كلمة واحدة، رأيت أنها تختصر كل شيء، وأنا أتحدث هنا عن أجواء الفرحة التى عاشهاالمصريون، فور التوقيع على أضخم صفقة استثمارمباشر فى تاريخ مصر، بمنطقة «رأس الحكمة».. بالفعل «أبشروا».. كل المؤشرات والأرقام والتفاصيل الخاصة بالمشروع الجديد تدعونا ليس فقط إلى التفاؤل، وإنما لما فوق التفاؤل نفسه، بأننا على أعتاب بداية جديدة قوية للاقتصاد المصري، وأن الأيام القادمة حُبلى بالجديد الذى من شأنه أن يحمل كل الخير، ويزرع الأمل والبهجة فى نفوس المصريين، بأن صبرهم وتحديهم للظروف الصعبة وغير المسبوقة، جراء الأزمات العالمية المتوالية، التى طالت تبعاتها السلبية الشديدة كل الاقتصادات، وبخاصة الناشئة منها – ونحن من بينها –، لم يذهبا هباءً، بل كانا بين أهم ما ساعد الدولة على الصمود، ومواصلة طريقها نحو تجاوز وعبور هذه الأزمات، التى برهنت من جديد على مدى صلابة «المعدن المصري»، الذى يظهر دائمًا فى الشدائد، ونستطيع أن نعوِّل عليه، وعلى درجة وعيه، وتفهمه، ووطنيته، فى تخطى المحن، وتحويلها إلى منح.
نعود إلى الصفقة الكبرى التى تم إبرامها، بشراكة مع دولة الإمارات، والتى لم تكن لتتم بهذه الكيفية، وفى هذا الوقت القياسى – كما عبر رئيس الوزراء – إلا بدعم وفضل القيادة السياسية، فى البلدين الشقيقين.. الأرقام وحدها تبوح بقيمة هذا المشروع الضخم.. الذى ولا شك تتضاعف أهميته بفعل التوقيت الذى جاء فيه.. نحن نتكلم هنا عن صفقة قبل حتى توقيعها، ولمجرد تداول تكهنات،أو شبه معلومات، سبقت إبرامها، استطاعت أن تزلزل، وبمنتهى السهولة،سوقًا «سوداء» للعملة الصعبة، تغذت لفترة على أزمة السيولة الدولارية، حتى وصلت بالسعر الموازى للدولار إلى نحو 70 جنيهًا، ثم ترنحت وأصابها الدوار ونزفت دفعة واحدة أكثر من 15 جنيهًا، على إثر الحديث عن الصفقة الوشيكة.. فما بالنا وقد انتقلت هذه الصفقة من «خانة الوشيكة»، إلى مستوى الحقيقة.
فى تصوري، حجم مكاسب مصر من هذه الصفقة التاريخية، يفوق ما تم إعلانه من مبالغ ضخمة بالدولار.. نعم، نحن نتحدث عن استثمار أجنبى مباشر قيمته 35 مليار دولار، ستدخل خزينة الدولة خلال شهرين فحسب، منها 15 مليارًا «دفعة أولي»، يعقبها بعد 60 يومًا فقط لا غير 20 مليارًا أخري، بالإضافة إلى ضخ الجانب الإماراتى ما لا يقل عن 150 مليار دولار طوال مدة تنفيذ المشروع، علاوة على ٣٥٪ أرباحًا للدولة المصرية – إلى ما شاء الله – من هذا المشروع الواعد.. لكن دعونا نفكر مليًا فى جملة الفوائد التى سيجلبها هذا المشروع الذى يقوم على تطوير وتنمية منطقة «رأس الحكمة» الساحرة.. أولًا نحن أمام ٨ ملايين سائح متوقع توافدهم على هذه المدينة وحدها، والتى من المقرر أن تكون عالمية بكل المقاييس، إذ سيكون على أرضها فنادق عالمية، ومشروعات ترفيهية عملاقة، ومنتجعات سياحية «كما قال الكتاب»، وحى مركزى للمال والأعمال يستقطب الشركات العالمية، فضلًا عن منطقة حرة خدمية تضم صناعات تكنولوجية، وخدمات لوجستية،كما سيتم إنشاء مطار دولى جنوب المدينة، و»مارينا» دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية.. التنمية العمرانية ستمتد أيضًا إلى إقامة المدارس والجامعات والمستشفيات والمبانى الإدارية والخدمية… إلخ.
