يبدو أننا فى حاجة دائمة إلى تكرار التأكيد على بعض البديهيات التى قد ينساها البعض أو يتناساها آخرون، فيما يتعلق بما واجهناه وواجهه غيرنا أو مازالوا يواجهونه من أحداث.
لا يوجد احتلال إلا وتوجد مقاومة ضده.. إنها متلازمة تاريخية لم تتغير منذ وجود البشرية على ظهر الأرض، ولعلها أفضل ترجمة عملية لنظرية: «لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه».
لا يعرف التاريخ شعبا رضى بالاحتلال إلى الأبد.. من يفعل ذلك شعب ميت.. والشعوب لا تموت.
المقاومة هى دليل حياة وحيوية أى شعب تتعرض أرضه للاحتلال، أو للعدوان، وهى التى شكلت على مدى تاريخ البشرية حقيقة أن أى احتلال مهما طال فمصيره الحتمى إلى زوال.
تختلف أشكال المقاومة وفق ظروف كل شعب.. مسلحة أم سلمية.. نظامية أم شعبية أم الاثنان معا، لكنها تظل فى كل الأحوال «عنوانا للشرعية» فى مواجهة الاحتلال أو العدوان الذى هو «وجود أو عمل غير شرعي».
ولا يوجد أى سبيل لوقف رد الفعل، إلا بزوال الفعل.. فإذا انتهى الاحتلال أخذ معه سبب وجود المقاومة .
من ينكر ذلك أو يتنكر له أو يشكك فى مصداقيته، يمكنه الرجوع إلى التاريخ.. يمكنه أن يتأكد من حقيقة:
انه لا يوجد شعب تعرض للاحتلال لم يقاوم (ولا يوجد شعب حصل على حريته دون ثمن وتضحيات.. ولا يوجد كتاب سماوى أوصى بالخنوع والاستسلام.. ولا توجد دولة بلا نصب تذكارى يخلد شهداء مقاومتها للاحتلال.. ولا يوجد حتى فى مواثيق العالم الوضعية وقوانينه الدولية ما يضفى شرعية لأى احتلال أو ينزع الشرعية عن أى مقاومة مهما تلاعبت بعض القوى بالنصوص أو داستها عمليا تحقيقا لمصالحها الخاصة.
فإذا توافقنا على هذا الإطار النظرى المؤيد بوقائع الماضى والحاضر ودليل العالم للمستقبل.. يمكننا أن نحاول الآن تطبيقه على ما يتعرض له الشعب الفلسطينى وقضيته، وما تحاول أمريكا أو إسرائيل أو الاثنان معا فرضه من شروط عليه، أو على غيره من الشعوب العربية التى يخضع جزء منها للاحتلال الإسرائيلي.
الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية والعربية أيضا غير مشروع، بكل لغات الأرض وقوانين السماء.. هذه حقيقة لا ينبغى أن تكون محلاً للجدل إلا ممن فى قلبه مرض.
والمقاومة الفلسطينية بأى شكل كانت أو تكون هى رد الفعل الشرعى على هذا الاحتلال ولسان حال الشعب الفلسطينى كله وسلاحه الذى يجب ألا يلقيه قبل أن يزول هذا الاحتلال.
الاحتلال الإسرائيلى يختلف عن أى احتلال آخر فى التاريخ.
فعندما احتلت قوى الاستعمار التقليدى الغربى عشرات الدول والأقاليم فى قارات الجنوب الثلاث: أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية لم تزعم أى قوة منها أن لها حقاً تاريخياً فى أراضى هذه الدول جاءت لتستعيده ولا أنكرت شرعية وجود شعوب هذه الدول على أرضها كما فعلت إسرائيل منذ قيامها حتى اليوم .
أكثر من ذلك ان الاحتلال الإسرائيلى لم يكن أبداً مجرد وجود تقليدى «ساكن» فى الأراضى الفلسطينية والعربية بل كان وجوداً «نشطا» يمارس العدوان المسلح والتوسع الاستيطانى يوميا وانتهاك حرمة المقدسات وهو ما كان أحد أسباب انتفاضة الأقصي.
لقد وضع الاحتلال الإسرائيلى نفسه بهذا السلوك فى خانة «الإرهاب».. إرهاب الدولة.. فعدوانه المسلح اليومى لم يفرق بين مقاوم وغير مقاوم وتوسعه الاستيطانى اجتاح آلافاً من بيوت المدنيين وضم آلافاً من هكتارات أراضيهم الزراعية وانتهاكه حرمة المقدسات طال المسلمين والمسيحيين جميعا.
لذلك يجب ألا ينساق أحد وراء خدعة الاحتلال بمحاولته «شرعنة» وجوده ووصم المقاومة الفلسطينية بأنها «إرهاب».. وذلك هو التضليل بعينه الذى يروج له الاحتلال لدى الرأى العام العالمى وكشفته معظم الدول والشعوب فى الغرب، بعد أن حول الاحتلال عدوانه على غزة والضفة إلى «حرب إبادة جماعية» وأقرت محكمة العدل الدولية هذا التوصيف فى القضية التى بادرت جنوب أفريقيا برفعها أمام المحكمة.
المقاومة الفلسطينية مهما تعددت فصائلها أو أشكالها أو ما يتحدث به البعض عن انتماءات بعضها لا تمثل أحدا غير الشعب الفلسطيني، ولا تقاتل العدو تحت أى راية غير الراية الفلسطينية، ولا تضم بين صفوفها مرتزقة من أى جنسيات أجنبية.
المقاومة الفلسطينية- وهذا أحد أسس شرعيتها فى وقتها- ليست تنظيما إرهابيا مثل تنظيم «القاعدة» أو «داعش» الذى لا يمثل أى منهما شعبا بعينه أو أرضا بحدودها بل ابتدع كل منهما «اسما خاصا» لنفسه واصطنع «راية» يقاتل فى ظلها وضم لصفوفه «أجناسا» من شتى بقاع الأرض وأصبح تنظيما «عابرا للحدود» قابلا للمطاردة والتهجير من إقليم إلى آخر.
من هنا يجب ألا يتصور الاحتلال الإسرائيلى أو من يسانده ان بامكانه انتزاع المقاومة الفلسطينية من أرضها أو نزع سلاحها أو تهجير شعبها.. ان من يجب أن يخرج مهزوما مدحورا من الأراضى الفلسطينية والعربية هو الاحتلال نفسه، وهو ما سيحدث باذن الله عاجلا أو آجلا وذلك هو كابوس إسرائيل الدائم.
ستبقى المقاومة الفلسطينية المسلحة ما بقى الاحتلال واستمر العدوان تنفيذا لأمر الله- عز وجل- «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم» وستجنح للسلم ان جنح له الاحتلال تنفيذا أيضا لأمر الله- عز وجل- «فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله» وعلى ثقة بالنصر تنفيذا لأمر الله- عز وجل- ووعده «أٌذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير» صدق الله العظيم.
لقد تجمعت خلاصة كل هذه المعانى فى احتفالات مصر- قيادة وشعبا- بشهر رمضان المبارك وعيد الفطر.
الرئيس يكرم أسر شهداء مصر فى حروبها المنتصرة ضد الاحتلال الإسرائيلى لأرضها وضد الإرهاب بينما الملايين من الشعب تحتشد عقب صلاة العيد فى كل المحافظات تهتف لفلسطين وشعبها وصمود مقاومتها فى مشهد يحمل رسالة بليغة: الشعب فى ظهر قيادته.. والقيادة والشعب فى ظهر فلسطين حتى النصر.