أزعم أن كل المشاكل التى نعانى منها فى حياتنا سببها إنعدام الضمير وغياب الرقابة الذاتية على ما نتخذه من قرارات وما نفعله من سلوكيات قد تكون سبباً فى سلب حقوق الآخر وإلحاق الضرر به فى بعض الأحيان وهو ما سيمتد بطبيعة الحال ويلقى بظلاله على مرتكب الفعل ذاته فلا تظن أنك فى منأى عن أفعالك .
قد يختلف البعض معى فى الرؤية لكنى أرى أنه بعد ما شهدته مصر من أحداث فى يناير 2011 تسببت فى أزمة كبيرة فالأمر لم يقتصر وقتها على ما عاشته البلاد من إنفلات أمنى بل امتد إلى حالة من الانفلات الأخلاقى تواصلت معنا حتى الآن مصحوبة بحالة من غياب الوازع الدينى الذى يجعل المرء يتوقف أمام ما يقدم عليه من أفعال .. ورغم هذا فهناك الكثير مازالوا متمسكين بمراجعة النفس وتقييم أفعالها لمعرفة حالات التوفيق والإخفاق وتحديد أسباب كليهما كذلك تقويم سلوك غيرهم ومحاولة إيقاظ الضمير لديهم حتى تستقيم الأوضاع .
غياب الضمير امتد إلى كافة مناحى الحياة فلم يعد من المعتاد أن تجد من يراعى ضميره فى عمله ويتقنه على كافة المستويات فقد يتساوى فى ذلك الطبيب والسباك وأذكر فى مرة ذهبت لإحدى المستشفيات العامة لإحضار تقرير طبى بعد حادث تعرض له ابنى وهناك مكثت أكثر من ساعة لحين حضور الطبيب الذى ترك نوبتجيته إلى عيادته ولم يحضر إلا بعد استغاثات متتالية من الممرضة لإنقاذ أكثر من عشرة أشخاص جاءوا مصابين فى حادث إنقلاب سيارة ميكروباص ،فى الوقت الذى تستدعى ذاكرتى هذا السباك الذى أحضرته لإصلاح عطل بالمنزل لأجده يزيد الطين بللاً ويتسبب فى كارثة بعد إدعاء قدرته على الإصلاح ومطالبته بمبلغ كبير نظير ما سيقوم به من عمل قبل أن يبدأ فيه .
نموذج الطبيب والسباك بات الأكثر انتشاراً فى كل المؤسسات والهيئات حيث أشخاص يدعون المعرفة وبطولات وهمية وهم فى الواقع منعدمو الضمير والكارثة أنك تجد من يصفق لهم وهم أيضاً أشخاص معدومو الضمير ويتسبب ذلك فى ضياع حقوق شخص مجتهد ولديه من الضمير ما يجعله يجتهد فى عمله .. الكثير من أسباب المعاناة اليومية لمعظمنا سببها أيضاً إنعدام الضمير فالأم تعانى مع أبنائها فى التعليم لأن بعض المدرسين باتوا معدومى الضمير وتعانى فى التمارين الرياضية لأن القائم على التدريب بلا ضمير والأب يعانى من غلاء المعيشة لأن هذا التاجر احتكر سلعة معينة وتسبب فى ارتفاع سعرها عليه ،نفس الحال فى وسائل المواصلات فهذا السائق قرر تقطيع المسافات ليحقق أكبر ربح ممكن فى الرحلة الواحدة ..حتى الأطفال باتوا يعانون بسبب أقرانهم الذين لم يجدوا ما يوقف أفعالهم بحق غيرهم وأحالوا حياتهم لجحيم سببه التنمر المستمر .
هذه الأمور أصابت المجتهد بحالة من الاكتئاب وتسببت فى عدم رغبة الكثيرين فى العمل وهو ما أدى لسوء الأحوال فى الكثير من بيئات العمل بعد أن غاب عنها تطبيق سياسة الثواب والعقاب وبالتالى أصبحنا أمام كيانات غير منتجة ولا تحقق ربحاً لأن غالبية العاملين فيه لا يعملون فى حقيقة الأمر وهو ما سيتسبب فى تخريبها وإغلاقها وتسريحهم جميعاً يوماً ما .
نحن فى حاجة ماسة لصحوة تعيد للبعض ضميره الذى غاب عنه وهذا لن يكون إلا من خلال قوانين وإجراءات تطبق على كل ضعاف النفوس الذين أحالوا حياتنا جميعاً إلى جحيم لا يطاق بعد أن ماتت ضمائرهم وأصبحنا نعيش أزمة ضمير.