تاريخ طويل من النضال والكفاح خاضته المرأة المصرية فى مسيرتها للتمكين وتحقيق المساواة فى مختلف المجالات والقطاعات حتى نجحت فى الحصول على كثير من المكاسب خلال العشر سنوات الماضية حتى بات عصر الرئيس السيسى يطلق عليه العصر الذهبى للمرأة.. فقد زادت نسبة مشاركة المرأة فى الحياة السياسية والعامة وتقلدت كثيراً من المناصب المهمة فى الدولة حيث حظيت المرأة المصرية بمكانة مرموقة.. وحتى يكون تمثيل المرأة على ارض الواقع وليس مجرد حبر على ورق.. فكانت مسيرة ناجحة للمرأة المصرية للحصول على حقوقها خاضتها المرأة منذ 100 عام.
واليوم يتناول ملف «الجمهورية الاسبوعي» حول النساء الاوليات فى العمل السياسى فى تاريخ مصر ومن بينهن السيدة راوية عطية اول امرأة دخلت البرلمان المصرى وكان لها دور كبير فى الجيش فى اثناء الاحتلال البريطانى ثم الاعتداء الثلاثى وايضا فى ثورة التصحيح وفى انتصار اكتوبر حيث شاركت لمدة تقترب من 100 عام فى كل الاحداث التى مرت بمصر.. وإلى التفاصيل.
تمثل راوية عطية أحد النماذج المشرفة للمرأة المصرية النائبة البرلمانية، وهى سياسية مصرية رائدة، وذات شهرة واسعة كانت اول امرأة مصرية تكسب عضوية البرلمان بعد فوزها بعضوية مجلس الامة فى الانتخابات سنة 1957، وهى اول امرأة مصرية تعمل فى الجيش المصرى بصفتها ضابطة فى عام 1939 حصلت على منصب رئيس المجلس القومى للاسرة والسكان.
البداية
ولدت راوية شمس الدين الشهيرة براوية عطية عطية عام 1926 بمحافظة الجيزة، وكان ابوها يشغل منصب سكرتير عام حزب الوفد عن محافظة الغربية، دخل السجن بسبب آرائه السياسية، وهذا كان له ابلغ الاثر على شخصيتها، حى انها عندما بلغت 13 سنة شاركت فى مظاهرة ضد الاحتلال الانجليزى مصر سنة 1939 واصيبت فى هذه المظاهرة.
وقد اكملت راوية عطية تعليمها على عكس البنات المصريات فى هذا الوقت، وحصلت على شهادات جامعية فى مجالات مختلفة إلى جانب كلية الاداب جامعة القاهرة 1947، دبلومة فى التربية وعلم النفس، وماجستير فى الصحافة، ودبلومة فى الدراسات الاسلامية وعملت بالتدريس لمدة 15 عاما، كما عملت بالصحافة فترة قصيرة وتدربت على ايدى الكاتبين مصطفى امين وعلى امين ثم مع موسى صبرى وحسن شاه.
انتخبت راوية عطية اول نائبة فى مجلس الامة عام 1957 عن دائرة الجيزة بعد ان نص الدستور عام 1956 على حق المرأة فى الانتخابات كان أول ما طالبت به انشاء وزارة للسينما وفى ذلك قالت النائبة راوية عطية: «ان السينما لن تقوم لها قائمة دون دعم من الدولة حتى يمكنها منافسة السينما العالمية التى سيطرت افلامها على السوق المصرية، وذلك فى الوقت الذى تبنت فيه الدولة مشروع «قرش السينما» الذى بدأ عام 1954، ويقضى بفرض قرش على كل تذكرة سينما لدعم صناعة السينما ولم يحدث اى تطور فيها، وفى عام 1959 خسرت راوية عطية التجديد فى البرلمان المصري.
