شهادة حق قالها شاهد من أهلها ألا وهى: إن حضارة العرب المسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية الوحشية فى عالم الإنسانية فلقد كان العرب أساتذتنا وأن جامعات الغرب لم تعرف لها مورداً علمياً سوى مؤلفات العرب.. فهم الذين مدنوا أوروبا مادة وعقلاً وأخلاقاً والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجه العرب.. هذه الشهادة التى تعتبر وثيقة واعترافاً بفضل العرب جاءت على لسان العالم المستشرق جوستافى لوبون.. ولا تحتاج إلى تعليق أو تمحيص.. لأنه ما نطق إلا بالحق وأرجع الفضل لأصحابه وهم العرب الذين نسينا أو تناسينا أفضالهم على البشرية جمعاء.
أقول ذلك بمناسبة اللغط الذى حدث والجدل الواسع عندما طرحت جامعة الأزهر الشريف فكرة دراسة «تعريب العلوم» وتشكيل لجان لبحث ذلك فى المقررات الدراسية بكليات الجامعة خاصة المجموعة الطبية.. وكانت صفحات السوشيال ميديا قد نشرت تلك القرارات اعتبرها البعض خطوة إيجابية ورحب بها بينما استنكر البعض ذلك وكأنها بدعة.. أو اختراع مع أن ذلك حق لأنها خطوة تعيد الفضل لأصحابه والدليل ما استشهدت به على لسان ليس للوبون المستشرق الفرنسى وإنما غيره من المفكرين والعلماء فى الغرب الذين أكدوا أنه لولا العرب ما كنا وما كان تقدم البشرية.. فنحن أخذنا من المصدر الرئيسى وأضفنا إليه وأن العرب لو حذوا حذونا لكانوا أفضل منا تقدما وازدهاراً فى العلوم ليست الطبية وإنما كافتها.
الحقيقة تعريب الطب أو المجموعة الطبية بشكل عام ليس بدعة وإنما كانت هناك محاولات حثيثة سبقتنا فى هذا المضمار سوريا والعراق وليبيا وتونس والسودان ولبنان حيث قام علماؤها بخطوات مشابهة بتدريس الطب والهندسة فى كلياتها باللغة العربية أم اللغات ولكن للأسف رغم النجاح النسبى لتلك التجارب إلا أنها توقفت لأنها لم تجد من يشجعها ويطورها ويخوض غمارها بثبات وتحد وإصرار لاستكمال المشوار، وأتساءل هنا عندما أطلع علماء الغرب ونهلوا من علوم العرب هل كانت باللغة الأجنبية.. بالقطع لا.. فقد كانت باللغة العربية لأن أصحابها من العرب الذين ساهموا بمساهمات عظيمة فى علوم الكيمياء التى هى الأساس من وجهة نظرى فى العلوم الطبية، بالإضافة إلى المساهمات فى علوم الجبر والجولوجيا وحساب المثلثات وكذلك علوم البصريات والطب والجراحة وغيرها والتى اعتمد عليها ونقلها من العربية إلى الأجنبية علماء الغرب أمثال إسحاق نيوتن ورينيه اسكارت وليوناردو فيبوناتشى وروبرت وأدريلارد أوف باث وقسطنطين وغيرهم وما أكثرهم كمصادر لأبحاثهم وما أكثر الكتب العربية التى نهل منها علماء الغرب وترجموها بلغاتهم سواء الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية وغيرها والتى زادوا عليها وأضافوا بأبحاثهم فى المعامل وحقول التجارب، فى الوقت الذى توقف فيه العرب للأسف، وإن كنت أعذرهم لأنهم كانوا تحت نير الاحتلال الذى تعمد نشر الجهل ومحاربة العلم كى تستمر سيطرتهم على مناطق نفوذهم فى بلاد العرب والمسلمين.
صراحة فكرة التعريب خطوة جيدة وهامة لابد منها رغم التحديات التى قد تواجهها مثلما حدث فى الماضى بالدول العربية التى ذكرتها آنفا وإن كان التدريس باللغة العربية فى سوريا مستمر منذ 1919 وللآن بعد تحديهم للفرنسيين الذين أرادوا أن يكون التدريس بالفرنسية، وكذلك الحال فى ليبيا التى توجد بها بعض الكليات التى تدرس فيها المواد بالعربية مثل كلية طب سبها وسرت، وصنعاء فى اليمن وأم درمان فى السودان التى قررت تدريس الطب الشرعى والسموم باللغة العربية وكذلك فى الأردن وتونس، وهذا يعنى وجود محاولات التعريب ونحن لسنا أقل من هؤلاء بل تفوق عنهم د.مجدى يعقوب خير دليل كما نستشهد بالمؤتمر الطبى العربى بالقاهرة عام 1988 الذى أصدر قراراً بتعريب التعليم الطبى ولكن للأسف لم ينفذ القرار حتى الآن سبقته توجيهات فى مؤتمرات التعريب التى عقدتها المنظمة العربية للتربية للثقافة والعلوم ولكن لم نجد صدى لها بحجة أن المصطلحات الطبية والدوائية والكيميائية بالإنجليزية فى الغالب على مستوى العالم ناهيك عن بعضها بالألمانية والفرنسية، وأنه يصعب ترجمة تلك المصطلحات بالعربية.
الغريب أن عام 1938 صدر قرار فى مصر بتعريب الطب ولكن جرى تأجيله لمدة 10 سنوات ولا أدرى لماذا؟ مع العلم أن التدريس فى مصر بدأ باللغة العربية بمدرسة الطب فى أبوزعبل عام 1827 وانتقلت بعد ذلك إلى طب قصر العينى عام 1837 وظلت بالعربية إلى أن احتل الإنجليز مصر عام 1828 وفرضوا تدريس الطب بالانجليزية عام 1887 بحجة عدم وجود المراجع العربية الكافية وفى الأصل هو قرار احتلالى سياسى لضمان خضوع التعليم فى مصر لهم وكأنهم سيظلون فى مصر أبد الدهر.
أتمنى استمرار جامعة الأزهر فى سعيها الدءوب ويقينى أنها ستنجح فى ذلك وأتمنى أن تحذو بقية الجامعات حذو الأزهر فقد آن الأوان كى تكون لنا مصطلحاتنا ومعاجمنا مثلما كان فى القرون من الحادى وحتى الرابع عشر عندما بلغ العلم مبلغاً كبيراً الأمر الذى جعل الكثير من الغرب ينتقلون إلى الأراضى العربية الإسلامية لطلب العلم، وعموما المسألة ليست عملية جراحية مستعصية فنحن نمتلك العلماء الافذاذ ولا نحتاج سوى الإرادة والاصرار للتنفيذ ولإعادة العلم لأهله وأصله فى بلاد العرب الذين أخرجوا الغرب من الجهل والوحشية إلى عالم الإنسانية والرقى وكانوا أساتذة الغرب بشهادة بعض علمائهم أمثال جوستافى لويون.