مع تعدد محطاتها، من الحسين وجامعة القاهرة الى العريش ولقاء مصابى وجرحى غزة، وتعدد الملفات التى تناولتها الزيارة وفى مقدمتها القمة بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره الفرنسي، تظل زيارة ايمانويل ماكرون للقاهرة مختلفة فى كل شيء، ورسائلها مهمة وتؤكد انها زيارة وقمة فى وقت مناسب فى ظل الاضطرابات الإقليمية وما تشهده المنطقة من صراعات وتصعيد خطير فى تداعياته.
زيارة القمة الرئاسية حملت رسائل غاية فى الاهمية يرصدها الخبراء ورجال السياسة وخلاصتها ان مصر هى الدولة الاكثر تأثيرا فى المنطقة وان موقفها ضد التهجير القسرى وتصفية القضية اصبح يحظى بدعم عالمي، مثلما تحظى الخطة التى أعدتها لإعادة الإعمار بتوافق دولي هذه الرسائل يمكن وصفها بأنها عابرة للقارات لأنها حظيت باهتمام دولى وتناقلتها كل وسائل الإعلام وكانت لها تداعيات فى أغلب العواصم الفاعلة.
وقال اللواء الدكتور سمير فرج المفكر الاستراتيجى ان زيارة الرئيس ماكرون للقاهرة هذا الاسبوع كانت ناجحة على كافة المستويات. فعلى المستوى السياسى اسفر اللقاء عن قمة ثنائية بين الرئيسين السيسى وماكرون فيها التأكيد على رفض فكرة التهجير والسعى لمنعها والعمل على توفير المناخ الملائم للفلسطينيين للبقاء فى قطاع غزة وعدم اجبارهم على التهجير سواء كان قسريا او طوعيا.
كما أكدت الزيارة على ضرورة العمل باجتهاد من اجل اقامة الدولة الفلسطينية فى اطار حل الدولتين وفقا لمقررات الشرعية الدولية ووقف اطلاق النار بأقصى سرعة ودخول المساعدات الانسانية للقطاع هذه المبادئ الاساسية اثمرتها زيارة الرئيس الفرنسى للقاهرة ومباحثاتها.
على الجانب الآخر وكما يقول فرج كانت القمة الثلاثية بين القادة السياسيين لمصر والاردن وفرنسا والتى تم فيها التأكيد على نفس النقاط والمبادئ الاساسية التى خرجت من اللقاء الثنائى وكان التوافق حولها واضحا. ونظرا لقوة ونجاح هذا اللقاء المصرى الفرنسى والأردنى وما جاء حوله من تصريحات ، إضافة إلى اهمية الاتصال الهاتفى الذى قام به الزعماء الثلاثة بالاتصال الرئيس الامريكى ترامب وتم خلاله التأكيد على ما أسفرت عنه هذه القمة وطلبوا منه ضرورة وقف اطلاق النار فى قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية والعمل من أجل التوصل الى حل الدولتين وحصلوا على وعد منه بالتنفيذ.
وأضاف المفكر الإستراتيجى ، أنه كانت لزيارة الرئيس الفرنسى للعريش والوفد المرافق له وما تم رصده على أرض الواقع خير معين على قدرة الرئيس الفرنسى على تفعيل دور الاتحاد الاوروبى لمساندة الموقف المصرى والاردنى والفلسطينى والعربى وخاصه ان فرنسا اقوى الدول فى الاتحاد الاوروبى ولديها قدرة على اقناع الدول الأوروبية.
على الجانب الاقتصادى يرى فرج ان نتائج الزيارة كانت واضحة فتنوعت الاتفاقات التى ابرمت ما بين استثمارى وثقافى فمنها مشروع توطين صناعة عربات المترو الانفاق والحصول على تخفيض بنسبة 10٪ من تكلفة خط المترو الجديد، والاتفاق على إنشاء معهد متخصص لعلاج الأورام على غرار معهد جوستاف الفرنسي، وإقامة 100 مدرسة فرانكفونية فى مصر، ومع كل هذه المكاسب كان المكسب المهم جداً وهو ان الزيارة نقلت صورة حقيقية للحالة الامنية وما تتمتع به مصر من امن واستقرار وامان ومدى الانضباط والقدرة على توفير الأمن فى جميع ربوع مصر بما فيها الاحياء المكتظة بالسكان مثل منطقة الحسين والازهر وخان الخليلى وكذلك حب المصريين للضيوف وحسن التعامل معهم ومدى حفاوة المصريين فى استقبال ضيوفهم واكرامهم».
