قال الدكتور مهندس أحمد سليمان، الباحث فى مختبر الدفع الصاروخى «jpl» فى وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» والباحث الزائر فى جامعة كالتك الأمريكية، إن رحلته العلمية من شوارع شبرا «شمال القاهرة»، إلى وكالة ناسا وجامعة كالتك الأمريكية، شهدت محطات كثيرة، من أجل أن يحقق حلمه.
أضاف العالم المصرى فى حوار مع «الجمهورية»، – والذى يتزين صدره بالحصول على ميدالية الولايات المتحدة، نظير جهده فى المساهمة فى كشف أسرار الكون -، فى رسالة الى شباب العلماء فى مصر: «لا تستسلموا وحققوا أحلامكم مهما كانت التحديات، ومصر غنية بالإمكانيات وشبابها قادر على صنع المستقبل».
قال د. أحمد سليمان، أن إنشاء وكالة الفضاء المصرية ، عمل يلهم العلماء الشباب، وخطوة نحو مستقبل واعد، مؤكدا أن الثقافة والحضارة المصرية، هما ركيزة أساسية لمستقبل مصر الواعد.
قال: «عندما وصلت الى جامعة كالتك، تعرفت على الدكتور أحمد زويل، وفرح بى كأول طالب مصرى فى كالتك، وشجعنى بجانب علماء آخرين فازوا بجائزة نوبل وأوصانى بدراسة العلوم الأساسية والمشاركة بكثافة فى الأبحاث، وهذا نص مادار معه من حوار»:
> حدثنا عن بدايتك وكيف كانت الأمور الدراسية فى مصر؟
>> ولدت وتربيت فى منطقة بهتيم، فى شبرا الخيمة، وأكملت تعليمى الأساسى حتى المرحلة الثانوية، ومنذ صغرى حلمت كأى شاب باستكمال دراستى فى الخارج، لكن سرعان ما واجهت عقبة كبيرة تمثلت فى الصعوبات المادية، ورغم محاولات والدى العظيمة لمساعدتي، فإن هذا لم يكن كافيا لتحقيق حلمي، فقررت الاعتماد على نفسى والسعى وراء تحقيق هدفي.
> ما هى طبيعة المرحلة، بعد الانتهاء من الثانوية العامة ؟
>> التحقت بكلية الهندسة فى شبرا «قسم اتصالات»، وتخرجت بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف، وواصلت مسيرتى التعليمية وحصلت على درجة الماجستير من جامعة عين شمس، وخلال تلك الفترة، عملتُ فى المركز القومى للبحوث، ما أتاح لى فرصة نشر مقالات وأبحاث فى دوريات علمية عالمية، ثم عملت فى مدينة زويل لمدة ستة أشهر، وشغلت وظائف أخرى كثيرة، من أشهرها العمل فى شركة الكهرباء.
> وكيف كانت الخطوة التالية، والتى قادتك الى تحقيق الحلم؟
>> لم أستسلم لظروف الحياة الصعبة، بل سعيت جاهدا لتحقيق حلمي، وواصلت العمل والدراسة حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن، وكان عام 2010 «نقطة تحول» فى حياتي، وسعيت للحصول على منحة دراسية فى الخارج. تقدمتُ بأوراقى إلى أربع جامعات عريقة دفعة واحدة: «ستانفورد، بيركلي، وكالتك، وأم آى تي»، آملًا فى قبول إحدى هذه الجامعات المرموقة، لكن للأسف واجهت الرفض من جميعها.
هذا الرفض لم يُثبط عزيمتي، بل زادنى إصرارًا على تحقيق حلمي، وتواصل معى أحد أساتذة جامعة بيركلي، الذى قرأ أوراقى وقدم لى نصائح قيّمة حول كيفية تحسينها، مؤكدا ضرورة الانخراط فى مشاريع بحثية، وتعلّم كيف ابدأ البحث العلمى وخطواته، وكيف انشره ، الى جانب الحصول على كورسات لتقليل الفجوة التعليمية بين مصر والولايات المتحدة، وكانت هذا النصائح بمثابة فرصة ذهبية، ناهيك عن عدم معرفة الجامعات الأمريكية بالجامعات فى مصر، فهم لا يعرفون الجامعات المصرية، باستثناء جامعتي»القاهرة وعين شمس».
