اليوم الخميس يوافق يوم عرفة، وهو ليس يوماً عادياً، بل هو محطة إيمانية، ومنزلة رفيعة من منازل القرب إلى الله، إنه وقفة تتجلى فيها عظمة الإسلام فى جمع القلوب وتوحيد الصفوف وتجديد العهد مع الخالق، هذا اليوم المبارك، الذى يقف فيه الحجاج على صعيد عرفات، يمتد خيره وبركته ليشمل الأمة الإسلامية بأسرها، بما يحمله من فضائل لا تُحصى وفوائد لا تُعدّ.
لقد خص الله يوم عرفة بفضائل جليلة ومكانة عظيمة، ويكفى فى بيان شرفه أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، يقول تعالى فى محكم التنزيل: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» المائدة 3، نزلت هذه الآية على النبى صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة، لتؤكد أن الإسلام قد بلغ غايته فى الكمال والتمام، وأنه دين شامل يلبى كل احتياجات البشرية.
وهو يوم المغفرة والعتق من النار.. ففيه يُكثر الله تعالى من عتق عباده من النار، ويُباهى بهم ملائكته، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم أكثر من أن يُعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يُباهى بهم الملائكة، فيقول ما أراد هؤلاء؟» رواه مسلم.. فهل يعقل أن يفوت على المسلم فرصة كهذه؟!
كما أنه يوم الدعاء المستجاب، ففيه يستشعر العبد قربه من ربه، وتتفتح أمامه أبواب السماء.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير» رواه الترمذى.
لا يقتصر فضل يوم عرفة على الحجاج الواقفين على صعيده، بل يمتد ليشمل كل مسلم على وجه الأرض، فما الذى يتوجب علينا لنغتنم هذا اليوم المبارك ونستفيد من بركاته؟!
أولاً: الصيام، يُسن صيام يوم عرفة لغير الحاج، قال النبى صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة: «أحتسب على الله أن يكفّر السنة التى قبله والسنة التى بعده» رواه مسلم.. أى مكافأة أعظم من مغفرة ذنوب سنتين كاملتين بصيام يوم واحد.. إنه فضل عظيم لا ينبغى للمسلم أن يضيعه.
ثانياً: الإكثار من الدعاء والتضرع، إن يوم عرفة هو يوم إجابة الدعاء، فلنستغل هذه الفرصة الذهبية فى الإلحاح على الله بالدعاء لأنفسنا ولأهلينا وللمسلمين أجمعين.
ثالثاً: الاستغفار والتوبة، إن هذا اليوم فرصة سانحة لتجديد التوبة النصوح والعودة الصادقة إلى الله، فلنتذكر ذنوبنا ولنستغفر الله بصدق وإخلاص.
فى الختام، يوم عرفة هو منحة ربانية وفرصة لا تُعوض لمن أراد أن يتزود من الخير ويتقرب إلى ربه.. فلنغتنم هذه النفحات الإيمانية، ولنجعل هذا اليوم نقطة تحول فى حياتنا.