منذ اللحظات الأولى للإعلان عن مخطط التهجير القسرى لأهالى قطاع غزة، دعت مصر إلى عقد قمة عربية طارئة.. القاهرة ليست بحاجة إلى تأكيد التزامها التاريخى بالقضية الفلسطينية.. «لم يكن تأخر القمة المقررة فى 27 فبراير لأسباب مصرية، بل جاء نتيجة لترتيبات بروتوكولية تخص الأطراف العربية الأخرى المنضوية تحت راية الجامعة العربية.
القمة التى أعلنتها وزارة الخارجية المصرية، ملفاتها كثيرة وتحدياتها أكثر.. العرب مطالبون بموقف لا لبس فيه: لا للتهجير، لا لمحاولات العبث بجغرافيا الفلسطينيين وتاريخهم.. الاجماع على استخدام كل ما تتيحه القوانين والمواثيق لوقف النزيف وقطع الطريق على مخططات الاقتلاع.. غزة المنهكة بالركام تحتاج إلى إعادة إعمار، لكن دون أن يكون ذلك على حساب أهلها.
القمة العربية المرتقبة تتضمن رسائل واضحة: مصر لاتتعاطى الشعارات.. تتحرك مبكرًا، وتدفع نحو موقف عربى موحد.. تعارض تطهير غزة من أهلها، وترفض المزيد من الخسائر المتفاقمة فى فلسطين، سواء فى القطاع أو الضفة الغربية.. إنه شعور الشريك المتضامن، الوسيط النزيه، والمنظم للمبادرات الإنسانية والسياسية.
فى كل المحطات، مصر لم تتراجع، ولم تفرّط فى مسئولياتها.. خلال العدوان الإسرائيلى المستمر على غزة منذ الثامن من أكتوبر 2023، لم تترك الفلسطينيين وحدهم.. انخرطت فى تحركات دبلوماسية مكثفة.. ضاعفت جهود الإغاثة.. فتحت أبوابها للمساعدات الإنسانية.. لم يكن دورها موسميًا، بل امتدادًا لمواقف تاريخية ترسّخت عبر العقود بالدم والهم المشترك.
عندما أطل مخطط التهجير مجددًا – تكرارا لمحاولات لا تتوقف منذ أكثر من ثمانية عقود – كان الرد المصرى حاسمًا: «لن نشارك فى ظلم الفلسطينيين». قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل وضوح، وعلى الهواء مباشرة.. إنها القناعة بأن العدالة لا تُنتظر، بل تُصنع.. القاهرة لا تخضع لضغوط القوى الكبري، ولن تساوم على مبادئها.
>>>
مصر؛ تعرف أنها تتحرك فى حقل ألغام، تعلم حدوده وتدرك مخاطره.. الموضوع أكبر من مجرد وساطة؛ بل مواجهة مفتوحة مع تعقيدات الداخل وتشابكات الخارج.. جبهات متداخلة، وضغوط تتوالى من كل اتجاه.. تدرك القاهرة أن الانتظار رفاهية لا تملكها القضية؛ لذا، تقدمت، وبادرت بطرق الأبواب المغلقة، مؤكدة أنه لا استقرار دون حل، ولا سلام دون حقوق.
تاريخ الموقف المصري-العربى حافل بمحطات حاسمة منذ عام 1948.. كانت التحركات واضحة والتضحيات ملموسة.. لم تكن المعارك مجرد مواجهات عسكرية، بل محاولات دائمة لكسر المشاريع الصهيونية، ووقف التهجير، وتثبيت الحقوق.. كانت الحروب من 1956 إلى 1973 فصولًا فى هذه المواجهة العاصفة.
فى السادس من أكتوبر 1973، كبّدت مصر أكبر هزيمة عسكرية بإسرائيل منذ زرعها فى جسد المنطقة.. كانت الحرب تعبيرًا عن إرادة مصرية – عربية موحدة، لكن بعد عقود بدا المشهد أكثر تعقيدًا.. الانقسام الفلسطينى منذ 2007 زاد الأمر سوءًا.. فتحت الخلافات الداخلية الباب أمام توسع الاستيطان، وشرذمة المواقف، وإضعاف القدرة التفاوضية؛ وبدلًا من مواجهة الاحتلال، انشغل الفلسطينيون بالصراعات الداخلية.
