أن اليهود الموجودين حاليًا ليسوا من نسل اليهود الذين نعرفهم
اقترب الإعلان عن كتابه الذى انكب على اتمامه، وعكف على كشف حقيقة علمية تاريخية وجغرافية عن اليهود والصهيونية، تلك الخلاصة العلمية من كتابه هذا تكشف النقاب عن زييف ادعاءات الصهاينة بأحقيتهم التاريخية فى جغرافيا أرض فلسطين.. لكن النيران اشتعلت فى منزله الذى لم يضم سوى غرفة وحيدة وصالة، وتلك كانت شقتـــه بالــدور الأرضــى بالعقـــار رقــم
25 الكائن بشارع أمين الرافعى المتفرع من شارع هارون بالدقى يوم 17 أبريل سنة 1993 كانت مسودة مشروع الكتاب تكشف عن حقيقة علمية أخرى وهي: أن اليهود الموجودين حاليًا ليسوا من نسل اليهود الذين نعرفهم دينياً وتاريخياً وهكذا أيضاًً يعرفهم العالم!. وتلك حقيقة علمية تستحق الوقوف أمامها كثيراً وطويلاً حتى نستكشف منها حقائق أخرى تالية ومترتبة عليها تهم المواطن العربى وتحقق نصراً فكرياً وثقافياً أولاً لقضية فلسطين، وحقيقة عروبتها، وأصل ملكيتنا نحن العرب لها دون غيرنا، وهذا ما يجب أن يدركه ليس فقط الأجيال العربية القادمة، بل أيضاً شعوب الأرض وحكامهم.
نعود للشهيد جمال حمدان هذا العالم الفذ الذى اصطدم بواقع بيروقراطى مريض، إذ إنه رأى من هم أقل منه علمًا ودرجة يسبقونه ويتخطونه فى الترقية، ولأنه كان رجلاً معتدًا بنفسه، فقد قدم استقالته من العمل الجامعى 1963 ولم يكن قد جاوز سن الخامسة والثلاثين من عمره، وتفرغ للبحث العلمى والإبداع الفكري، فنذر نفسه وعبقريته للبحث والدراسة والكتابة عن مصر وشخصيتها على وجه التحديد، فألف خالدته الباقية «موسوعة شخصية مصر دراسة فى عبقرية المكان» التى عكف يعمل عليها ما يقارب العشر سنوات حتى نهم منها القاريء المصرى والعربي، وكذلك الحاقد القريب والبعيد(!) منذ صدورها إلى الآن، بسبب ما جاء بها من حقائق علمية كانت مجهولة بين صفحات التاريخ، وهذه الموسوعة التى تضم أربعة آلاف صفحة، مدققة علمياً، ومدللة بمراجع موثقة، ففى المجلد الرابع وحده على سبيل المثال، اعتمد على 245 مرجعًا باللغة العربية و791 مرجعًا باللغة الإنجليزية، هذا غير عشرات المقالات التى استعان بها وأثبتها فى هذه الموسوعة. وكلما ازداد نهمه فى البحث العلمى عن جغرافية وطنه، زاد عشقه لهذا الوطن ـ مصرـ فألف عن «سيناء» التى عشقها، وخاف عليها إلى حد الهلع من استمرار تركها خالية تعانى الندرة رغم ثرواتها التى لا تحصي، ورغم قداستها، وتنامى عشق الشهيد جمال حمدان لسيناء التى باركت هى بدورها عمله البحثى والعلمى عنها، ولا غرابة فى تلك المقولة، فيعلمها ويؤمن بها من عاش فى سيناء وآمن بها، فأهلها دائماً يقولون: «سيناء تحب من يحبها وتجزل له فى العطاء بسخاء وكرم» وسيناء هنا هى التراب والإنسان، وهى القسم الإلهى بالطور والتين والزيتون، وهى القداسة والتجلي، وهى أرض الشهادة المروية بأطهر دماء السادات من المصريين.
هذه سيناء التى حولت الشهيد جمال حمدان من باحث فى علم الجغرافيا ـ بعشقه لها ـ إلى مفكر إستراتيجي، وعالم، وشهيد خالد، فكتب فيها مؤلفه الأهم بعد شخصية مصر «سيناء فى الإستراتيجية والسياسة والجغرافيا» حتى إنه أطلق على سيناء «مصر الصغري». فقد استحوذت «سيناء» على فكر الشهيد جمال حمدان، وكان عنوانها هو الأهم فى أبحاثه وكتبه ومقالاته، لعلمه بمكانتها الخاصة لدى مصر التاريخ والجغرافيا، ولدى المصريين، ولأنها أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق، وبوصفها كذلك وحدة جيوستراتيجية واحدة، لكل جزء منها قيمته الحيوية، ويقدم لنا الشهيد جمال حمدان فى هذا الكتاب سيناء من جميع جوانبها: الإستراتيجية والسياسية والجغرافية، ويخلص فى النهاية إلى حتمية تعمير سيناء لتكون نموذجاً فى التخطيط القومى والإقليمي، العمرانى والإستراتيجي، بحيث يكون التحدى الحضارى لسيناء على ذات المستوى من التحدى العسكري، وصدر كتابه قبيل استشهاده ببضعة أشهر فى يناير 1993 وظل هذا العالم الفذ والمفكر العبقرى معتكفا داخل شقته المتواضعة وانقطع عن العالم الخارجى تمامًا، فكانت هذه الشقة هى صومعته التى يترهب بداخلها عشقا فى مصر وسيناء، وانكب يكتب عن اليهود والصهيونية فى كتاب لم ينشر بل كان سبباً فى استشهاده، وهذا ما سنتابعه فى القادم إن شاء الله.