حفلت جولة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأوروبية بعوائد اقتصادية هائلة وفتحت أبوابا لم يطرقها رئيس مصرى من قبل، الزيارة التى تعد الأولى من نوعها شملت ثلاث دول محورية:الدنمارك، النرويج، وأيرلندا، وجاءت فى إطار جهود مصر لتوطيد العلاقات الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول، وركزت الاجتماعات واللقاءات فى جانبها الاقتصادى على تعزيز الاستثمارات فى القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، الهيدروجين الأخضر، والتكنولوجيا، بالإضافة إلى جذب مزيد من الاستثمارات لتعزيز التنمية الاقتصادية فى مصر، وأسفرت الجولة عن العديد من الاتفاقيات الهامة المتعلقة بالبنية التحتية،والصناعات التحويلية،والخدمات اللوجستية،مع التزام الشركات الكبرى فى الدول الثلاث بتعزيز وجودها فى السوق المصرى مستقبلا، بما يدعم نمو الاقتصاد المصرى بشكل ملحوظ.
تصريحات الرئيس وما تضمنته خطاباته فى كل دولة عكست حرص مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنمية الصادرات عبر تعزيز التعاون فى مجالات رئيسية. وأكد الرئيس السيسى فى كلماته خلال اللقاءات الرسمية والاجتماعات الاقتصادية أن مصر تسعى لتعميق علاقاتها الاقتصادية مع الشركاء الأوروبيين لتعزيز النمو المستدام. وقال إن «التحولات العالمية الحالية تفرض أهمية الشراكة بين الدول النامية والمتقدمة لتحقيق التوازن فى التنمية».
وأضاف الرئيس أن «مصر تتطلع لأن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة، ولديها القدرة على دعم الاقتصاد الأوروبى فى التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون».
الدنمارك: شراكة إستراتيجية
بدأت الجولة بزيارة الرئيس السيسى إلى الدنمارك، حيث تم رفع مستوى العلاقات بين مصر والدنمارك إلى شراكة إستراتيجية، مما يشكل نقلة نوعية فى العلاقات الثنائية. تتميز الدنمارك بتفوقها فى مجالات التكنولوجيا المستدامة والطاقة المتجددة، وهو ما جعلها شريكًا استراتيجيًا لمصر فى جهودها نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
وتعد الدنمارك من الدول الرائدة عالميًا فى مجال الطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية، حيث تسهم هذه الصناعات فى أكثر من 15 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى للدولة، كما تمتلك الدنمارك خبرات كبيرة فى التكنولوجيا الزراعية، وتعتبر من أكثر الدول تقدمًا فى مجال إدارة المياه وتدوير النفايات، مما يجعلها شريكًا مثاليًا لمصر فى مبادراتها لتنمية البيئة المحلية مثل «حياة كريمة»، وبلغت قيمة الاستثمارات الدنماركية فى مصر 9.2 مليون دولار خلال العام الماضي.
وتعمل حوالى 149 شركة دنماركية فى مصر حاليا، برأس مال يبلغ حوالى 169.3 مليون دولار، وتركز هذه الشركات على عدة قطاعات منها الأدوية؛ وخاصة «نوفو»، الرائدة عالميًا فى إنتاج الأدوية الخاصة بمرض السكري.
بجانب شركات تعمل فى تصنيع الأغذية ومنتجات الألبان مثل أرلا فوودز، وتسعى مصر لجذب المزيد من الشركات الدنماركية العاملة فى مجالات التكنولوجيا النظيفة، خاصة تلك المعنية بالطاقة المتجددة مثل Vestas المتخصصة فى طاقة الرياح، والتى يتوقع أن تلعب دورًا مهمًا فى مشروعات التحول الأخضر فى مصر.
وحظيت شركة ميرسك الدنماركية بحظ وافر من زيارة الرئيس خاصة وأنها تعد من أكبر شركات الشحن والنقل البحرى عالميًا، وتلعب شركة ميرسك دورًا مهمًا فى تنمية قناة السويس، بما فى ذلك تطوير محطة جديدة للحاويات، حيث تدير مشروعات لتطوير الموانئ المصرية وتحويلها إلى مراكز عالمية، كما أن التزام ميرسك بتوسيع استثماراتها فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، من المتوقع أن يرفع إيرادات القناة إلى أكثر من 9 مليارات دولار سنويًا.
شهدت زيارة الرئيس إلى الدنمارك كذلك توقيع عدة مذكرات تفاهم فى مجالات الطاقة النظيفة والصناعات المستدامة، ومن أبرز الاتفاقيات، كان الاتفاق على تعزيز التعاون فى مشاريع الطاقة المتجددة، بما فى ذلك تطوير محطات جديدة لتوليد الطاقة من الرياح فى مصر.
وأتاح اجتماع الرئيس مع مجلس الأعمال المصري-الدنماركى فرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث التزمت الشركات الدنماركية بضخ استثمارات جديدة بقيمة 2 مليار دولار فى مصر، مع التركيز على البنية التحتية والتكنولوجيا المستدامة.
النرويج: تعاون لاقتصاد مستدام
جاءت زيارة الرئيس السيسى إلى النرويج فى إطار تعزيز التعاون فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، والذى يعد من أهم ركائز الاقتصاد المستدام، وتعتمد هذه التقنية على إنتاج الهيدروجين باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهو ما يتماشى مع خطة مصر لتقليل الانبعاثات الكربونية وزيادة إنتاج الطاقة النظيفة.