بات التناقض الفلسطينى يحلّ محل الوحدة الوطنية.. تحول «التيه» من المعسكر اليهودي-الإسرائيلى إلى الصف الفلسطيني.. تناقضت المواقف وتبدلت التحالفات.. سقطت الأولويات فى دوامة المصالح الضيقة.. لم تكن الوحدة الفلسطينية يومًا عقبة فى طريق التحرير؛ لكن الانقسامات بين الفصائل أضعفت الجبهة الداخلية، عرقلت جهود التفاوض، وضيّعت الفرص.. وبدلًا من توحيد الصف لمواجهة الاحتلال، استُنزفت الطاقات فى صراعات داخلية، مما منح إسرائيل هامشًا أوسع لتعزيز الاستيطان وفرض وقائع جديدة على الأرض.
حاولت مصر ودول عربية ترميم الشرخ.. طرحت المبادرات، أنجزت القاهرة اتفاقًا مكتملًا للمصالحة الفلسطينية.. دعت إلى التوافق، لكن الحلول اصطدمت بعناد داخلى وعوامل خارجية تعزز الانقسام.. ظلت القناعة بأن الموقف العربى لا يكتمل إلا بوحدة فلسطينية حقيقية.. لم تملّ مصر من المحاولات، ولم تتوقف عن طرح الحلول، كون الانقسام لا يخدم سوى العدو ومن معه.
الانقسام طال كل شيء.. حماس تهاجم فتح بسبب اتفاق أوسلو، رغم أنها تستفيد من السلطة والمجلس التشريعى والانتقال من مجرد حركة إلى جزء من الحكومة، قبل اصطناع حكومتها الخاصة فى غزة.. لم تقل الحركة إن اتفاق أوسلو لم يكن سقوطًا ولا خيانة، رغم أنه يمثل خطوة فى مسار طويل، طريقه مليء بالعوائق.
>>>
من السهل إطلاق الأحكام بعد عقود، لكن الحقيقة تبقى أن الفلسطينيين وجدوا أنفسهم أمام معادلة معقدة: صراع مفتوح دون أفق أو اتفاق يمنحهم موطئ قدم على خارطة العالم.. اختاروا الممكن، لأن المستحيل لم يكن خيارًا.. كان اتفاق أوسلو بداية مرحلة لا نهايتها؛ فقد أعطى الفلسطينيين اعترافًا، وإن لم يمنحهم دولة.
الاتفاق فتح أبوابًا، وإن لم يغلق جرح الاحتلال.. لم يكن حلًا سحريًا، لكنه كان اختراقًا لواقع جاثم منذ عقود.. المشكلة لم تكن فى أوسلو بحد ذاته، بل فى من استغله لتعميق الاحتلال بدل إنهائه.. إسرائيل لم تدخل الاتفاق بنوايا الحل، بل دخلته لتكسب الوقت، وتوسع الاستيطان، وتحاول ابتلاع مساحات أخرى من الجغرافيا.
تحولت المفاوضات إلى غطاء لفرض وقائع جديدة.. كل تنازل فلسطينى قوبل بتشدد إسرائيلي، وكل التزام بالاتفاق قوبل بخروقات ممنهجة.. كان يُفترض أن يكون أوسلو جسرًا، لكنه تحول إلى متاهة؛ لأن أوراق الضغط غير موجودة.. فأصبح كل طريق يفضى إلى جدار، وكل خطوة تقابلها عقبة جديدة.. الدولة التى وُعد بها الفلسطينيون لم تولد، لأن الاحتلال لم يكن مستعدًا للرحيل.
وبين مراوغات السياسة وحقائق الأرض، بقيت القضية فى مكانها، تنتظر اختراقًا جديدًا خارج حسابات القوة والهيمنة.. الاحتلال استغل الاهتراء الفلسطينى الداخلى فى مواصلة الاستيطان.. تعمد إفشال المسار التفاوضي، وتجاهل قرارات الأمم المتحدة.. حوّل المحادثات إلى غطاء سياسى لفرض الأمر الواقع، لكن مصر – ومعها عواصم عربية أخرى – لم تتوقف عن المحاولات.. نعم، الهدنة ليست انتصارًا، والتهدئة لم تكن حلاً.
