هل رحل أسامة أنور عكاشة حقا؟
وهل تخلصنا من أفكاره وقصصه التى قدمها على مدى أربعة عقود؟
الاجابة نجدها فى أعمال له لا تتوقف قنواتنا والقنوات العربية عن عرضها، فروتانا تعرض الآن مسلسل «ليالى الحلمية » بأجزائه الخمسة متتابعة، ومنذ ايام انتهى عرض «زيزينيا »، و«آرابيسك» على قنوات مصرية، ليعود السؤال الينا مجددا :ولماذا هذا الكاتب تحديدا مع ان تاريخ الدراما المصرية به كتاب كبار غيره، وهو ما سأحاول تفسيره فى الذكرى الخامسة عشرة لرحيل أسامة انور عكاشة «رحل يوم 28 مايو عام 2010» وبعد رحيله ما زالت اعماله. تعاد مرارا وتكرارا وكأنها. تناديه حتى لا يتركها، والحقيقة انه ربما يكون الكاتب الأهم الذى استطاع ان يصحبنا إلى عوالمنا الاسرية والاجتماعية من خلال اهتمامه الشديد بالأسرة المصرية فى الريف والمدينة وبالاختلافات داخل الاسرة وخارجها فى نفس الطبقة وخارجها «الشهد والدموع، ليالى الحلمية»، وقبل هذا الهجرة من الريف للمدينة «ابواب المدينة والمشربية» وأسئلة الهوية، والتعدد الإنسانى والعرقى فى مصر وفى مدينة الإسكندرية من خلال «زيزينيا» وأعمال اخري، والاختلاف الداخلى «أنا وانت وبابا فى المشمش، وأبو العلا البشرى »، والعنف المجتمعى حين يصعد باصحاب الأموال والنفوذ إلى اغتيال حيوات غيرهم «الراية البيضا»، والصراع بين الأفكار والقيم «ما زال النيل يجرى » وأعمال اخرى كثيرة قدمها من اطلقوا عليه لقب «أديب الدراما العربية» تيمنا بالنجيب محفوظ اديب الادب العربي، لكنه، اى أسامة عكاشة، لم يكتف بكتابة الدراما فقط وانما كتب اعمالاً روائية عديدة أولها «خارج الدنيا» وهى مجموعة قصصية صدرت فى نفس العام الذى بدأ فيه كتابة أعماله الدرامية.، بينما صدرت آخر كتبه «سوناتا لتشرين» عام وفاته 2010، كما كتب ايضا عشرة افلام للسينما المصرية كان اولها «كتيبة الإعدام»، وآخرها ما تم انتاجه منذ عامين وهو «الاسكندرانى».
هو.. ونجيب محفوظ.. وبداية الرحلة
فى نهاية السبعينيات، بدأ اسامة عكاشة حياته ككاتب درامى بتحويل قصة نجيب محفوظ «الرجل الذى فقد ذاكرته مرتين» إلى سيناريو لمسلسل من سبع حلقات وكان قد قدم قبلها تمثيلية بعنوان «حارة المغربى» عن قصة للكاتب سليمان فياض قبل ان يكتب أول عمل لنفسه ككاتب تليفزيونى وهى سباعية «الانسان والحقيقة» عام 1976 التى أخرجها فخر الدين صلاح احد أهم مخرجى الجيل الاول فى التلفزيون المصري، وبعدها بدأ الاثنان معا رحلة فريدة من الانسجام الفكرى والتعاون وهو ما بدأ واضحا على الشاشة من خلال 13 مسلسلا طرحت هموم الانسان فى كل مكان من مصر، وحيرته بين صراعات داخلية وخارجية ،أعمال بدأت بمسلسل «الحصار» وحتى «المشربية» عام 1979 وبعدها الجزء الثانى من «أبواب المدينة » ليرحل بعدها فخر الدين صلاح، ويستكمل أسامة عكاشة مشواره مع الدراما التليفزيونية مع مخرجين كبار مثل محمد وبفاضل الذى قدم معه: «وقال البحر» – «ورحلة ابو العلا البشرى» وبعدها قدما معا اعمالاً مهمة مثل «عصفور النار» و« وانا وانت وبابا فى المشمش »، «والراية البيضاء» وأعمال أخرى.
امرأة من زمن الحب
بعد محمد فاضل، بدأ اسامة عكاشة رحلة ثالثة مع المخرج إسماعيل عبد الحافظ بمسلسل «الشهد والدموع » بجزءيه، ثم درة أعمال الدراما العربية «ليالى الحلمية» التى رأينا جزأها الاول عام 1987 واستمرا معافقدما اعمالاً مهما مثل «أهالينا»، و«أمرأة من زمن الحب» فى نهاية التسعينات لتنتهى رحلتهما برحيل إسماعيل عبد الحافظ بعد مسلسل «المصراوية» بجزأيه عام. 2009 وليصبح اسامة انور عكاشة أيقونة الكتابة الدرامية بما قدمه من مسلسلات حظيت بشعبية استثنائية جماهيريا، بل انها صنعت للكاتب التليفزيونى نجومية. لا تقل عن نجومية المخرج والممثل مع ما هو اهم فى مسيرته وهو علاقته بالجمهور او الناس الذين أحبوه، فلم يترك أسامة أنور عكاشة موضوعا يهم شريحة من شرائح المجتمع المصرى إلا وأثاره، ولم يترك هما سياسيا واجتماعياً واقتصادياً إلا وتعرض له ضمن نسيجه الدرامى العريض الذى كان يفضله على نسيج الاسرة الصغيرة المحدودة، وهو ما صنع له كمؤلف موقعا متميزا بين صناع الدراما، وصنع ما هو أهم، وهو التأثير الكبير لافكاره واعماله على جمهور عريض فى مصر والعالم العربى. وذكرى لا تمحى.