السفير ايمن مشرفة مساعد وزير الخارجية الأسبق يعتبر أن القمة المصرية/ الفرنسية الثانية عشر منذ تولى الرئيس ماكرون السلطة فى عام 2017 جاءت لتبعث بعدة رسائل هامة فى توقيت بالغ الدقة تمر بها القضية الفلسطينية، الاولى هى توافق الدول الثلاث (مصر وفرنسا والأردن) على رفض التهجير القسرى أو الطوعى خارج القطاع ،وتأييد فرنسا لخطة اعادة الإعمار المصرية التى تبنتها القمة العربية والوقف الفورى وغير المشروط لاطلاق النار.
إن من أهم الرسائل أيضا زيارة الرئيسين السيسى وماكرون للعريش وتأكيدهما على ضرورة فتح ممرات آمنة لايصال المساعدات الانسانية إلى سكان القطاع بشكل دائم ومستدام وعدم استخدام المساعدات الانسانية كأحد اسلحة العقاب الجماعى باعتبارها مخالفة للقانون الدولى والإنساني، والتأكيد على ان حل الدولتين هو الطريق الوحيد لانهاء الصراع الفلسطينى الاسرائيلى على أساس العودة الى حدود الرابع من يونيو 1967 وانشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
وإشار إلى أنه على الجانب الثقافى والأمنى اكدت زيارة ماكرون لخان الخليلى أن مصر بلد الامن والأمان وواحة للاستقرار فى المنطقة وأبرزت مدى ترحيب الشعب المصرى بضيوفه بصورة حضارية وهى لمسة تركت اثراً عميقاً لدى الرئيس الفرنسي.
الزيارة أكدت على قوة الدبلوماسية المصرية ودورها المحورى فى حل ازمات المنطقة باعتبارها رمانة الميزان وتمارس دورا وسطيا بناء يسعى الى تجاوز ازمات المنطقة وخفض التوتر فيها وأنه لا غنى عن الدور التاريخى لمصر، اضافة إلى أن تدشين علاقة استراتيجية مستدامة مع فرنسا خطوة على الطريق الصحيح باعتبارها أحد قطبى الاتحاد الاوروبى ومؤثرا فى قراراته وعضو دائم فى مجلس الامن ولها ثقل على الساحة الدولية.
ويرى السفير جمال بيومى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن زيارة الرئيس الفرنسى لمصر حملت رسائل هامة أكدت على متانة العلاقات بين البلدين، وحملت إشارات قوية مرتبطة بالماضى والمستقبل، فزيارة الرئيس الفرنسى لمحطة عدلى منصور إشارة إلى دور فرنسا فى تشييد أول خطوط مترو الأنفاق فى مصر ،كما كان اجتماع رجال الأعمال من البلدين خطوة هامة للحديث عن المستقبل وتعزيز العلاقات الاقتصادية التى أصبحت جزءاً مهماً من علاقات الدول.
مضيفاً أن رفع العلاقات إلى مستوى المشاركة الاستراتيجية سوف يكون له انعكاسات إيجابية على البلدين حيث سترتقى العلاقات إلى مستوى رعاية الرئاسية وهو ما يساهم فى سرعة اتخاذ القرارات واصفا الدبلوماسية الرئاسية بأقوى سلاح فى العلاقات بين الدول.
وقال السفير بيومى من أهم الرسائل التى حملتها زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون هو رفضه تهجير الفلسطينيين وتأكيده على أن الحل الحقيقى هو ما تبنته القمة العربية الأخيرة من خطة إعمار غزة .
وأضاف أن دعوة فرنسا وألمانيا وبريطانيا لوقف إطلاق النار فى غزة تزامنا مع الزيارة، هى أيضا رسالة هامة تدعم جهود مصر الساعية لوقف الحرب على القطاع، كما إن المكالمة التى جمعت الرئيس السيسى والرئيس الفرنسى ماكرون والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حملت إشارة جيدة حيث أكدت على تضافر جهود الدول الثلاث للدفع تجاه التوصل لحل فى غزة.
وقال الدكتور إكرام بدر الدين استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان زيارة الرئيس ماكرون لمصر حملت رسائل هامة منها توافق الرؤية المصرية والفرنسية والأردنية حول القضايا الإقليمية لذا كان الرفض التام لمخطط تهجير الفلسطينيين موضحا أن فرنسا دولة كبيرة ولها تأثير قوى فهى عضو دائم فى مجلس الأمن ،بجانب تواجدها فى الاتحاد الأوروبى مما يساهم فى صياغة موقف أوربى داعم للقضية الفلسطينية.