اعيد انتخاب راوية عطية عام 1984 وتقدمت خلال تلك الدورات البرلمانية ببعض اقتراحات بقوانين منها مشروع تنظيم الاسرة ومشروع قانون بمنح علاوة غلاء المعيشة، واهتمت بأبناء العاملات بافتتاح حضانات كافية لهم ودعم الاسكان الشعبى وتطوير التأمين الصحي.
وفى حقبة التسعينيات وقع عليها الاختيار لتصبح رئيساً للقومى للمرأة للاسرة والسكان عام 1993 إلى ان رحلت عن عمر 71 عاماً.
وبعد اعلان الصحف عن ارتفاع نسبة الطلاق فى المجتمع عام 1958 قدمت النائبة راوية عطية مشروع قانون للاحوال الشخصية مكون من خمس مواد تطالب فيه بتعديل مواد القانون 35 للاحوال الشخصية واضافة مواد جديدة تحقق مطالب المرأة، ينص المشروع الجديد على ضرورة تثبيت تعدد الزوجات بإذن من القاضى للتحقق من قدرة الزوج المالية ووجود مبرر للزواج بدلا من الحجج التى تقول للقضاء على مشكلة العنوسة وهى تقول فى هذا «بقى عشان نفك عنوسة الثانية نخرب بيت الاولي» ونتيجة لذلك اتاها تهديد من بعض المتشددين بقتلها لو تجرأت وتقدمت بهذا المشروع إلى البرلمان ولكنها اصرت على التقدم به لمناقشته.
العمل العسكري
فى سنة 1956 كانت راوية اول امرأة تعمل بالعمل العسكري، حيث عملت ضابطة فى الجيش المصرى وذلك بعد حدوث العدوان الثلاثى على مصر، ودربت 4000 امرأة على الاسعافات الاولية، والتمريض لجرحى الحرب، ووصلت لرتبة نقيب، وفى عام 1967 بعد النكسة.. قامت راوية عطية بنحو 1750 زيارة للجبهة وانشأت جمعية نسائية لرعاية اسر المحاربين والشهداء وحل مشاكل ابنائهم وهو ما دفع الرئيس جمال عبدالناصر للاشادة بها قائلا «لقد آمنت بكفاح المرأة المصرية من كفاح السيدة رواية عطية».
أم الشهداء المقاتلين
فى حرب اكتوبر سنة 1973 كانت راوية عطية رئيسة جمعية «أسر الشهداء والجنود» وهذا جعلها تحمل لقب «ام المقاتلين الشهداء»، ونتيجة لدور راوية عطية المتميز فى خدمة الجيش المصرى حصلت على ثلاث جوائز عسكرية هي: شعار الجيش الثالث الميداني، ووسام 6 أكتوبر، ووسام القوات المسلحة، وتم اختيارها الأم المثالية لعام 1976، كما حصلت على نوط الواجب من الطبقة الاولى من الرئيس الراحل محمد انور السادات لأنها خدمت فى العمل التطوعى لمدة 30 عاماً.
دور عربى بارز
قامت راوية عطية بدور بارز فى حرب العراق والكوبت حيث قامت بدورات اسعاف وتمريض ودورات دفاع مدنى للسيدات الكويتيات اللاتى حضرن من الكويت وارسلت مع السيدات الهدايا إلى الجنود فى حفر الباطن وإلى الجنود الكويتيين وارسلت رسائل اطفالهن اليهن فى الجبهة.
وهذا يأتى من دورها فى مجال الخدمة الاجتماعية فى محافظة الجيزة حيث شكلت عام 1958 لجنة نسائية لتباشر النشاط النسائى فى الجيزة يكون تابعاً للاتحاد القومي، كما شكلت ايضاً لجنة رياضية من الشباب والشابات فى دائرتها وتبرعت بكأس لكل لعبة تتبارز عليها الفرق الرياضية.
شاركت فى المؤتمر العالمى الشعبى بالعراق بصفتها رئيس الجمعية النسائية المصرية لرعاية أسر المقاتلين والشهداء، وتم اختيارها الأم المثالية لعام 1976م، كما حصلت على نوط الواجب من الطبقة الاولى من الرئيس المصرى الراحل محمد انور السادات تقديراً وتكريماً لها على العمل التطوعى طوال سنوات الحرب.
