> لملم شهر سبتمبر أوراقه تاركا أحزانا وآلاما اصابتنا جميعا فى شرقنا العربي.. وأضافت أحزانا إلى احزان.. على ما اصاب شعب لبنان الشقيق من قتل ودمار على يد مجرم الحرب نتنياهو.. ونحن نعيش احزانا لا تغيب عنا ليل نهار على شعب فلسطين الذى يلقى الاهوال فى غزة.. التى لم يترك فيها جيش العار شبرا صالحا للحياة.. والضفة الغربية التى تخضع لغارات قطعان المستوطنين على أهلها الصامدين فى وجه عدوان متواصل لهذه الوحوش الضارية يساندها جيش الاحتلال الذى ينفذ خطط افراغ الضفة.. ويسعى إلى نفس ما فعله فيغزة.. من قتل ودمار..
> واتخيل مأساة ما حدث فى لبنان وتفجير العدو لاجهزة البيجر وغيرها.. ليصيب بالعمى وحده فقط والتشوهات الفا وخمسمائة من ابناء لبنان.. كان قدرهم انهم يحملون ما ظنوه جهازا امنا فإذا به قنبلة موقوتة انفجرت بطلب من مفخخها بعد ان دسها فى ايديهم.. ليقتل فى هذه العملية ويصاب أكثر من سبعة آلاف شخص بضغطة زر واحدة.. أشارة لا يخطئها احد.. إلى ما هو قادم.. والكل يحمل فى يديه ما قد يكون سلاح قتله ودماره.. أيضا بضغطة زر..
>>>
> احزان سبتمبر لا تنتهي.. كأنما قدر لهذا الشهر ان يحمل الينا كل ماتخبئه لنا الايام من احزان.. لعل واحدا منها فى ذاكرتنا جميعا يوم 15 سبتمبر 1882.. يوم وصل الجيش البريطانى القاهرة بعد هزيمة عرابى فى التل الكبير.. بسبب خيانة كل الاطراف له.. بداية من السلطان والخديوى وديليسبس وسلطان باشا والاعراب الذين شاركوا فى الخيانة والخديعة.. ويكون المثل المصرى الشائع «الولس هزم عرابى «.. وليكون هذا هو الاحتلال الثانى لمصر « بفعل الخيانة.. سبقه الاحتلال العثمانى عام 1517.. بعد هزيمة طومان باي.. بفعل خيانة خاير بك الذى اسماه الاهالى البسطاء «خاين بك».. ودخلت مصر فى احتلال دام نحو اربعة قرون واعادها الى الوراء قرونا اخري..
>>>
> احزان سبتمبر تمتد الى ايلول الاسود فى 1970.. والاشقاء يتقاتلون فى الاردن.. وجمال عبد الناصر يتحرك لانقاذ الموقف ويدعو الى قمة عربية فى القاهرة وينجح فى وأد الفتنة.. واقرار سلام الاشقاء.. ولكن قلبه لم يتحمل اجهاد ايام المؤتمر ولامناقشاته.. ويصر عبدالناصر اكراما لضيوفه على وداع الملوك والرؤساء العرب عند سفرهم فى مطار القاهرة فى يوم 28 سبتمبر 1970.. ويكون آخر من ودعهم أمير الكويت.. وكان قد وصل إلى درجة لا تحتمل من الاعياء.. وتحمله سيارته مسرعة الى بيته فى منشية البكري.. لتوافيه المنية بعد ساعات.. وتصيب الصدمة كل ابناء مصر وامتها العربية.. بل العالم اجمع حتى الاعداء.. يلف الحزن الجميع.. ولايصدق الناس ماحدث.. ولكنها آرادة الله..
