التلاحم الشعبى مع القيادة السياسية رسالة واضحة وقوية للجميع
دير السلطان مصرى .. والرهبان يتصدون لمحاولات «الأحباش»
تسابق القاهرة الزمن لتفويت الفرصة على كثير من المخططات التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وتغيير التركيبة الديموغرافية للمجتمع الفلسطيني، وهى بضاعة فاسدة يعاد تدويرها بين الحين والآخر، وكشفت عن وجهها القبيح فى الكثير من المواقف الأخيرة.
موقف القيادة السياسية المصرية يستمد قوته من زخم ودعم شعبى هائل يدرك قيمة الوطن، وفى اللحظة المناسبة خرج ليعبر عن نفسه بعفوية وتلقائية لا تخطئها العين، ليقف الجميع فى «خندق الوطن»، فالوطن هو المستهدف، ومن هنا جاءت المواقف القوية من الأزهر والكنيسة المصرية لتساند موقف الدولة المصرية وقيادتها السياسية الوطنية الرافضة لكل ما تم طرحه فى مخالفة واضحة للقانون الدولى وأعراف السياسة الدولية.
«الجمهورية» تحاور فى هذه السطور واحدا من أبرز رجال الدبلوماسية المصرية، السفير محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق، ورئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية لقراءة المشهد بعمق، وإلى التفاصيل..
> فى البداية سألته: فى إطار اهتمام العالم بالقضية الفلسطينية، كيف ترى الدور المصرى فى الحفاظ على الهوية العربية لمدينة القدس؟
>> قال محمد العرابي: كل المواقف الرسمية للرئيس عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية تؤكد أن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين القادمة، لقد أتاحت لى ظروف عملى زيارة القدس كثيرًا، وألمس الاهتمام المصرى بالمقدسات، وهذا ليس وليد اليوم، ففى المسجد الأقصى على سبيل المثال تحرص مصر على رعايته منذ عصر الملك فاروق حيث يتم إرسال السجاد والمساهمة فى إعماره، والقدس بالنسبة للمصريين مدينة مقدسة سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وأعتبر هذا المكان رمزا جميلا للتعايش بين الأديان الثلاثة، ولكن الساسة لم يفهموا -للأسف -هذه الرسالة الربانية، حيث تتواجد الأماكن المقدسة كلها فى منطقة مساحتها كيلومتر مربع واحد. والقدس تحظى بأولوية مهمة فى السياسة الخارجية المصرية، حيث تتصدر الأحاديث عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.
جهود مصرية
> وكيف ترى الدور المصرى فى الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس من محاولات تهويدها وطمس معالمها؟
>> قال: مصر تنتفض بشدة فى مواجهة أية محاولة لتدنيس هذه الأماكن، على المستويين الرسمى والشعبى، ولا تنس أن «دير السلطان» كنيسة مصرية، ومصر بمؤسساتها الرسمية تقف بالمرصاد لمحاولة الاستيلاء عليه من جانب الرهبان الأحباش، ونتحدث دائمًا فى هذا الأمر، كما يتصدى الرهبان المصريون بكل صبر ووسيلة سلمية ونجحوا فى التواجد بدير السلطان بدون الاحتكاك بالرهبان الأحباش، ولكن هناك احتلال للدور الأرضى على الأقل من الأحباش.
> وماذا تقول عن الجهود المصرية للتصدى لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية؟
>> من يوم 8 أكتوبر 2023، ومصر تدرك تمامًا كل ما يجرى فى هذه المنطقة، والمستهدف هو تصفية القضية الفلسطينية وليس أى شئ آخر، وكان هناك تخطيط سابق وشعور بأن هذه هى الفرصة لفك القضية الفلسطينية وإعادة تركيبها مرة أخرى بمفهوم «نتنياهو»، وكان وصول «ترامب» للسلطة متوقعًا، ومصر تدرك ذلك، وكل مواقفنا الخاصة للتصدى لتهجير الشعب الفلسطينى تنطلق من إطار الإدراك بأن القضية الفلسطينية عبارة عن: شعب وأرض، فإذا فرغت الشعب من أرضه، إذن لا وجود للقضية الفلسطينية، وهذا هو أســـاس المـــوقف المصرى منذ يوم 8 أكتوبر.
> هل نفهم من ذلك أن كل العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وغيره من المدن الفلسطينية يستهدف الوجود الفلسطينى بكل مكوناته؟
>> قال: نعم .. طبعًا، إنها هجمة بقصد تصفية القضية الفلسطينية، وإجبار الشعب الفلسطينى على أن يترك أرضه، وكلنا نرى الشعب العظيم فى غزة يعود إلى منازله المهدمة ويؤكد أنه مستعد للعيش بها ويرفض الانتقال إلى أى مكان آخر. إذن الشعب الفلسطينى يرد على مخططات نتنياهو ومخططات الرئيس الأمريكى.
