تلقى محبو الفنان عامر التونى، مؤسس فرقة المولوية المصرية، خبر وفاته الأحد الماضى بصدمة كبيرة، فقد كان يقدم أعماله منذ سويعات فى إحدى جنبات معرض القاهرة الدولى للكتاب.
رغم ما تداوله رواد وسائل التواصل الاجتماعى، نقلاً عن نجل شقيقه بانه تنبأ بخبر وفاته بقوله «الراحل آخر فترة كان مجهداً فى الشغل جدًا، وكان عنده شغل فى ألمانيا والمغرب، فهو كان متنبئاً بوفاته قبل يومين وكان يقول لى حينما أموت لا تعمل صواناً كبيراً، وتوفر هذا المبلغ، وقبل وفاته كان بيضحك» الا ان الحقيقة المؤكدة انه قد فارق عالمنا بجسده، ليلتحق بقدوته مؤسس المولوية – مولانا الشيخ جلال الدين الرومى، والذى سبقه ليلحق باستاذهما الشيخ شمس الدين التبريزى.
وُلد التونى فى قرية الروضة بمركز ملوى محافظة المنيا سنة 1968، وتخرج فى كلية التربية قسم اللغة العربية، ليشق بعدها طريقه فى عالم التصوف، حيث تعمق فى دراسة الفلسفة الصوفية وطقوس المولوية – فحصل على الدكتوراه فى الطرق الصوفية – وانعكست دراسته فى أعماله الفنية.
تولى الراحل عدداً من المناصب فى الوسط الفنى الصوفى، منها مدير مركز إبداع قبة الغورى، وأبرز أدواره الفنية كان تأسيس فرقة المولوية الصوفية عام 1994، وحاول ان يجعلها جامعة لكل الفرق الصوفية المصرية ومعبرة عنها.
المولوية ليست مجرد رقص ترفيهى ولكنه دوران روحى بيشعر فيه الراقص بعلاقته بالكون كله ما بين الأرض والسماء، وحسب تعريف التونى «المولوية هى الدوران حول النفس والتأمل بهدف الوصول للكمال، مع كبح النفس ورغباتها» فهى مناجاة بين العبدوربه، ومنها أغانى وأناشيد ملحمية، مثل «لأجل النبى» و«لامونى يا رسول الله» و«والله ما طلعت شمس» و«يا طارق الباب» و«طلع البدر علينا».
سار التونى على نهج أستاذه الشيخ ابن الرومى الذى استعمل الموسيقى والشعر والذكر كسبيل للوصول إلى الله، فالموسيقى الروحية – بالنسبة له – تساعد المريد على معرفة الله والتعلق به، ومن هذا المنطلق تطورت فكرة الرقص الدائرى التى وصلت إلى درجة الطقوس، وقد شجع الرومى على الإصغاء للموسيقى فيما سماه الصوفية السماع، فيما يقوم الشخص بالدوران حول نفسه، فعند المولويين الإنصات للموسيقى هو رحلة روحية تأخذ الإنسان فى رحلة تصاعدية من خلال النفس والمحبة للوصول إلى الكمال، وبعد وفاته تحولت تعاليم ابن الرومى إلى سلوك للمريد من اتباعه، وعُرفت بالطريقة المولوية، وانتشرت هذه الطريقة فى مختلف أصقاع العالم الإسلامى والغربى.
حرص التونى على تقديم هذا الفن بروح مصرية واضحة، سواء فى الإيقاع الهادئ المعبر عن بلد زراعى مستقر حول مياه عذبة، مختلفا عن الإيقاع التركى السريع، أو بإمتياز الإيقاع الهادئ ببهجة وسعادة فى تجربة روحية مختلفة عن طابع المولوية الحزين فى العادة، واستطاع بتمصير أدائه ان ينتشر ليس فى مصر وحدها بل وشتى أنحاء العالم.
رحلة روحية وإنسانية جميلة عشقها الراحل فأشاعت وهجاً روحانياً ميزها، ومنح المصريون قدرة على معايشتها وفقًا لطبيعتهم وثقافتهم وهويتهم، وأصبح كثير من الناس مدينين له بالراحة النفسية والهدوء والبهجة فنحن شعب له باع تاريخى طويل فى التدين والتصوف.. فوداعا للغالى عامر التونى وإلى لقاء.