ربما هى صدفة أن تأتى زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى اليابان لأول مرة وتتزامن مع احتفال حلف «الناتو» فى واشنطن بمرور 75 عامًا على تأسيس الحلف الذى أسس اصلاً بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ضرب هيروشيما ونجازاكى بالقنبلة النووية.. قد يستغرب البعض حول الزيارة التى تأتى وقد مضى للسفير أحمد أبوالغيط 10 سنوات أمينًا للجامعة التى تم تأسيسها أيضا عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.. الحقيقة الزيارة تأتى فى توقيت مهم وهو وسط حرب غزة وما يقوم به العدوان الإسرائيلى من ممارسات مجنونة وغاشمة على أهلنا فى غزة.. واليابان بعيد عن مقررات ما بعد الحرب العالمية وما فرض عليها تظل دولة لها ثقلها العالمى الاقتصادى وترتبط بعلاقات اقتصادية مهمة مع الدول العربية خاصة دول النفط امتدت لسنوات يمثلها فى ذلك شركة الزيت العربية.. كما أن واردات اليابان البترولية معظمها من الدول العربية.. ولليابان علاقات استراتيجية مميزة مع مصر تمتد لسنوات وقد تم تعزيزها بشكل كبير فى السنوات الأخيرة فى صورة تعاون اقتصادى تقنى وفنى فى مشروع توطيد التكنولوجيا الصناعية ضمن مشروع التصنيع الاستراتيجى لرؤية مصر 2030 فالتجربة اليابانية ثرية وتسعى الدول العربية لتعزيز الشراكة مع هذه التجربة.
السفير أبوالغيط فى طوكيو يحمل ملفًا عربيًا مهمًا وهو حث اليابان على الاعتراف بدولة فلسطين فى ظل القرارات الأممية التى ساهمت فى أن أكثر من 146 دولة تعترف بفلسطين «الدولة» فى قرار تاريخى جاء ردًا قاسيًا على همجية جيش الاحتلال ومحاولة مجلس الحرب بقيادة نتنياهو تصفية القضية التى مر على طوفان الاقصى العملية التى زلزلت الكيان 280 يومًا فى أطول مواجهة عربية مع إسرائيل.. ربما يسأل القارىء وما جدوى الاعتراف اليابانى فى ظل التعنت الإسرائيلى والحماية الأمريكية الغربية ــ للمشروع الصهيونى فى الشرق الأوسط.. اعتقد أن اليابان كواحدة من أهم دول آسيا وتشكل مع جارتها القريبة البعيدة سياسيًا الصين بعدًا مهمًا فى هذا الوضع فى ظل التوترات الحالية فى منطقة بحر الصين، اليابان فى حاجة إلى العرب أكثر من أى وقت مضي.. خاصة بعد زيارة الرئيس بوتين المهمة إلى كوريا الشمالية وفيتنام واتفاقات الشراكة رفيعة المستوى التى تمخضت عن الزيارتين.
من هنا اضع لزيارة أبوالغيط أهمية كبرى لدولة مثل اليابان لها ارتباطاتها القوية مع أمريكا والغرب الأوروبى وهذا يصب فى النهاية لصالح الجامعة العربية ودولها.. والجامعة منذ تأسيسها وضعت فى خريطة مكاتبها عدة مكاتب منها مكتبها فى الصين الذى يعد واحد من المكاتب المهمة فى قارة آسيا ويطل على اليابان نفسها فاليابان وان كانت الزيارة متأخرة لكنها تأتى فى ظرف دقيق تمر به القضية الفلسطينية بمنعطف خطير وسط حرب إبادة وصلت أيضا إلى تدمير المؤسسات الإنسانية الداعمة للشعب الفلسطينى ومنها «الاونروا» التى تعتمد على مساعدات الدول ومنها اليابان وتسعى أمريكا وبعض دول الغرب تخصيص مساعداتها الإنسانية فى رؤية بها ازدواجية معايير واضحة تجاه «الاونروا».. وتسعى أمريكا لمساندة إسرائيل بكل أنواع الدعم لحجب المساعدات عن «الاونروا» التى دمرت مكاتبها ومدارسها فى قطاع غزة.. فمن هنا جاءت أهمية زيارة أبوالغيط إلى اليابان وقبل نحو 35 عامًا سألت السفير محمد عبدالوهاب الساكت ــ رحمه الله ــ الذى كان سفيرًا للجامعة فى الصين ما أهمية أن يكون للجامعة مكاتب فى الصين فشرح لى وقتها أهمية وجود مكتب للجامعة فى تعزيز العلاقات العربية مع دول المنطقة خاصة أن الصين من أكبر دول العالم سكانًا وأيضا للثقل الذى تمثله المنطقة بجوارها الآسيوى المهم فى الخريطة الجيوسياسية الآسيوية والدولية.