فى ميزان القوى الحالي، كل اتفاق مؤقت ليس أكثر من استراحة بين جولات الصراع.. لا شيء يتغير إذا بقى الاحتلال هو القاعدة وبقيت المعادلات نفسها تتحكم فى المصير.. اتفاقات التهدئة خففت الألم، لكنها لم تمحُ الجرح.. أوقفت القصف، لكنها لم تُنهِ الحصار.. لم تكن بوابة نحو العدالة، بل محطة أخرى فى معركة طويلة، بين طرف قوى بالسلاح، وآخر قوى بإرادة البقاء والصمود.
الواقع لم يتغير، والقواعد لم تتبدل، وطالما أن الحلول تظل مؤقتة، ستبقى النتيجة واحدة: تهدئة اليوم، مواجهة غدًا، ثم عودة إلى نقطة الصفر.. أيضًا، الهدف الاستراتيجى المصري- العربى لم يتغير: دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 4 يونيو 1967.. المسألة ليست مجرد شعار سياسي، بل رؤية قائمة على تحرك دبلوماسى نشط.
>>>
بالتأكيد؛ الطريق ليس ممهدا، والنتائج غير مضمونة.. تكبل التوازنات الدولية المبادرات، تتصدى لمحاولات كسر الدوائر المغلقة؛ فالمصالح هى التى تتحكم والضغوط تتوالي… العالم لا ينتظر، بل يتحرك وفق حساباته.. ظلت القضية الفلسطينية ساحة اختبار؛ التحركات العربية تصطدم بجدران المصالح الغربية.
لم يكن الانحياز الأمريكى لإسرائيل مجرد سياسة، بل تحالف استراتيجى عميق… تداخلت المصالح الاقتصادية والعسكرية.. صحيح، أن الولايات المتحدة لا تزال اللاعب الأكبر، لكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية تدفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها.. اللعبة لم تنتهِ بعد؛ معادلات القوة تتغير، والسياسات الدولية ليست ثابتة، والمصالح تتحول.
مع ذلك؛ المجتمع الدولى أثبت هشاشته.. لم يكن منصفًا؛ فالقوانين والاتفاقيات لا تُطبّق إلا على الضعفاء.. تجاوزت إسرائيل لم تجد من يردعها.. تطورات القضية الفلسطينية تؤكد، مجددا، أنها ليست مجرد ملف سياسي، ولا نزاعًا على الحدود، لكنها اختبار للعالم.. للعدالة، وللشرعية الدولية، وللقيم التى يتغنى بها النظام العالمي.
استمرار الاحتلال ليس فقط انتهاكًا لحقوق الفلسطينيين، بل هو وصمة فى جبين القانون الدولى وإفلاس لمنظومة تدّعى الدفاع عن الحريات والحقوق.. المعادلة واضحة: لا يمكن الحديث عن الاستقرار دون إنهاء الاحتلال، ولا يمكن الحديث عن العدالة فيما يُمنع شعب بأكمله من تقرير مصيره.
>>>
المأساة الفلسطينية معركة مفتوحة، معركة هوية وحقوق وعدالة.. يثبت التاريخ أن القضايا العادلة لا تُحسم بعدد الاتفاقيات، بل بالقدرة على فرض الحق وتحويل الوعود إلى واقع.. فلسطين، قضية إنسانية قبل أن تكون سياسية.. والتهجير ليس مجرد خطوة تكتيكية، بل مخطط ممنهج، وتوسع الاستيطان ليس تفصيلًا عابرًا، بل محاولة دائمة لطمس الهوية.
فلسطين ليست ورقة تفاوض ولا قضية مؤجلة؛ إنها جرح مفتوح فى ضمير العالم ومسئولية لا تسقط بالتقادم.. المطلوب ليس حلولًا مؤقتة ولا اتفاقات تنتهى عند أول اختبار… المطلوب رؤية جديدة تتجاوز المناورات السياسية وتعترف بأن الحق الفلسطينى ليس قضية قابلة للمساومة، بل حقيقة يجب أن تُترجم إلى واقع: دولة مستقلة، سيادة كاملة، وعدالة غير مشروطة.
