نلهث إلى الحج والعمرة طلبا للمغفرة والرحمة والرزق والستر نسارع بالخطى إلى المساجد ونتزاحم نحو الصفوف الاولى ، نقيم موائد الرحمن ونوزع أموال الصدقات والزكوات سرا وعلانية ، نهرع إلى دور الفتوى وعلماء الأزهر الشريف نسأل ونتيقن من مسائل مشتبهات، مصاحفنا منتشرة فى كل مكان تقع عليه أعيننا وأعين الناس، نبدأ جميعا يومنا بأذكار الصباح ونختمه بأذكار المساء وبينهما نسمى الله ونستعيذ به ونتوكل عليه بألسنتنا بين أنفسنا وأمام الناس، وعندما نختلى بأنفسنا ندعو ونتبتل وربما نبكى ظنا منا إنها من خشية الله! والسؤال الذى أطرحه على نفسى ولا ألزم به أحدا، هل أداء كل هذه المناسك والعبادات من صلاة وزكاة وحج وعمرة وصيام وصدقة وقراءة قرآن وحفظ أحاديث ورفع الأكف بضراعة إلى الله داعين باكين ومهللين ، هل انعكس هذا على سلوكنا وحياتنا ومعاملاتنا؟ دون إمعان فى جلد الذات وفى لحظة صدق وكلمات حق أقول إننى أرى انفصالا شبكيا تاما بين ما نظنه عبادة وما نمارسه من معاملات، فكم من مرتشى ضبط متلبسا بارتكاب جرائم مشينة وهو يعلق آيات الله على حوائط مكتبه «وإن شكرتم لأزيدنكم» ، «وكان فضل الله عليك عظيما، «ومن يتق الله يجعل له مخرجا» إلى آخر هذه الآيات التى لو عقل معناها ما تجرأ على حدود الله، وكم من شخص تراه مهرولا إلى الحج والعمرة ونجده مهرولا بنفس السرعة نحو حرمات الله سارقا راشيا مرتشيا متجاوزا فى حق من حقوق الله، وكم من شخص تحدث أمامك عن الحق والعدل والمساواة واظنه من لطف حديثه انه تفلت من عصر الصحابة والتابعين وتجده يسقط فى بئر الحرمات مع أول اختبار، ما هذا الانفصال بين ما يجب أن يكون وما هو كائن؟ انظر إلى عالمنا الإسلامى بطوله وعرضه فأجد مساجد مفتوحة وصلوات مقامة ودعوات مجلجلة لملايين المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، بنصرة القدس وتحرير الأقصى وزوال إسرائيل – على سبيل المثال – لكن شيئا من هذا كله لم يتحقق ، فهل سأل احدهم نفسه لماذا لم يستجاب لهم ؟ لماذا تقدمت وتسيدت الدول التى يصفونها – جهلا – بالكافرة وتخلفت وتأخرت وتحطمت الدول التى يصفونها – حماقة – بالمؤمنة؟ لماذا يستهوينا هذا العبث ونخشى مواجهته ومراجعة أنفسنا، بيد أن الخوف من النقد أو التخوين أو التكفير هو الحائط الذى يمنع أهل التفكير من التفكير مخافة التكفير، لذلك وجدنا مجتمعاتنا تتمسك بالشكل وتكافح وتحارب من أجل الحفاظ عليه كما هو دون تفكير فى سبب وجوده لهذا الشكل الذى هو عليه الآن، لكنهم يهملون الجوهر والمضمون فهو مستتر ولا يراه الناس، تجد أحدهم يرتدى أفخر الثياب ويضع أغلى العطور لكن لو كان للذنوب وسواد القلوب رائحة لما تحملتها أنوفنا، نحن اليوم نحتفى ونحتفل بالعيد – فعيد الأضحى المبارك – ورمزية التسليم والتضحية والفداء هى غاية القصة وفلسفة المنسك، لكننا اختزلناها فى «خروف العيد» وعلوم الفتة وفقه الذبح والتوزيع، أراد الله سبحانه أن يعلمنا معنى الإيمان والتسليم والتضحية والفداء، لكننا نسينا هذا الهدف وتمسكنا بهوامش القصة الأصلية، لا أريد أن أرتدى ملابس الحزن فى أيام الفرح، لكننى التقطها فرصة لنراجع انفسنا ولتكن وقفة عرفات وقفة مع النفس أولا وهذا هو بيت القصيد.