قال تعالى «وَلِلَّه عَلَى الناسَ حَجُّ الْبَيْتَ مَنَ اسْتَطَاعَ إَلَيْهَ سَبَيلًا» من شروط وجوب الحج الاستطاعة وهى تعنى القدرة على تكاليف السفر إلى البلد المقدس والعودة منه بالإضافة إلى النفقات الشخصية التى تلزم للحاج ونفقات من تلزمه نفقته إضافة إلى القدرة البدنية وأمن الطريق والمسار فمن توفر لديه ذلك وهو بالغ عاقل حر وجب عليه الحج شرط ألا يؤثر ذلك على احتياجاته الاصلية واحتياجات من يعول مدة غيابه وقد استقر الفقهاء الأربعة على مبدأ الاستطاعة.
وفى هذا السياق نشير إلى أن موسم الحج هذا العام شهد أزمة غير مسبوقة نتج عنها مأساة إنسانية أسفرت عن وفاة عدد كبير من المصريين وإصابة عدد آخر الأمر الذى انعكس بصورة سلبية على الأسر المصرية التى فقدت ذويها.
والواقع أن الدولة المصرية بمؤسساتها المعنية تنظم الحج بصورة سنوية من خلال جهات مختلفة منها حج القرعة الذى تنظمه وزارة الداخلية وفق قواعد محددة وضوابط واضحة وحج الجمعيات الذى تنظمه وزارة التضامن من خلال الجمعيات الأهلية على مستوى الجمهورية وحج السياحة الذى تنظمه وزارة السياحة على أن يقوم المواطنون راغبو الحج بالتقدم عبر الجهة التى يختارها فى المواعيد المعلن عنها.. ويتم الاختيار من بين المتقدمين بموجب اجراءات القرعة الإلكترونية وقد أنشئت البوابة المصرية الموحدة للحج طبقا للقانون 84 لسنة 2022 الذى حدد ضوابط اختيار الحجاج وتحديد الأعداد وتشكيل غرفة عمليات خارجية ممثلة للجهات المختلفة وتعيين رئيس للبعثة الرسمية ورئيس للجهاز التنفيذى للجنة الوزارية المعنية بالحج.
ما سبق هو التنظيم الرسمى للحج بموجب المحاور الثلاثة المشار إليها إذا فأين المشكلة وما هى الأسباب.. البعثة الرسمية للحج لها إجراءاتها التى تكفل للحجاج السفر والإقامة والرعاية الصحية والغذائية وأداء المناسك وحتى العودة لأرض الوطن.
المشكلة تكمن فى سفر بعض المواطنين لأداء مناسك الحج من خلال طرق غير رسمية بموجب تأشيرة عمرة أو زيارة أو سياحة ثم البقاء فى الأراضى السعودية بالمخالفة للقوانين والانظمة هناك والدخول لأداء المناسك عبر المنافذ غير الشرعية وباتخاذ طرق وأساليب غير نظامية وقد حدث هذا بالفعل ودخلوا لأداء المناسك ولكن للأسف كانت تحيطهم الظروف المناخية السيئة بسبب ارتفاع درجات الحرارة بصورة أكثر مما يتوقعون وأشد قسوة مما كانوا يأملون الأمر الذى نتج عنه وفاة حالات كثيرة وإصابة الآخرين مع عدم تلقيهم الاسعافات اللازمة أو مدهم بالأغذية أو المشروبات التى تعينهم على مواجهة تلك التداعيات التى نتج عنها تفاقم فى أعداد المتوفين وزيادة فى أعداد المصابين.
وفى هذا الإطار والتزاماً بالمسئولية الإنسانية وجب تقديم الشكر والتقدير للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أمر بتشكيل خلية أزمة لمتابعة هذا الأمر والتنسيق مع الجانب السعودى لاتخاذ الاجراءات اللازمة لمواجهة المشكلة كما وجه السيد رئيس الوزراء بدراسة أسباب المشكلة واتخاذ الإجراءات حيال من تسبب فى هذه الأزمة بالمخالفة للقوانين المصرية والانظمة السعودية.
ومع التقدير التام للبعثة الرسمية للحج التى كان لها دور مهم فى تقديم أوجه الرعاية المختلفة للحجاج المصريين الذين سافروا لأداء مناسك الحج عبر القنوات الرسمية.. وعلى الجانب الآخر كل التقدير والاحترام لجهود المملكة العربية السعودية غير العادية فى تنظيم الحج سنوياً فى ضوء تحديات غير تقليدية.
ولكن أشير هنا إلى أنه من واقع المسئولية الإنسانية قدمت الجهات الرسمية السعودية لهم أوجه الرعاية المختلفة طبياً وغذائياً وفقاً للمواثيق الدولية وحقوق الانسان خاصة أن وجودهم أصبح واقعاً مع الاعتراف التام بمسئولية الاشخاص الذين دخلوا لأداء المناسك عبر طرق غير رسمية وهم يعلمون ذلك جيداً يشاركهم من نظم أو ساعد على ذلك.
ومع التقدير التام لتوجيه السيد رئيس مجلس الوزراء باتخاذ الاجراءات اللازمة حيال الشركات التى يثبت ارتكابها لمخالفات تسببت فى هذه الأزمة.. أؤكد أن على جهات الفحص العمل وفق ضوابط تكفل الوصول للحقيقة وتحديد الشركات التى نظمت بالفعل برامج كاملة للحج بموجب تأشيرات سياحة أو زيارة أو عمرة وتحديد الشركات المخالفة لهذا الأمر حتى لا يكون المجال مفتوحاً للزج بالشركات غير المخالفة وأعتقد أن الجهات المكلفة لديها القدرة والأدوات التى تستطيع من خلالها تنفيذ ذلك دون التغول على باقى الشركات التى اقتصر دورها على إصدار تأشيرة الزيارة أو العمرة أو تذاكر السفر حفاظاً على المنظومة السياحية.
وختاماً فإنه لابد أن يكون هناك تنسيق تام بين الجانبين المصرى والسعودى لوضع آليات لمنح تأشيرات الزيارة بأنواعها قبل وأثناء موسم الحج مع وضع الضوابط للحد من المخالفات التى تؤدى لأزمات قد تصل بنا إلى كوارث كما أشير إلى ضرورة اتخاذ الدولة لاجراءات تهدف لدراسة التكلفة الفعلية للحج من خلال الانظمة المتاحة وصولاً لمقابل عادل يتوافق مع قدرات من يرغب فى أداء الفريضة وبما يشجع جميع المواطنين على اللجوء للقنوات الرسمية إضافة إلى التنسيق مع المملكة العربية السعودية الشقيقة لزيادة الأعداد المقررة تلبية لرغبات المصريين.. حفظ الله مصر وحمى شعبها العظيم.