لا شىء يمكن أن يفصح عن هويتك النفسية، والعقلية، والأخلاقية، مثل ما يفعل التنافس.. لأنه يظهر حجم الأنا الحقيقى فى داخل الأفراد، وفى بعض المواقف، يحدد فصيلة الأذى والتدنى الذى ينتمى إليه بعض الأشخاص.
التنافس قد يكون فى المجال الوظيفى، أو الدراسى أو حتى الاجتماعى والسياسى، بل إنه يحدث حتى على مستوى الدول التنافس بطبيعته، عملية مشروعة تكفل للمتنافسين حق الوصول للهدف حسب التميز فى القدرات.. إن التنافس غالباً ما يقود لمنحى الصراع والخطورة تتجلى فى الأسلوب الذى يستخدمه المتصارعون لإلحاق الهزيمة بالطرف المنافس.
بعض المنافسين لا يتوانى عن أى أذى يلحقه بمنافسه حتى يتفوق عليه، والأكثر عجباً عندما يكون هدف المنافسة بسيطا أحيانا ولا يستدعى كل هذا العناء من الدونية وحقارة التعامل.. بعض الشخصيات لا تستطيع أن تحيا فى دوائرها دون أن تخلق وسطاً صراعياً، من الجيد أن تعى فى فترة مبكرة ما الذى يستحق التنافس عليه وما لا يستحق، ومن المهم أن تنتبه أيضا ألا تنساق وأنت فى خضم منافساتك لصغائر المؤامرات أو الألاعيب مهما بلغت دونية خصومك، فى الأغلب التنافس على الأهداف أو المناصب والسلطة أو حتى الوضع الاجتماعى المرتفع، يشكل عند البعض مشروع حياة وليس مجرد هدف يمكن تناسيه فى حال خسارته.. ويبدو أن البعض يعلق قيمته أو يعالج نقصه من خلال بلوغه مرتبة أو تميزاً أعلى، ولهذا يحول التنافس إلى صراع ويستخدم فيه كل الطرق المشروعة وغير المشروعة لبلوغه الهدف.. لذلك تظهر عند البعض من هذه الفئة أفعال ملوثة فى صراعاتهم مع منافسيهم، منها مثلا محاولة إسقاط الآخر والتأليب عليه، بل وتشويه سمعته، وخلق الشائعات.. وهى ممارسات وضيعة لا نراها فى صراعات الجانب الاجتماعى أو الوظيفى فقط، بل حتى فى الجانب السياسى، ومن الممكن أيضا أن توجد المنافسة داخل الأسرة، حيث يتنافس كل من الأبناء من أجل كسب ود وإحترام والديهم.. والمنافسة الشريفة تعتمد على الأشخاص أطراف المنافسة، ولابد أن يفهم المتنافس أن المنافسة ليست صراع حياة أو موت، وأن المنافس ليس عدواً، وأن المنافسة حالة صحية وطبيعية تحدث عمدما يسعى أكثر من شخص لتحقيق نفس الهدف، ولكن فى إطار من احترام القيم والقواعد الأخلاقية، فالمنافسة تدفع الإنسان إلى تحسين نفسه، وتطوير مهاراته، والعمل بجد ليكون الأفضل.. وفى هذا السياق ونظراً لما تشهده المرحلة الراهنة من استعدادات ومتغيرات فى المشهد السياسى خاصة فى ضوء قرب الاستحقاقات السياسية لانتخابات مجلسى الشيوخ والنواب، حيث يبرز على الساحة المجتمعية تحركات من جميع الفئات، خاصة راغبى خوض الانتخابات.. وهنا أؤكد أنه على الجميع وأنا منهم أن يضع مصلحة الوطن قبل مصلحته، خاصة فى ضوء التحديات التى تواجهها الدولة المصرية، وأن على الجميع أن يتحلى بالقواعد الأخلاقية والدينية والمجتمعية للمنافسة الشريفة التى تحترم المواطن وترعى وتصون حقوقه وتحافظ على كرامته.. من حق الجميع أن يقدم نفسه بالصورة التى تبرز قدراته وإمكاناته ونجاحاته وما قدمه من نماذج ناجحة تولد قناعة لدى المواطن البسيط بأنه من يستطيع بقوة وإرادة وقدرة على أداء رسالته لينوب عن الشعب ويكون نموذج يمثله حقاً وصدقاً وينقل ما يعانيه من مشكلات ويقترح الحلول ويؤدى الدور الرقابى والتشريعى كما يجب.. ودائما تؤكد الدولة المصرية وقيادتها السياسية أهمية احترام وصون كرامة المواطن.. وقد رسخت القيادة السياسية ذلك عندما أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وختاماً، تبقى المنافسة رمزاً للرقى والتطور، بينما يظل الصراع مصدراً للضعف والانقسام.. الطريق إلى النجاح لا يمر عبر هزيمة الآخرين، بل عبر الانتصار على الذات والعمل بإخلاص والإيمان بأن كل إنجاز يتحقق بجهد نقى، هو أكثر قيمة من أى انتصار مشحون بالعداوة، لأن المنافسة الشريفة المتوازنة تسهم فى بناء الإنسان وتوسيع أفاقه وتحقيق إنجازاته، ومن ثم فى الارتقاء بالأوطان.
حفظ الله مصر.. حما شعبها العظيم وقائدها الحكيم.