لم ينتظر كثيراً وهو يرى أفواج الناس تهل على ميدان التحرير، وتقرر أن يكون لها رأيها فى أحداث وطنها، فقرر أن يسجل هذا، وأن يضيف إلى أفلامه التسجيلية فيلما جديدا يوثق أحداث الثورة، ويكمل شغفه بالتفاعل بين المكان والزمان والناس كما قدمه فى أفلام مثل (حكيم سانت كاترين) و(صيد العصاري) و(حديث الصمت) وأخيراً فيلمه (الشهيد والميدان) ولهذا استحقّ المخرج الكبير (على الغازولي) إهداء دورة مهرجان الاسماعيلية الأخيرة إليه، وتكريمه هو وخمسة من كبار صناع السينما التسجيلية والقصيرة من بينهم (سمير عوف) المخرج الذى زامل شادى عبدالسلام فى رحلته، وكان المخرج الثانى لفيلم (المومياء) الذى اخترق العالم ليقدم للكل عشاق السينما فيه رؤية للحضارة المصرية العريقة من خلال قصة الشاب ونيس (الممثل أحمد مرعي) الذى رفض بيع الآثار وكشف عن مكان الخبيئة الممتلئة بالآثار، بجانب أفلام مهمة قدمها منها (مسافر للشمال مسافر للجنوب) و(وجهان فى الفضاء) وكان آخر أفلامه هو (أيام الراديو) عام 2009 عن قصة الاذاعة المصرية، أما مدير التصوير السينمائى الكبير (ماهر راضي) فقد علم أجيال من العاملين بالسينما الآن من خلال عمله كأستاذ للإضاءة والتصوير السينمائى، ومن خلال اهتمامه بفلسفة فنون السينما التى حصل من خلالها على الدكتوراه بعد رحلة طويلة بدأت بمحبة التصوير الفوتوغرافى والعمل به قبل أن يتحول للعمل فى السينما ولاستكمال شغفه بكل ما يخص فن التصوير السينمائى، ومن هنا قررت رئيسة المهرجان لهذه الدورة المخرجة هالة جلال أن تعبر عن تقديرها لهذه الأسماء التى قدمت ابداع سابق ومميز وهى تفتح أبوابها للاجيال الجديدة من المبدعين وتطرح أساليبهم ورؤاهم لنا كجمهور من خلال أفلامهم، وهو ما رأيناه عبر مسابقات للفيلم الطويل والقصير واختيارات لأفلام مهمة من العالم اليوم وتقديم لاعمال (النجوم الجدد) من صناع هذه السينما التى تزداد اهميتها يوم بعد يوم، والتى نأمل أن نراها فى برامج على شاشاتنا التليفزيونية لتصل إلى ملايين المشاهدين وتقدم لهم وجها مهما للفن المرئى إضافة إلى الأفلام الروائية الطويلة والمسلسلات.
تل الزعتر.. لأن الجذور لا تموت
لأن الفن ليس له وطن، فقد كرم المهرجان المخرجة القديرة (نبيهة لطفي) هى ومخرجتان من أهم مخرجات السينما فى مصر هما (عطيات الأبنودي) و(تهانى راشد) وجميعهن من نفس الجيل تقريبا، لكن التفاصيل تختلف، فقد جاءت نبيهة لطفى من لبنان بعد أن طردتها الجامعة الأمريكية ببيروت التى كانت طالبة بها لخروجها فى مظاهرة احتجاجية، وفى مصر التحقت بمعهد السينما فى بدايته وتخرجت عام 1964 لتبدأ العمل كمساعدة للأفلام الروائية قبل أن تبدأ فى صناعة أفلام اختارت أن تكون تسجيلية، فقدمت أفلام (لعب عيال)، و(صلاة من وحى مصر العتيقة) و(شارع محمد علي) وغيرها، وعادت للبنان لتقدم فيلمها المهم عن مخيمات اللجوء الفلسطينى فى شرق بيروت (تل الزعتر، لأن الجذور لا تموت)، وكانت دائما تبحث عن إجابات لأفكار تشغلها، وحين اتجهت لتقديم فيلم عن فنانة اختارت تحية كاريوكا التى عرفتها مؤخراً وذهبت إليها مع الكاتب اللبنانى الشهير إدوارد سعيد الذى اعتبرها فنانة عالمية من طراز نادر.
أغنية توجة الحزينة
من (أغنية توجة الحزينة)، إلى (حصان الطين) أصبحت عطيات الأبنودى اسم كبير فى مهرجانات السينما الدولية، ونجمة للأفلام التسجيلية التى توثق حياة البسطاء فى مصر، من الصعيد لبحرى، فقد حصل (أغنية توحة الحزينة) على ذهبية مهرجان فالنسيا الاسبانى، بينما حصل (حصان الطين) الذى يقدم ألعاب أطفال القرى المصريين على جوائز مهرجانات جرينوبل الفرنسى ومانهايم الألمانى وقليبى التونسى، وغيرهما قدمت عطيات أفلام أخرى مهمة مثل (سوق الكانتو) و(الأحلام الممكنة) و(نساء مسئولات) و(إيقاع الحياة، الساندويتش، أحلام الناس)، وبعدها قدمت (حديث الغرفة رقم 8) و(أيام الديمقراطية) وأعمال أخرى مهمة جعلتها المخرجة الأكثر قرباً من أحلام الناس.