضية المستطيل الأخضر.. إنها حقاً أفيون الشعوب.
أمة واحدة..
تعالوا نواجه أعداءنا بأمة عربية موحدة فنحن فى حاجة لجهد مضاعف وعقول تفكر وتبتكر وتضع حلولاً خلاقة لمشكلاتنا وأزماتنا إذا استطاع كل واحد منا مضاعفة جهده وزيادة إنتاجيته وأن يتقن ما يعمل وأن يحب ما يعمل.. فاذا ما نجحنا فى ذلك نكون على الطريق الصحيح لاستعادة الذات وتحقيق الهدف.. فهل نفيق.