> ويخرج ابناء مصر فى جنازة وداع لم يشهدلها التاريخ مثيلا.. وتخرج على ألسنة الجماهير كلمات الوداع.. انشودة صاغتها قلوب الملايين التى احبت زعيمها كما لم تحب احدا من قبل عبر تاريخها.. ويظل عبدالناصر رمزا مضيئا فى كل مكان.. فى وطنه وفى عالمه العربي.. بل فى كل مكان تطلع إلى الحرية وساندته مصر.. فى افريقيا واسيا وامريكا اللاتينية..
>>>
> من احزان سبتمبر قبلها بسنوات.. انفصال سوريا عن مصر.. انفصام الوحدة العربية الاولى فى العصر الحديث بين البلدين اللذين عاشا سنينا طويلة عبر التاريخ القديم والوسيط بلدا واحدا.. وتصيب الصدمة الجميع.. على رأسهم القائد الذى نذر حياته لامته العربية.. والذى استجاب لنداء الوحدة عندما سعى إليها السوريون وجاءت وفودهم إلى مصر تطلبها فى عام 1958.. ثم كانت الضربة التى اسقطتها من سوريا أيضا.. وثبت بالقطع ان هناك خيانة.. وتمويلا خارجيا لقادة الانقلاب.. لم ينكره من قدموه.. بل تباهوا به.. لقد استطاعوا القضاء على حلم العرب فى وحدة جماعية..
> فى لحظة عاطفة وانتصارا للمبادئ.. رأى عبدالناصر ان يواجه الموقف بحسم.. واعلنت اكثر من قوى عسكرية ووطنيه فى سوريا رفضها للانقلاب.. ولكن عبدالناصر عاد وحسم الامر.. لن يقاتل الشقيق شقيقه.. لتعد كل القوات التى تحركت الى سوريا.. وليكن لسوريا ما أرادت.. أو ما اريد لها.. فالفكرة باقية.. وهى ان سقطت اليوم.. فهى لن تموت.. ستظل دائما املا لكل شعوب العرب.. ولا مخرج لهم.. طال الزمن أو قصر.. غير وحدتهم..
> وكنت فى سوريا قبل الانفصال فى عام 1961 وعدت إلى القاهرة قبل وقوعه بيومين.. حاملامعى عشرات القصص والتحقيقات الصحفية.. وبدأت اعد نفسى لسلسلة من الموضوعات عن سوريا والوحدة.. ولكن صدمنى الانفصال واحزانه.. وتوقف كل شيء.. ولكنه وحتى الآن لم يستطع ان يقضى على الحنين الى وحدة مصر وسوريا.. وامل فى عودتها.. ولكنه يبقى املا وحسب..
>>>
> اعود إلى بيروت.. وقد تعودت كثيرا ان اذهب اليها من دمشق.. أو العكس.. واتذكر وانا اشهد واسمع اخبار العدوان الاسرائيلى المتواصل على لبنان.. جنوب وشماله.. بيروت.. والبقاع.. وبعلبك.. اتذكر كل شبر فى لبنان وقد طوفت بكل ارجائه.. اتطلع الى هذا كله ويغمرنى حزن عميق.. وانا ارى اكثر من مليون من ابنائه ينزحون إلى الشمال.. نحو ربع سكان لبنان اصبحوا بلا مأوي.. آلاف الضحايا بين قتيل وجريح.. دمار وخراب وقتل.. والعدوالاسرائيلى لا يجد رادعا.. ولا وازعا من ضمير انسانى ولا قانون دولى ولا احد يرده عن المضى فى جرائمة..
> ومع هذا لا نفقد الامل.. واستشهد بكلمات للكاتب الامريكى توماس فريدمان فى صحيفه نيويورك تايمز الامريكية (وهو بالمناسبة يهودي) يقول فيها.. «ان اسرائيل باتت فى خطر رهيب.. وقد اصبحت دولة منبوذة أكثر من أى وقت مضي».. ويضيف «ان الطريق الذى يرسمه نتنياهو لاسرائيل هو طريق نحو الدمار، ويجعلها محاطة بحلقة من النار، واذا استمر فى هذا المسار ستختفى اسرائيل الى الابد».