عادت للعمل السياسى عن طريق الانضمام للحزب الوطنى الديمقراطى ورشحت نفسها لعضوية مجلس الشعب فى انتخابات عام 1984م فى فترة وفازت فى السباق الانتخابى لتصبح عضواً بالبرلمان للمرة الثانية.
نشاط برلمانى كبير
كان لراوية عطية عند دخولها البرلمان المصرى مطالب عدة ناقشتها خلال الجلسات حيث شاركت فى مناقشة بيان وزير الشئون الاجتماعية والعمل حول مشاكل الاسرة وطالبت الوزير بتنفيذ المشروع الخاص بانشاء مكاتب للتوجيه الاسرى والاستشارات الزوجية، وذلك لحل مشكلات الاسرة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وطالبت بتعميم هذه الفكرة فى جميع انحاء الجمهورية، وان تتولى الوزارة الاشراف عليها، كما طالبت الوزير بأن تتعاون لجنة العادات والتقاليد بوزارة الشئون الاجتماعية مع وزارة الارشاد القومي، للقضاء على العادات والتقاليد التى لا تتماشى مع ما يسيء إلى سمعة مصر فى الخارج.
كما تقدمت إلى مجلس البرلمان المصرى باقتراح مشروع قانون بتنظيم الاسرة والذى احيل إلى لجنة الاقتراحات والشكاوي، وطالبت بتعديل مشروع لائحة الجامعات لتطويره مع مطالبتها الدائمة داخل المجلس يفتح معسكرات لتدريب الشباب على حمل السلاح.
راوية عطية فى «ليمان طرة»
ابدت راوية عطية رغبتها فى زيارة السجون المصرية بعدما قامت بزيارة بعض السجون فى الصين وشاهدت النظم المتبعة فيها لمعاملة المسجونين، فقامت بزيارة سجن ليمان طرة وصعدت إلى الجبل حيث تنفذ عقوبة «الاشغال الشاقة» وما كاد نزلاء السجن يرونها حتى تساءلوا عمن تكون هذه السيدة الجريئة، ولما علموا انها عضو مجلس الامة تزاحموا حولها وراحوا يقدمون لها شكاواهم ويشرحون مطالبهم ويبدون ملاحظاتهم على السجن وعلى معاملتهم فيه.
لم تتركهم راوية الا بعد ان جربت بنفسها الاشغال الشاقة فأمسكت بالمعول وفقلت حجرا! غادرت راوية عطية السجن لتعد مشروعها الجديد الذى تنوى ان تطالب فيه بالغاء عقوبة الاشغال الشاقة «تحطيم الاحجار وتفتيت الصخور» لانها تنافى الانسانية.
قالت راوية عطية وهى تخرج من السجن: «يجب ان نعتبر القاتل مريضا، وعلينا ان نعالجه من مرضه بوسائل اخرى غير هذه، وان نتركه ليعيش مع ضميره اياما طويلة كثيرة.. فهذا اجدى كثيرا من قطع الاحجار وتفتيت الصخور»!
اثناء زيارتها للسجن علمت ان هناك سجينا واحدا فى الليمان لا يزوره احد فتأثرت وطلبت ان تقوم هى بزيارته بالنيابة عن اسرته وبالفعل سمح لها بزيارته، ويمحرد ان تحدثت معه انخرط السجين فى البكاء الشديد فهو حرم من عطف اسرته فترة طويلة وكانت زيارة راوية عطية عضو مجلس الامة بمثابة مفاجأة له.
وحينما سألته عن الدافع الذى جعله يرتكب جريمة القتل قال لها انه الثأر، فسألته: «ولكن هل كان هذا يساوى حرمانك من اسرتك، او حرمان اسرتك منك» فابتسم وقال لها «ان اسرتى كلها معى هنا.. فى السجن» وكانت مفاجأة أذهلت لها عضو مجلس الامة، بينما مضى المسجون يفسر لها ان شقيقيه ارتكب كل منهما جريمة قتل للثأر ايضا، وان الثلاثة يعيشون معا فى الليمان..