تتميز النرويج بأهمية اقتصادية عالمية خاصة أنها تمتلك أكبر صندوق سيادى على مستوى العالم ما يكفل إمكانية استقطاب جزء من استثماراته فى مصر، بجانب اهتمامها بإنتاج الطاقة النظيفة، حيث تعد من أكبر منتجى الطاقة المـــائية فى العـــالم، وتساهم هذه الصناعة بأكثر من 40 ٪ من ناتجها المحلى الإجمالي. كما تعتبر النرويج من الدول الرائدة فى التكنولوجيا البيئية وفى تطوير حلول الطاقة المتجددة.
وسجلــت قيمــة الاستثمــارات النرويجــية فى مصر 26.8 مليون دولار خلال العام الماضي، ويعمل فى مصر عدد من الشركات النرويجية تركز على الطاقة المتجددة والبنية التحتية؛ ومن أهمها شركة سكاتك وتعمل على تطوير مشروعات الطاقة الشمسية فى مصر، ضمن مشروع «بنبان» للطاقة الشمسية، وشركة أكير وتسهم فى تطوير تقنيات إدارة الموارد المائية والطاقة، وشير يارا الرائدة عالميًا فى إنتاج الأسمدة، وتوفر حلولًا لدعم الزراعة المصرية.
وحرص رؤساء هذه الشركات على اللقاء مع الرئيس السيسى خلال زيارته للنرويج، ومثلوا نموذجا إيجابيا أمام الشركات الأخرى التى تستهدف مصر استثمارات إضافية من جانبها ومنها شركات مثل أكينور المتخصصة فى الهيدروجين الأخضر والطاقة البحرية، لدعم رؤية مصر للتحول إلى مركز إقليمى للطاقة النظيفة، فى إطار تعزيز مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تساهم شركات نرويجية كبرى فى هذا المجال، وإحدى هذه الشركات الرائدة هى ستاتكرافت التى تعد من أبرز الشركات العالمية فى مجال الطاقة المتجددة، وتعمل حاليًا على تطوير مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية فى مصر لدعم إنتاج الهيدروجين.
وخــلال زيارة الرئيس السيسى إلى النرويج، التزمت الشركـــات النرويجيــــة بضــخ استثمــارات تتجــاوز 1.5 مليار دولار فى مشاريع البنية التحتية للطاقة النظيفة فى مصر، كما تم توقيع اتفاقية لإنشاء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة 500 ميجاوات، مما يعد خطوة محورية فى مسار التحول الطاقى لمصر، كما ناقش الرئيس مع رجال الأعمال النرويجيين سبل تعزيز التعاون فى مجالات التكنولوجيا البيئية والاستثمار فى الطاقة النظيفة.
أيرلندا: تعزيز التعاون التكنولوجي
وآخر محطات الرئيس السيسى فى جولته هى أيرلندا.
وتعد أيرلندا من الدول الرائدة فى التكنولوجيا، وتشتهر بأنها مركز عالمى للشركات التكنولوجية الكبرى مثل جوجل وميكروسوفت وآبل Google وMicrosoft وApple. وتسهم التكنولوجيا بحوالى 25 ٪ من ناتجها المحلى الإجمالي، وتعد قطاعات الذكاء الاصطناعى والأمن السيبرانى من المجالات التى تتميز بها أيرلندا على المستوى العالمي.
ورغم بعد المسافة إلا أن هناك شركات أيرلندية أكدت اهتمامها للعمل فى مصر إضافة للشركات التى تعمل حاليا فى مصر ومن أبرزها شركة CRH، المتخصصة فى مواد البناء، وتعمل على تطوير مشاريع البنية التحتية فى مصر، بما فى ذلك مشروعات الإسكان والطاقة، كما أن هناك تعاونًا بين شركات تكنولوجية أيرلندية وعدد من الشركات المصرية الناشئة فى مجالات البرمجيات والتكنولوجيا المالية.
ومن مردودات الجولة الرئاسية استماع القيادة المصرية من المستثمرين فى الدول الثلاثة مباشرة لمتطلبات جذب الاستثمارات إلى مصر والتى تلخصت فى تحسين بيئة الأعمال؛ عبر تسهيل الإجراءات البيروقراطية وتوفير حوافز ضريبية للاستثمارات الأجنبية، وتعزيز البنية التحتية؛ من خلال توفير مناطق اقتصادية متميزة وتحديث منظومة النقل والشحن، وتطوير الموارد البشرية؛ بتعزيز التعليم الفنى والتدريب المهنى لتلبية احتياجات الشركات الكبري، بالإضافة إلى ضمان استقرار السياسات الاقتصادية؛ مما يشجع المستثمرين على ضخ رءوس أموال طويلة الأجل فى مشاريع إستراتيجية، ومن هنا كان الحوار المباشر مع الرئيس السيسى فرصة للقطاع الخاص فى الدول الثلاث للتعرف على ما حققته الدولة المصرية من انجازات فى كافة المتطلبات التى عرضوها والتى شهدت تحولا جذريا سواء فى الجوانب التشريعية أو التنفيذية.