يوماً بعد يوم تثبت مصر- شعباً وقيادة- أنها حصن العروبة الحصين، وصوت الحق الذى لا يلين أمام أى ضغوط أو مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ فموقفنا واضح رافض لخطة ترامب لتهجير الفلسطينيين وهو ليس مجرد موقف سياسي، بل هو امتداد لتاريخ طويل من الدعم المطلق للشعب الفلسطيني، ورفض أى محاولات لطمس هويته أو سلب حقوقه المشروعة؛ فأهل فلسطين بصمودهم وبقائهم على أرضهم حائط صد أول ضد الأطماع الإسرائيلية فى أرضنا العربية من الخليج إلى المحيط.. وتلك أبسط مفاهيم السياسة والجغرافيا والإستراتيجية.، ولا عجب والحال هكذا أن تجد ردود أفعال الشعب المصرى بكل فئاته وأطيافه ومكوناته تذهب فى اتجاه رفض تصريحات ترامب ومخططات نتنياهو ويمينه المتطرف الذى يتمنى أن يقضم أراضينا العربية؛ الدولة تلو الأخرى سعياً وراء تهويمات تلمودية ترى حدود إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ولا عجب والحال هكذا أن يقف المصريون كلهم خلف قيادتهم التى تُجسد إرادة المصريين فى الدفاع عن العدل، ودعم الأشقاء فى قضيتهم العادلة، وإجهاض أى مخطط يستهدف تهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم.
وإذا كان الموقف المصرى تجاه ما يحدث فى غزة بكل هذا الوضوح والثبات؛ فلم التشكيك وإثارة الشائعات والتفتيش فى النوايا، واتهام الموقف الرسمى المصرى بما ليس فيه، وفيمَ هذا الهجوم من قنوات الإخوان المغرضة ومن لف لفهم على القيادة المصرية التى تقف بقوة فى وجه مخططات نتنياهو وأطماع ترامب..؟!
صحيح أن تصريحات ترامب منذ صعد لسدة الحكم فى أمريكا تخلو من المنطق والواقعية، وتضرب فى كل مكان، فتارة يريد الاستيلاء على قناة بنما، وتارة ثانية يريد كندا ولاية أمريكية، وتارة ثالثة يريد احتلال جزر جريلاند، وتارة رابعة يريد وضع غزة تحت سيطرة بلاده تمهيداً لتحويلها إلى ريفيرا الشرق.. لكن من قال إن كل ما يتمناه ترامب يدركه، ذلك أن حاكم البيت الأبيض يستهدف برفع سقف طموحاته أن يحصل حرفياً على ما يريد؛ إنه يحاول إرباك من هم أمامه من خصوم وأنصار وحلفاء لكسب أكبر شيء ممكن بمنطق التاجر الذى لم يستطع ترامب أن يتخلص منه بوصفه «مطوراً عقارياً» ينظر للأشياء بمنطق الربح المادى والمكسب والخسارة، وينسى أو يتناسى أن السياسة هى فن الممكن..!!
لقد أشعل ترامب منذ بدأ ولايته الثانية حرباً تجارية ضد الحليف القديم أوروبا أو القارة العجوز غير مكترث بما قد يجره ذلك من توتر مع الاتحاد الأوروبى وحلف الناتو وهو ما قد يجعل أمريكا تفقد مكانتها الدولية وتصبح منعزلة بمواقف فردية عنترية لا ترقى لعالم السياسة الدولية وقواعد المنطق السياسى بأدنى صلة.
وفى ظل الغطرسة الإسرائيلية على غزة، كان موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى واضحاً وحاسماً فى رفض تهجير الفلسطينيين، مدعوماً بجيش مصر وشعبها.. ورغم هذه المواقف الوطنية، فلا يزال بعض الأبواق تهاجم مصر وتنشر الشائعات من حولها وتردد ادعاءات نتنياهو والإعلام العبرى فيما يخص موقفنا من غزة، رغم أن أهلها أنفسهم ومن مختلف الفصائل أشادوا بموقف مصر سواء فى إنجاح التفاوض الذى تعثر وكاد يفشل لتعود الحرب لتهدم وتخرب ما بقى من آمال فى عودة الحياة لقطاع غزة وأهلها الذين عانوا ولا يزالون ظروفاً قاسية ومريرة وذاقوا ويلات الموت الخوف والدمار..!!
ولا ينكر منصف أنه لولا دور مصر المحوري، بالتنسيق مع الشقيقة قطر، ما تم التوصل إلى اتفاق لإنقاذ غزة من العدوان الإسرائيلى الغاشم، وهو ما يعكس سياسة متزنة تحافظ على المصالح العربية والإقليمية ولا تعبأ بما يقوله المرجفون ولا آلة الشائعات الجهنمية التى تستهدف زعزعة الجبهة الداخلية منذ سنوات.
المفارقة أن البعض يقيس الوطنية والقومية والعروبة بمقاييس حزبية ضيقة، متجاهلاً الحقائق على الأرض.. فماذا يريد هؤلاء؟ دولة ضعيفة بلا جيش ولا سلاح، تترك إسرائيل تعبث فى المنطقة دون رادع؟ أم دولة قوية تدافع عن سيادتها وأمنها القومي؟
لقد كان كلام الرئيس السيسى فى منتهى الوضوح والشجاعة، مؤكداً موقف مصر الثابت إزاء قضية فلسطين، ورافضاً بشكل قاطع أى محاولة لفرض واقع جديد يهدد حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه.
كانت رسائل الرئيس حاسمة بأن تهجير الفلسطينيين عن وطنهم إلى مصر خط أحمر لا يمكن القبول به، وهو موقف يعكس الفهم العميق لما يراد لنا وللمنطقة، وهو فهم ينطلق من عمق المسئولية التاريخية والوطنية التى تتحملها مصر تجاه القضية الفلسطينية، فالمصريون لن يقبلوا المساس بأمنهم القومى ولا التفريط فى حبة رمل واحدة من سيناء الطاهرة التى كثرت حولها الشائعات وتداعت عليها الافتراءات؛ فتارة يقول مروجو الشائعات إن هناك مساكن تبنى على أرضها لاستقبال أهل غزة لكن الواقع يكذّب تلك الافتراءات، فلا أهل غزة تركوا أرضهم ولا قبلت مصر بتهجيرهم وليس ذلك أمراً وارداً أصلاً.
الرئيس أشار بذكاء إلى أن لغة الدبلوماسية الهادئة التى تبنتها مصر على مدى عقود ليست ضعفاً، بل هى قوة متزنة، ولين يحجب الصلابة.. ولابد لمن يعرف تاريخ مصر ودورها الإقليمى أن يدرك أن مواقفها تقوم على الحكمة والتروي، لكنها فى الوقت ذاته تمتلك الإرادة الصلبة التى لا تتهاون فى قضايا الأمن القومى والمبادئ الوطنية.