وفى السجن طلبت زيارة الوزير عبدالفتاح باشا حسن احد اقطاب حزب الوفد ومن الرجال الوطنيين المخلصين وكان مسجوناً فى ليمان طرة بعد ان حكم عليه عام 1957م بالاشغال الشاقة لمدة 12 سنة حيث وجهت له تهمة محاولة قلب نظام الحكم، واطمئنت راوية عليه بدوافع انسانية نبيلة.
ووجهت كلامها إلى مدير السجن قائلة: «عبدالفتاح حسن اللى شغل ثمانين الف عامل كانوا فى المعسكرات البريطانية يدخل الليمان».
فى عام 1958م الفت لجنة نسائية لتباشر النشاط السياسى فى الجيزة تكون تابعة للاتحاد القومي، كما كونت لجنة رياضية من الشباب والشابات فى دائرتها، وفى انتخابات مجلس عام 1959م خسرت رواية عطية فى تجديد عضويتها للبرلمان نتيجة انشغالها فى نشاط حقوق المرأة.
من أوراق راوية عطية
> فى 19 ابريل عام 1926م ولدت راوية عطية اول نائبة برلمانية مصرية وعربية، والتى كان لى الشرف انسطرت بعض السطور عن حياتها وكفاحها فيكتابى «شموس لا تغيب» الصادر عن دار الفؤاد للنشر والتوزيع.
> نشأت راوية عطية فى بيت سياسي، حيث كان والدها يشغل منصب سكرتير عام لمحافظة الغربية، وصديقاً حميماً للزعيم الوفدى مصطفى باشا النحاس، كما سجن بسبب ارائه السياسية.
> فى طفولتها التحقت بمدرسة الاميرة فوزية الثانوية، وقادت مظاهرة قامت بها طلبات المدرسة ضد الاحتلال الانجليزى بعد توقيع معاهدة 1936 مباشرة، حيث طفن بجميع انحاء القاهرة، ثم توجهن إلى المدرسة السنية للبنات لتنضم اليهن تلميذاتها، وعندما وصلت المظاهرة شارع القصر العينى اصيبت بشظية، وحملتها هدى شعراوى على ذراعيها وادخلتها مقر الاتحاد النسائى العام لتداوى جراحها وكان عمرها 10 سنوات فقط، فكان مثلها الاعلى فى صغرها هدى شعراوى وصفية زغلول ام المصريين.
> بعد حصولها على التوجيهية كان مجموعها يؤهلها للالتحاق بكلية الطب، لكنها فضلت ان تلتحق بكلية الآداب لتدرس تاريخ الثورات، واصبحت عضواً فى اللجنة التنفيذية للطلبة بالجامعة،. ثم حصلت على شهادت مختلفة فحصلت على شهادة معهد التربية العالى بالزمالك عام 1947م، كما حصلت على ماجستير الصحافة عام 1951م، ودبلوم دراسات اسلامية، وعملت فى حقل التدريس خمسة عشر عاماً، كما اشتغلت بالصحافة لمدة عشر سنوات بعد ان تدربت على يد الكاتبين الكبرين مصطفى وعلى امين، لكنها تركت كل ذلك للتفرغ للسياسة والعمل الاجتماعي.
> راوية عطية هى اول ضابط اتصال برتبة يوزباشى وذلك بعدما حصل العدوان الثلاثى على مصر عام 1956م فانتقلت إلى منطقة بورسعيد وما حولها تخدم الضباط والجنود تساعد المقاومة الشعبية والفدائيين، تمدهم بالسلاح والاغذية والملابس، كما قامت بتدريب 4000 امرأة على الاسعافات الاولية والتمريض لجرحى الحرب، واستقبلت مهاجرى بورسعيد الذين فقدوا بيوتهم اثناء العدوان الثلاثي.