فى المشهد السياسى الحالي، تغيب قضية الدين الوطنى الأمريكى بشكل ملحوظ عن خطاب المرشحين الرئاسيين البارزين. هذه الصمت ليس مجرد غفلة سياسية، بل هو أيضًا اهمال خطير لأحد أبرز التحديات الاقتصادية التى تواجه الأمة.
تاريخيًا، شهدت الولايات المتحدة تضخم نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى من 39 ٪ فى أواخر القرن العشرين إلى 60.6 بحلول عام 2010، تشير توقعات مكتب الميزانية فى الكونغرس «CBO» إلى صورة أكثر قتامة، حيث من المتوقع أن يتساوى الدين مع الناتج المحلى الإجمالى بحلول عام 2025 وأن يصل إلى 122.4٪ بحلول عام 2034. هذه المسار غير مستدام ويتطلب اهتمامًا عاجلاً.
أساس هذا الخلل المالى لا يكمن فى ضعف الإيرادات الضريبية، بل فى الانفاق الحكومى المفرط. فقد بلغ متوسط الإيرادات الضريبية 17.3 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى فى السنوات الواقعة ما بين 1974 و2023، بينما بلغ متوسط الانفاق الحكومى 21 ٪. بحلول عام 2034، ومن المتوقع أن يرتفع الانفاق إلى 24.9 ٪ من الناتج المحلى الإجمالي، متجاوزًا نمو الإيرادات. ويعزى هذا الخلل فى التوازن أساسًا إلى ثلاث فئات رئيسية من الانفاق، وهى الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، ومدفوعات الفوائد على الدين الوطني. ومن المتوقع أن تنخفض النفقات الحكومية الأخري، مما يبرز الطبيعة غير المستدامة للسياسات المالية الحالية.
تتطلب معالجة هذه القضية أكثر من مجرد زيادة الإيرادات الضريبية. حتى إذا تم إلغاء التخفيضات الضريبية السابقة بالكامل، فإن الزيادة الناتجة فى الإيرادات ستكون غير كافية لمواجهة الارتفاع المتوقع فى الانفاق. يضيف الإفلاس الوشيك لصندوق الضمان الاجتماعى بحلول عام 2035 وصندوق تأمين المستشفيات للرعاية الطبية بحلول عام 2036 درجة أخرى من الإلحاح. لقد عارض كلا المرشحين الرئاسيين تقليصات هذه البرامج، لكنهما فشلا فى تقديم بدائل قابلة للتطبيق لمنع هذه التخفيضات.
بعد أن شغلت العديد من المناصب الاستشارية فى الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية «WTO»، فإننى أوافق على رأى الاقتصاديين بأن عواقب ارتفاع الدين الوطنى عميقة. وقد تؤدى الأزمة المالية إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وتقلب أسواق الأسهم، وزيادة التضخم. علاوة على ذلك، فإن الدين المتنامى يؤدى إلى تقليل الاستثمار الخاص، وخفض الإنتاجية، والأجور، ومشاركة القوى العاملة. إن تكاليف الفرصة البديلة كبيرة، حيث تحد نفقات خدمة الديون الضخمة من قدرة الحكومة على الاستثمار فى مجالات حيوية مثل الدفاع الوطني، والبحث العلمي، وتوسيع الفرص الاقتصادية.
إن صمت القادة السياسيين فى أمريكا حول قضية الدين الوطنى يشكل سهواً خطيراً. من الضرورى أن تتصدر هذه القضية الخطاب السياسى وأن تعالج بالسرعة التى تستحقها. إن قوة الاقتصاد الأمريكى المستقبلية وازدهار الأمة هما عاملان حيويان فى الاستقرار العالمي، ويتطلبان اهتمامًا عاجلاً لتخفيف أى تداعيات محتملة نتيجة لهذا الدين المتضخم.