مضيفاً أن زيارة الرئيس الفرنسى ماكرون العريش جاءت تقديرا للجهود المصرية الداعمة للشعب الفلسطينى عبر تقديم المساعدات الإنسانية وكانت فرصة غير مسبوقة ليرى العالم كله جهود مصر الصادقة فى دعم الأشقاء.
وقال الدكتور بدر الدين أن من أهم الرسائل التى حملتها زيارة الرئيس الفرنسى لمصر هو التأكيد على متانة العلاقات بين البلدين ،لذا تم ترفيع العلاقات لمستوى الشراكة الاستراتيجية مما يساهم فى توطيد العلاقات فى كافة المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية وخاصة إن فرنسا لديها استثمارات ضخمة فى مصر وتوقيت ترفيع العلاقات، فى غاية الأهمية حيث يعانى العالم من اضطرابات تؤثر بشكل كبير على معظم الدول وتزيد من التحديات الاقتصادية التى تواجه دول المنطقة، وبالتالى فإن الشراكة الاستراتيجية سوف تفتح آفاقا واسعة للتعاون ودعم اقتصاد البلدين.
السفير محمد حجازى مساعد وزير الخارجية الأسبق يعتبر زيارة الرئيس الفرنسى ايمانويل ماكرون فى توقيت شديد الأهمية و الحساسية، وتعد نادرة دبلوماسية رفيعة المستوي، حيث تم عقد قمة ثلاثية «مصرية – فرنسية – أردنية»، ثم قمة رباعية ، بمشاركة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
و أضاف: «محطات الزيارة المتنوعة كل محطة منها حملت رسائل خاصة ومهمة وآخرها زيارة العريش بصحبة الرئيس السيسي، وميناء العريش، على مقربه من معبر رفح، هو رسالة دعم للتحركات المصرية، تؤكد على أهمية العمل على ادخال المساعدات الانسانية الى قطاع غزة لمواجهة الوضع الذى وصفه قصر الاليزيه انه « كارثة انسانية»، وتؤكد على ضرورة وقف اطلاق النار ، ورفض تهجير الفلسطينيين، كما التقى بعناصر من القوات الفرنسية التى تعمل ضمن الاتحاد الاوروبى لمراقبة الحدود والتى سيتم اعادة نشرها عبر معبر رفح، وكلها رسائل قوية وداعمة تجاه مصر».
قال السفير حجازي: «أن الزيارة شملت أيضا رسائل سياسية، بترفيع مستوى العلاقات إلى «استراتيجية»، إضافة إلى رسائل اقتصادية، من خلال العمل ، على تعزيز التعاون الثنائي، من خلال الاتفاقيات التى وقعت بين البلدين فى مجالات «النقل والطاقة والصحة»، بجانب مذكرة تفاهم تشمل معالجة الفلسطينيين الذين تم اجلاؤهم».
قال اللواء طيار أركان حرب دكتور هشام الحلبي، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية، ان الدور المصرى واضح تماما وقوى وهو ما أكد علية الرئيس السيسي، اثناء كلمته فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس ماكرون، حيث قال: «ان تحقيق الاستقرار والسلام الدائم فى الشرق الأوسط، سيظل أمرًا بعيد المنال، طالما ظلت القضية الفلسطينية بدون تسوية عادلة».
أضاف: «زيارة الرئيس ماكرون، تأتى فى توقيت بالغ الأهمية، خاصة أن القضية الفلسطينية تمر حاليا بأخطر اوقاتها على مر التاريخ، لأن الإستراتيجية الإسرائيلية، هى ضد اعادة اعمار غزة، وإسرائيل تريد تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة وتقسيم قطاع غزة، بخلاف ما تقوم به إسرائيل بضرب سوريا، بجانب ما يحدث حاليا فى البحر الاحمر، من اشتباكات قوية ومؤثرة، بين الجيش الامريكى والحوثيين، وكلها أمور تؤكد أهمية الزيارة، وأهمية المشاورات المصرية الفرنسية».
قال اللواء الحلبي: «الرسالة القوية فى الزيارة، التأكيد على توافق الرؤى المصرية والفرنسية، على منع التهجير وإدانة العدوان الاسرائيلى على الشعب الفلسطيني، وحل الدولتين وعبر ماكرون عن ذلك، وكذلك التأكيد على الرفض الشعبى لمخطط التهجير مضيفاً أن الزيارة الميدانية إلى العريش تعكس مدى وقوف القيادة الفرنسية ودعمها الكامل لرؤية مصر، خاصة أن فرنسا تتمتع بثقل سياسى وعسكرى فى اوروبا».