فى بداية عام 2008 كنت قد وصلت لمحطتى الثانية فى جريدة الجمهورية بعد أن طلب منى رئيس التحرير وقتها الكاتب الصحفى محمد على إبراهيم عليه رحمة الله الانتقال لقسم الحوادث نظراً لما امتلكه من علاقات طيبة مع المصادر الأمنية من خلال عملى فى الخط الساخن وهو القسم الذى كان يعد حالة فريدة فى مجال الصحافة الجماهيرية من خلال ما قدمه للمواطن من خدمات وحلول لكافة المشاكل عبر التواصل السريع مع المسئولين فى كافة الوزارات والجهات الحكومية وامتد الأمر للقطاع الخاص فى بعض الأحيان.
فى أول أيامى فى قسم الحوادث وجدت نفسى العنصر النسائى الوحيد وسط مجموعة من العمالقة أزعم بل أجزم أنهم الأكفآ على مستوى كل الصحف فى هذا التوقيت حتى كان هذا اليوم الذى أبلغنا فيه الأستاذ عادل غيث بأن الجميع مدعوون على الإفطار فى اليوم التالى على شرف عودة الأستاذة نجوى بسيونى إلى مصر بعد رحلة قضتها فى لندن فى زيارة لابنها الذى اختارها محطة للعمل بعد تخرجه فى كلية الطب وسفره لاستكمال دراساته العليا.
رغم كونه اللقاء الأول لكن «نوجا» كما يناديها الجميع كانت لديها ملكة تشعر معها من الوهلة الأولى أنها واحدة من أفراد أسرتك تعرفها منذ زمن بعيد تأنس للحديث إليها وهى تحكى معك بأريحية لتعطى لك من خبراتها وتجاربها فى الحياة وتؤثرك بمواقفها الإنسانية لتسكن روحك.
عشقت هذه السيدة العظيمة ووجدت فيها مرآة لنفسى ولا أعرف السبب فى ذلك ربما التشابه فى الظروف الحياتية فهى كانت زوجة لضابط وأنا أيضاً ،كذلك رزقنى الله اثنين من الأولاد البنين كما رزقها ليس هذا فحسب بل ينتمى زوجها اللواء على الطوخى عليه رحمة الله لنفس المحافظة التى ولدت فيها حيث مسقط رأس والدتى ورغم أن يوم وفاته كان يوم خطبتى إلا أننى رأيت فى ذلك علامة مميزة لتلك العلاقة التى ربطتنى بها ربما امتداد لحالة عاشتها بتفاصيل أعيشها أنا الآن وأنا أتذكر حديثها لى عن والدها وزوجها وابنيها الدكتور عصام الطوخى أستاذ طب العيون وعميد كلية الطب بجامعة باديا والدكتور طارق الطوخى أستاذ النساء والتوليد بلندن بارك الله فيهما وجعلهما امتداداً لسيرتها العطرة.
الارتباط الروحى بينى وبين هذه السيدة العظيمة كان فى تزايد مستمر فكل لقاء يجمعنى بها أجد شيئاً يجمعنا فأثناء شهور حملى الأول كنت على موعد مع الطبيب وكان طريقى فى اتجاه منزلها فأصررت أن تأتى معى لتوصيلها وفى الطريق اكتشفت أن طبيبى وهو خال زوجى صديقاً لابنها وفى لقاء ثان وكنا نتبادل أطراف الحديث اكتشفت أن ابن خال والدى وهو الدكتور محمد الطرانيسى أشهر أطباء الحقن المجهرى فى العالم والذى يقيم فى لندن صديق لابنها ويعمل معه بل تبين أنها تعرف والده اللواء عبدالفتاح الطرانيسى الذى كان من أحب الناس إلى قلبى ومعه كنت أشعر بدفء العائلة فى اللقاء الذى يحرص عليه فور عودته من السفر ويجمعنا من كل صوب واتجاه لتظل الأجيال على تواصل.
وجدت مع نوجا نفس الشعور وهى تهاتفنى من حين لآخر لتطمئن على أمورى حتى أنها إذا شعرت من كتاباتى على مواقع التواصل بالضيق تسارع بالاتصال لتفرج عنى همومى حتى كان هذا اليوم الذى لن أنساه حيث كنت فى مستشفى الشرطة بالعجوزة برفقة زوجى الذى كان قد أجرى عملية قلب مفتوح وجاءنى اتصالها وكان منزلها على بعد خطوات أدركت أنها تشعر بى لكن كانت على الهاتف مايسة ابنة شقيقتها التى طلبت منها أن تتصل بى للاطمئنان عليه لأنها مريضة ولا تقوى على الحديث.. ما أعظمك يا نوجا حتى وأنت مريضة تفكرين في؟!.. فتحت مايسة الخط لتسمع نوجا صوتى ورغم مرضها الشديد خرجت كلماتها لتدعو لي.
الحديث عن العظيمة نجوى بسيونى يمتد ويحتاج إلى مجلدات تخلد سيرتها ومسيرتها كصحفية صاحبة بصمات جليلة فى بلاط صاحبة الجلالة نجحت أن تكون امتداداً لوالدها الكاتب الصحفى أحمد بسيونى مدير تحرير الجمهورية والذى جاءت إليها للعمل بعد وفاته وهى فى سن السابعة عشرة وظلت حتى وقت قريب تؤدى عملها بكل تفان، كذلك زوجة وفية وأم عظيمة وقبل هذا وذاك كانت إنسانة بكل ما تحمله الكلمة من معان.
الأربعاء الماضى استيقظت على رسالة قاسية من ابنها الدكتور عصام حملت خبر رحيلها لأهرول للحاق بصلاة الجنازة على روحها الغالية وفى المقابر كان اللقاء الأول بابنة شقيقتها مايسة التى عرفتها من حكايات نوجا قبل أن أراها وما أن عرفتنى حتى كانت جملتها «حبيبتك مشيت» انهارت دموعى وابنة أختها وهى فى حقيقة الأمر ابنتها توصينى بألا أنساها وهى تقول «نوجا ما تتنسيش» حقاً فكيف أنساها وهى من سكنت روحي.. رحم الله من كانت لى ونيساً فى الدنيا وملاذاً من أوجاعها.. رحم الله انقى من عرفت.. رحم الله العظيمة فى كل تفاصيلها نجوى بسيونى وداعاً نوجا حتى يحين اللقاء.