لا حديث فى الأروقة العسكرية لحلف شمال الاطلنطى يخلو من التعليق على « شجرة البندق الروسية «، ذلك هو اسم الصاروخ الروسى العملاق «أوريشنيك» الذى أطلقته روسيا مؤخرا على أهداف عسكرية أوكرانية، وتأتى التسمية المستمدة من التراث السلافى حيث كان ينظر إلى شجرة البندق على أنها حامية من الشرور والاشرار حيث تمثل قوة سحرية فاعلة.
>>>
هذا الصاروخ يصنّف على أنه فرط صوتى متوسط المدى حيث يصل مداه إلى 500 كم ويمكنه الوصول إلى بريطانيا وفرنسا فى مدة لا تزيد على 20 دقيقة بينما يصل إلى الأراضى الألمانية فى 15 دقيقة والى وارسو فى 12 دقيقة فقط، جاء استخدام الصاروخ فى هذا التوقيت ليكون بمثابة رسائل روسية إلى حلف شمال الاطلنطى قبل ان يكون رادعاً لأوكرانيا نفسها، فى وقت يترقب العالم وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض وما سيتبعه من قرارات مصيرية ستؤثر على كافة الملفات المفتوحة وأولها حرب أوكرانيا.
>>>
تقول صحيفة الواشنطن بوست عن هذا الصاروخ «إن التهديد الذى أطلقه بوتين كان رسالة مباشرة إلى أوروبا، تأتى فى لحظة حاسمة، إذ تمر الولايات المتحدة بمرحلة انتقالية سياسية، وتشعر أوروبا بالخوف والقلق إزاء إعجاب الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالزعيم الروسى ومدى قدرته على تقليص التزام واشنطن تجاه حلف شمال الأطلسى» ويضيف خبراء عسكريون غربيون أن الصاروخ يمثل الطلقة الأولى فى سباق تسلح أوروبى جديد، قد يستمر لعقود من الزمن ويستهلك مليارات الدولارات فى دول حلف شمال الأطلسى وروسيا، إذ تنفق موسكو بالفعل نحو 40٪ من ميزانيتها على القوات العسكرية والأمنية.
>>>
إذن نحن أمام مرحلة جديدة من سباق التسلح المريع والذى يعيدنا جميعا إلى مربع الفوضى التسليحية التى تستنفذ العالم واقتصاداته، الحقيقة أننى أشارك للمرة الثانية فى اجتماعات حلف شمال الاطلنطى الناتو، حيث كانت المرة الأولى فى واشنطن وهذه المرة فى بروكسل، وما بين القمتين جرت فى النهر مياه جديدة لكنها غير صالحة للشرب دونما اعادة فلترة، جاء ترامب ولايعلم احد – حتى ترامب شخصيا – ماذا سيحدث فى قادم الأيام على كافة الأصعدة، لكن التسارع فى معدلات الفوضى تشى بأن هناك أصابع خفية تعبث مجددا فى مفاصل الدولة الوطنية عموما وفى الشرق الأوسط بشكل خاص.
>>>
فتفجير الأوضاع السورية وتحول البوصلة تجاه انقرة بدلا من طهران ينبؤنا بأن هناك شيئًا لا نراه يتحكم فى مفاصل وسياقات الأحداث، عموما يبدو ان شجرة البندق وحدها لن تفك الألغاز المعقدة حتى لو كان لدينا منها الآلاف، إننا فى حاجة إلى شجرة الزيتون المباركة ليحل معها السلام فى ربوع العالم، كنت أتمنى لو غرست شجرة الزيتون فى مدخل حلف الناتو بدلا من قطعة الحديد التذكارية التى سقطت من احد برجى التجارة فى احداث الحادى عشر من سبتمبر، وبدلا من تلك القطعة من الجدار الإسمنتى الوارد من مخلفات سور برلين.