> كيف تعاملت مع هذه النصائح وهل كانت مؤثرة فى تغيير مسار حياتك العلمية؟
>> بكل تأكيد، ولقد أخذتُ بنصيحته على محمل الجد، والتحقتُ ببرنامج الماجستير فى هندسة عين شمس وحصلتُ على درجة الامتياز، وانخرطت فى العديد من مشاريع البحث ونشرت عدداً منها فى مجلات ودوريات عالمية مرموقة عن طريق المراسلة، لدرجة أن أستاذ الإشراف على رسالتي، ذهل من كثرة الأبحاث والمراجع باسمي.
> ماذا عن الخطوة التى ترجمت الخطوات السابقة وقادتك الى تحقيق الحلم فى الخارج؟
>> فى عام 2014، كررت المحاولة مرة أخرى وراسلت عدداً من الجامعات الغربية، فوافقوا على قبولى في» ستانفورد وكالتك»، والأخيرة تضم الدكتور أحمد زويل، وقد اخترتُ السفر إلى كالتك لأسبابٍ كثيرة، أهمها بالطبع العمل مع العالم المصرى الجليل الدكتور أحمد زويل.
هناك تعرفتُ عليه عن طريق الدكتور أشرف بدوي، الذى قدمّنى كأول طالب مصرى يُقبل فى كالتك من جامعة زويل وكان الدكتور زويل فرحاً بى وشجعنى بجانب علماء آخرين فازوا بجائزة نوبل، وأوصاني»د. زويل» بدراسة العلوم والمشاركة بكثافة فى الأبحاث.
> حصلت على «ميدالية الولايات المتحدة».. كيف نجحت فى تحقيقها؟
>> نلتُ ميدالية الولايات المتحدة تقديراً لجهودى فى تصميم وتطوير مرصد «تلسكوب» عالى الكفاءة ومختبر للدفع الصاروخى تابع لوكالة ناسا فى القطب الجنوبي.
وشاركت ضمن فريق من جامعة كاليفورنيا فى قياس موجات الجاذبية المتولدة من الانفجار العظيم للكون قبل 13.8 مليار سنة، وواجهنا خلال رحلتنا التى دامت 3 أشهر ظروفًا قاسية، حيث كنا نعمل نهارًا وليلاً فى درجات حرارة قياسية وصلت إلى -80 درجة مئوية، إضافة إلى أن غياب المستشفيات فى المنطقة كان يشكل تحديًا كبيرًا، وفى حال أصيب أحدنا بأى مكروه، كان أقرب مستشفى يقع فى نيوزيلندا.
خضعنا لتدريبات خاصة وشاقة أشبه بتدريبات «رواد الفضاء»، وتم نقلنا بواسطة طائرة عسكرية أمريكية إلى منطقة القطب الجنوبي، حيث عشنا داخل منازل مُجهزة طوال فترة المهمة، وبعد إنجاز المهمة بنجاح، قمنا بنشر نتائج أبحاثنا فى مجلة «فيزيكس ريفيو» المرموقة، وهى المجلة الأولى عالميًا فى مجال الفيزياء.
وحصولى على هذه الميدالية هو شرف عظيم يُمثل تتويجًا لجهودنا وتضحياتنا، فقد ساهمنا من خلال هذه المهمة فى توسيع نطاق معرفتنا بالكون وفهمه بشكل أفضل.
> لغيرالمتخصصين .. ما أهمية هذا الانجاز العلمي؟
– يقودنا الى «فهم الماضى والحاضر والمستقبل»، وتساعدنى على فهم موجات الجاذبية، وفهم كيفية نشأة الكون وتطوره، وكيفية عمل القوى الطبيعية فيه، وكيف سيكون مستقبله.