التاريخ لا يُكتب بالنتائج وحدها، بل بالمحاولات التى سبقتها.. لم تكن الجهود العربية فى دعم فلسطين بلا أثر، حتى وإن بدا هذا الأثر خافتًا أحيانًا أمام جبروت القوة وموازين المصالح.. لم تكن الدبلوماسية بلا جدوي، ولم يكن الدعم الإنسانى مجرد تفاصيل عابرة.. كل خطوة، مهما كانت محدودة، كانت محاولة لتثبيت الحق فى مواجهة واقع يزداد قسوة.
لم يكن الموقف العربى مجرد اختيار بين دعم القضية أو تجاهلها، بل كان دائمًا توازنًا دقيقًا بين المبادئ والمصالح، بين الحقائق على الأرض وحسابات البقاء.. لم يكن التخاذل هو القاعدة كما يروج البعض، بل كانت الخيارات المتاحة محدودة والهامش المتروك للحركة ضيقًا.. الطريق ليس فى نبذ ما مضى ولا فى محاكمته بمعايير مثالية.
>>>
ليس صحيحًا أن العرب تراجعوا عن القضية، بل إنهم يواجهون معادلة معقدة؛ دعم لا يكفى لتغيير الواقع وضغوط تمنع الذهاب إلى أبعد مما هو مسموح، وكان المطلوب دائمًا موازنة دقيقة بين المبادئ والواقع، بين الخطاب السياسى وحدود الفعل الممكن.. الانتقادات كانت حادة.. بعضها محق، وبعضها يتجاهل الحقائق.
استنزفت الأزمات الداخلية الكثير من العواصم العربية، وأضعفت التحولات السياسية القدرة على التأثير.. لم تكن فلسطين غائبة عن الأولويات، لكن الأولويات نفسها باتت متشابكة، فى المقابل، كانت القوى الدولية تصوغ المشهد وفق مصالحها.. لم تكن إسرائيل مجرد طرف فى الصراع، بل كانت جزءًا من تحالفات تجعلها أقوى من مجرد دولة احتلال.. كان الدعم سياسات واستراتيجيات ومصالح اقتصادية وأمنية.
الموقف العربى ليس غائبًا، لكنه محاصر.. الضغوط ليست عابرة، بل دائمة، مكثفة، ومتعددة المصادر.. فرض الداخل حساباته، ورسم الخارج خطوطه الحمراء.. ليس سهلا تحويل المواقف إلى أفعال، والقرارات إلى إنجازات؛ فالجغرافيا السياسية قاسية، والانحيازات الدولية واضحة، لكن واقعًا جديدًا يتشكل.
لم يعد الاستسلام للواقع المر خيارًا.. مصر تحاول اختراق جدار الصمت والعجز الدولي.. تحاول مراوغة وقائع أقوى من النوايا.. لا تتوقف أمام انتقادات مشبوهة، وجماعات وظيفية هدامة، بعضها يعمل من الخارج والآخر من الداخل؛ تعلم القاهرة أن حسابات القوى الكبرى لا تترك مجالًا واسعًا للمناورة، وأن الصراع ليس عادلاً، ولا الطريق مفتوحًا، لكن المحاولات المصرية لا تتوقف والموقف المصرى أيضا لا يتغير، ثابت كالجبل لا يهتز مهما كانت الضغوط والتحديات.
>>>
تؤمن القيادة المصرية أن الحل لا يكون فى التبرؤ من الجهود العروبية السابقة، بل فى تصويب أخطائها، والبناء عليها، وإعادة التوجيه وفق رؤية ترى المشهد كاملًا، تدرك أن التغيير لا يُفرض بالشعارات، بل بصياغة استراتيجية تستطيع الصمود أمام تقلبات الواقع، لاسيما أن ما بُذل من مصر وأشقائها لم يكن قليلًا، وإن كان ما تحقق لم يكن كافيًا.