يا سادة، الكلام هنا عن مشروع ضخامته بمساحة مدينة تتعدى ٠٧١ مليون متر مربع، أى ما يزيد على ٠٤ ألفًا و٠٠٦ فدان، ستُبعث فيها الحياة، على كل شبر من أرضها.. الكلام عن استثمارات جديدة بمقدورها خلق الملايين من فرص العمل لأبناء مصر.. شركات مقاولات، ولوجستيات،وتطوير عقاري، ومصانع، وأيادٍ عاملة – كلها فى مجملها مصرية ٠٠١٪ – تستفيد بشكل مباشر من المشاركة فى هذه الإنشاءات بالغة الضخامة، بما يحمله ذلك من حالة حراك اقتصادى لا يستهان بها.. كلام «مدبولي» واضح وصريح، مدينة «رأس الحكمة»، من بين سلسلة من المدن الذكية على خريطة مخطط التنمية العمرانية لمصر حتى عام «٢٥٠٢» تضم كذلك «العلمين، والنجيلة، وسيدى براني، وجرجوب»، علاوة على تتمية «مطروح والسلوم».. ما يعني، وبالمختصر المفيد، أن الدولة فى «رأسها» صفقات قادمة من نفس الفصيلة الواعدة من المشروعات، والكفيلة بأن تغير وجه الاقتصاد فى مصر، على المديين الزمنيين القريب والمتوسط.
وبما أن الكلمات على لسان الدولة المصرية دائمًا «بحساب»، ولها قطعًا دلالاتها، فلم يمر عليَّ»مرور الكرام» تصريح رئيس الوزراء – خلال المؤتمر الذى شهد التوقيع على الصفقة –بأن «هناك مجموعة من المشروعات تقوم الدولة المصرية بتحضيرها، ليتم طرحها عالميًا، وكلها مشروعات من العيار الثقيل، وعلى مستوى مشروع رأس الحكمة».. نبرة الثقة التى تكلم بها مدبولى كافية وزيادة إلى إشاعة الطمأنينة والبهجة معًا فى قلوبنا جميعًا، بشأن ما سنراه رأى العين، ويثلج صدورنا، الفترة القادمة.. آن الأوان أن تقطف الدولة المصرية ثمار ما زرعته من إصلاحات اقتصادية، وتحسينا كاملا لمناخ الاستثمار الذى شهد نقلة نوعية كبيرة جدًا، عبر تعديلات تشريعية «محسوبة بالورقة والقلم»، ومجموعة من الحوافز الاستثمارية «الذكية»، التى يستفيد منها على حدٍ سواء، وبنفس القدر، كل من المستثمر المحلى والأجنبي.
بُعد آخر، أراه شديد الأهمية، فيما يخص صفقة «رأس الحكمة»، بالغة الحكمة فى توقيتها وتفاصيلها ومردودها على كل المستويات.. هذا المشروع، وكما أكد د. مصطفى مدبولي، بمثابة رسالة ثقة، «بعلم الوصول»، إلى كل المستثمرين حول العالم.. ثقة بالدليل القطعي، والبرهان العملي، فى ثبات واستقرار الدولة المصرية، واقتصادها الواعد، وما تملكه من فرص استثمارية ناجحة ومتنوعة وأكثر من مبشرة، وإلا ماذا كان يدعو الجانب الإماراتي، إلى القدوم والاستثمار بهذه المبالغ الدولارية الطائلة، لو لم يكن يعلم علم اليقين أن العائد مجزٍ وزيادة.. وأن مصر تقف على «أرض ثابتة».
نقطة مهمة أخري، فى كلام رئيس وزراء مصر، أتصور أنها كانت «فى وقتها»، عقب مراسم توقيع صفقة «رأس الحكمة».. تأملوا معى ما قال بالحرف الواحد: «كانت هناك تساؤلات، ما فائدة الطريق الساحلى الدولى بـ ٠١ حارات فى كل اتجاه؟.. ولماذا القطار الكهربائى فائق السرعة من السخنة للسلوم؟.. نتكلم عن جمهورية جديدة تخطط لـ ٠٥ و٠٠١ سنة قادمة».. الكلام «بيشرح نفسه».. ولا أحتاج إلى تفسيره، أو توضيحه، أو الإضافة عليه.
أخيرًا، اعتقد أن ما ألمح إليه مدبولى من أننا «على بعد خطوات قليلة جدًا»، من إتمام الاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وكذلك مع الاتحاد الأوروبي.. كل ذلك من شأنه أن يوفر القدر الكافى من النقد الأجنبى للدولة المصرية، لتتجاوز بثبات الأزمة الراهنة، لنكون أمام «بداية جديدة» للاقتصاد المصري، يمضى بعدها بنجاح إلى ما يصبو ونصبو إليه.. مرة ثانية، أبشروا.