أيضا يقودنا الى «فهم العناصر الأساسية» ، وتساعدنا موجات الجاذبية على فهم كيفية تشكل العناصر الأساسية التى تُكوّن كل شيء حولنا، مثل الذرات والنجوم والكواكب.
اضافة الى «فهم الطاقة المظلمة»، وهى التى تشكل ما يقارب 70٪ من الكون، ونظن أنها تُسبب تسارعه فى التمدد، وتُساعدنا موجات الجاذبية على فهم ماهية هذه الطاقة وكيف تعمل، إضافة إلى «اكتشاف عوالم جديدة».
وببساطة، فإن «موجات الجاذبية»، هى ظاهرة فى غاية الأهمية تُساعدنا على فهم الكون بشكل أفضل، وهى إشارات ضعيفة جداً يصعب رصدها، لكن العلماء يبذلون جهوداً كبيرة لرصدها وفهمها، وقد تُؤدى إلى اكتشافات علمية ثورية تُغير فهمنا للكون، والتلسكوب الذى يُمكنه قياس موجات الجاذبية، هو أداة علمية هامة ستُساعدنا على تحقيق هذه الاكتشافات.
> وماذا مثلت لك هذه الجائزة الأمريكية على المستوى الشخصي؟
>> لهذه الجائزة معنيً خاص بالنسبة لي، فقد منحتنى شعوراً هائلاً بالسعادة والرضا، ومثلت تجربة علمية غنية أضافت الكثير إلى مسيرتى البحثية، وفتحت لى أبوابًا جديدة.
> كيف تقيم مساهمة مصر «عالميا»، فى مجال الأبحاث والاكتشافات العلمية؟
> أرى بوادر أمل واعدة لمستقبل واعد فى هذا المجال، ومع تأسيس وكالة الفضاء المصرية، وتواصلى المستمر مع العديد من العلماء المصريين المتميزين، أؤمن بوجود إمكانيات هائلة لمصر للمساهمة بشكل فاعل فى هذا المجال.
و نمتلك فى مصر البنية التحتية اللازمة والكفاءات العلمية المؤهلة على أعلى مستوي، وهذا يضعنا على الطريق الصحيح لتحقيق إنجازات علمية بارزة فى المستقبل القريب.
وإنشاء وكالة الفضاء المصرية، خطوة تمثل التزامًا حكومياً واضحاً بتعزيز البحث العلمى فى مجال الفضاء، وتوفير الدعم اللازم للعلماء المصريين للمشاركة فى مشاريع علمية عالمية.
ويوجد فى مصر العديد من العلماء المتميزين فى مختلف المجالات العلمية، الذين ينشرون أبحاثهم فى الدوريات العلمية العالمية ويشاركون فى المؤتمرات الدولية.
ومصر تعزز علاقاتها مع الدول الرائدة فى مجال الأبحاث العلمية، ما يتيح تبادل الخبرات والتعاون فى المشاريع البحثية المشتركة.
وأؤمن بأن مصر تمتلك جميع المقومات اللازمة لتصبح مركزا إقليميا رائدا فى مجال الأبحاث العلمية والاكتشافات خلال السنوات القادمة.
واقول لشبابنا «لا تستسلموا مهما كانت التحديات والصعوبات».
> كيف ترى مصر «عن بعد».. وأنت فى الولايات المتحدة؟
>> أرى مصر بلداً غنياً بالإمكانيات، يتمتع بشبابٍ واعدٍ وعلماءٍ مميزين، ولكن لا يقتصر مستقبل مصر على التقدم العلمى فحسب، بل أؤمن بأن مصر ستظل حاملة لواء الحضارة والثقافة فى المنطقة والعالم، ومصر بتاريخها العريق وحضارتها العريقة، تمتلك مقوماتٍ هائلةً لتصبح مركزًا ثقافيًا واقتصاديًا وسياسيًا مهمًا فى المستقبل.