على الشاطئ الآخر للحقيقة هناك من يختزل المشهد بين نجاح أو فشل، بين انتصار أو هزيمة، لكنها محاولات تسطيح لحقيقة أكثر تعقيدًا.. تتحرك مصر، كغيرها من الدول العربية، فى مساحة ضيقة بين موازين قوة غير عادلة وضغوط لا تنتهي؛ لم يكن الطريق مفتوحًا أمامها، ولم تكن الخيارات بلا ثمن. كان، ولا يزال، جهدها صادقًا نحو استعادة الحقوق، وكل محاولة، حتى وإن كانت غير مكتملة، فهى خطوة فى مسار أطول مما يظنه البعض.. السياسة ليست دائمًا طريقًا مفتوحًا، بل مسارً محفوف بالعوائق.
لا يمكن تناسى المصالح التى تمارس ثقلها، تحاول تطويع القضية، وتحاصر إمكانيات الحل العادل، لكن رغم جبروت أطرافها، فهى لن تُمحو فلسطين من الذاكرة ولن تغير الموقف المصري.. لن يتحول الاحتلال إلى أمر واقع بلا منازع ولن يفرض التهجير فما ضاع حق وراءه مطالب.. الأمل لا تمحوه إخفاقات أو تراجع موقف، لكنه يبقى فى تحقيق العدالة، فى قدرة الفلسطينيين على الصمود، فى إبقاء القضية حية فى مواجهة احتلال يراهن على النسيان.
بالطبع، الزمن ليس محايدًا، فإما أن تتحرك القوى الفاعلة بخطوات عملية تُعيد رسم المشهد، أو تُترك المساحة لمزيد من التراجع والانهيار.. الحق نفسه لا يصبح حقيقة بمجرد الاعتراف به، بل بقدرة أصحابه على فرضه على الأرض، ورغم أن المعادلة ليست سهلة، إلا أنه لا يمكن لأى قوة أن تمحو وجدان أمة، خاصة إذا تحققت وحدة الصف كشرط أساسى للانتصار.
>>>
تدرك مصر أن تحقيق ذلك يتطلب أدوات جديدة، ومرونة سياسية، ونهجًا مختلفًا عن التجارب السابقة. لا تُقاس الجهود المصرية والعربية بالأرقام أو بالنتائج الظاهرة فقط، بل يُنظر إليها ضمن سياق سياسى معقد، حيث لعبت التدخلات الدولية دورًا حاسمًا، وأثرت الضغوط الاقتصادية والسياسية على القرار العربي، قبل أن تحاول الأطراف العربية الخروج من دائرة الأزمة.
لسان حال مصر وأخواتها: لا يكفى التنديد، بل المطلوب استراتيجية عربية جديدة تستند إلى أوراق قوة فعلية، وليس إلى ردود فعل متأخرة. لم تعد التحالفات القديمة تكفي، ولم تعد السياسات التقليدية مجدية. المطلوب رؤية مختلفة تقوم على بناء موازين قوى حقيقية، لا على الانتظار، بل على الفعل دون الاعتماد على رد الفعل فقط.
ما تبقى من العواصم الفاعلة يرى أن الأمل ليس فكرة معلقة فى الفراغ، بل فعل مشروط بالقدرة على تجاوز الخلافات، وتوحيد الصف، وصياغة استراتيجية تضع المصالح المشتركة فوق الحسابات الضيقة. لا يتحرك العالم وفق الأمنيات، بل وفق موازين القوة والمصالح؛ والقضية الفلسطينية لم تكن يومًا استثناءً من هذه القاعدة.
فى مشهد دولى تتداخل فيه الاعتبارات السياسية بالقيم الإنسانية، تبقى فلسطين الاختبار الأكبر لمصداقية العدالة فى هذا العالم. لا يمكن للحقوق أن تبقى رهينة لمعادلات القوة، ولا يمكن أن يستمر الاحتلال دون ثمن سياسى وأخلاقي. لكن الواقع يفرض معادلة أخري، إذ يتطلب الانتصار للقضية تعاونًا دوليًا حقيقيًا، وتحالفًا عربيًا صادقًا، ومصالحة فلسطينية حقيقية مصر تصر على الانتصار للقضية وتتصدى من أجلها لكل المخططات، وتواجه أفكارا غير منطقية يتم طرحها، مصر ثابتة وتتعامل بسياسة احترافية دفاعاً عن الحق الفلسطينى والقمة العربية الطارئة، محطة جديدة فى سبيل توحيد الموقف وقوته