> كيف ترى المرحلة التى وصلها القضية الفلسطينية حاليًا؟
>> أصعب فترة تمر بها القضية الفلسطينية منذ عام 1948، ونذكر أننا قلنا إن عام 2025 سيكون عامًا صعبًا على القضية الفلسطينية.
موقف صلب
> وماذا عن الدور المصرى فى الحفاظ على حقوق الفلسطينيين؟
>> الموقف المصرى رفض كل محاولات الإغراء سواء من نتنياهو أو حلفائه فى أوروبا، أو بعد ذلك عندما وصل الرئيس ترامب إلى سدة الحكم، وكل هذا يؤكد أن الموضوع أكبر من أى إغراءات فى سبيل أن نتخلى عن القضية الفلسطينية، لأن هذا الأمر مرفوض تمامًا، وأعتقد أن هذا الموقف الصارم وصل إلى الجميع حتى فى واشنطن فى المرحلة الحالية، وأعتقد أن موقفنا نال تقدير وتأييد مختلف دول العالم بما فيها الدول الأوروبية وروسيا والصين، والدول العربية بأكملها.
> بمناسبة الحديث عن الرئيس الأمريكى .. ربما لأول مرة نرى رئيسًا للولايات المتحدة يخرج علينا متحدثًا بالطريقة التى تحدث بها ترامب من استيلاء على قطاع أو شرائه وتهجير سكانه، كيف تنظر إلى ذلك؟
>> الرئيس ترامب قادم بمفهوم دولى جديد ينظم العلاقات الدولية بأسلوبه وفكره، ولم يكمل شهرا حتى الآن فى مقعده ولديه عداوة مع كندا والمكسيك وبنما والدانمارك والكثير من الدول وكل الدول الغربية تستنكر سياساته، ليس فقط بالنسبة للقضية الفلسطينية، بل حتى لموضوع الناتو، وهو كسب عداوة الجميع، ثم دخل فى موضوع الحرب التجارية مع الصين ودول أخري، ونال عداوة الجميع فى فترة وجيزة جدًا وهذا فى حد ذاته ينم عن أن لديه مفهوما خاصا به فقط فى العلاقات الدولية بعيدًا تمامًا عن القانون الدولى والأمم المتحدة والأعراف الدولية.
خطة وهمية
> قلت مقاطعا: بل حتى كبار مستشارى الرئيس والخارجية الأمريكية أوضحوا أنهم لم يكونوا يعلمون شيئًا عما قاله الرئيس الأمريكى ..
>> قال محمد العرابي: وهذا يعطيك فكرة عن أنه ليس بالضرورة ما يقوله ترامب سيتم تنفيذه، لأن الولايات المتحدة لديها فى النهاية مؤسسات ولديها آراء مختلفة، ويمكن أن تكبح جماح ما يقوله.
> أى أنك لا تتوقع نجاح رؤى ترامب؟
>> لا أرى أنها ستطبق لأنه بنى موقفه دون أن يدرس الأرض التى يتحدث عنها، هذه الأرض بها سكان متمسكون بها، وبها حركة إسمها «حماس»، إذن عليك إما أن تفنى هؤلاء، وهو يتحدث عن «الجحيم» وهذا عمل -فى حد ذاته -مشين، والعالم كله يستنكره، وسيؤدى إلى عزلة بلاده لو ارتكب ذلك، وأرى أن مشروعات ترامب وهمية لن ترى النور، ونطلق عليها فى الدبلوماسية NON STATER أى لن تبدأ.
> ما تقييمك لتماسك الجبهة الداخلية وقد خرج المصريون على قلب رجل واحد لدعم القيادة السياسية، كيف ترى مدلولات ذلك؟
>> هذا الموقف الشعبى يمنح الموقف الرسمى قوة، وهو أحد «كروت» السياسة والدبلوماسية المصرية فى مواجهة هذا الجموح من جانب الرئيس الأمريكي، ولن أقول الإدارة لأنه ربما يكون لها موقف مختلف، وبالتالى الموقف الشعبى نراه فى هذا الطابور من المنازل المتنقلة الذى يقف فى معبر رفح ينتظر الدخول ويرفع الشباب علم مصر، وأيضًا المعدات الثقيلةو وكل هذا يأتى من مساهمات الشعب المصرى الذى يقدم هذه المساعدات وهو راض عنها ومقتنع تماما بضرورة مساندة الشعب الفلسطيني، وهذا يمنح القيادة السياسية زخمًا للوقوف بصلابة فى مواجهة هذه الاقتراحات الغريبة التى لم نسمع عنها من قبل.
> كيف تنظر لمؤتمر القمة العربية القادم الذى يعقد يوم 27 فبراير بالقاهرة؟
>> هذا مؤتمر مهم جدًا، وأعتقد أنه سيبلور موقفًا موحدًا من الدول العربية.