كثيرا ما أتحدث مع المسئولين بحسن نية مفرطة وكثيرا ما أسمع ما لا يرضينى إفراطا وتفريطا، كنت دائما ما أنظر إلى أصحاب المعالى من السادة الوزراء والمحافظين على أنهم أفضل وأحرص الناس على صورة مصر فى كل مكان فى الداخل والخارج وفى نطاق اختصاصات وزاراتهم أو حدود محافظاتهم او بعيدا عنها، كنت أظن ان الشخص الذى يصل إلى مرتبة الوقوف أمام السيد الرئيس ليحلف اليمين الدستورية سواء كان وزيرا أو محافظًا أو نائبًا، أن لديه شعورا فادحًا بالمسئولية الشاملة الجماعية، ليس تجاه وزارته وحدود اختصاصاته فحسب وإنما تجاه وطنه وأمته وحكومته كاملة.
>>>
لكن وبحسن نية كنت أتصل بأحدهم أو أتقابل معه وأتحدث عن أمر ما فى مكان ما أراه مسيئًا لشكل الدولة ولا يتسق مع السياق العام الذى ينشده الرئيس ، فتكون صدمتى قاسية حينما أسمع تلك العبارة «ده مش اختصاصى يا افندم» فيكون رد فعلى الذى يتسم دوما بالجدية والتجرد ممتزجًا بالود والاحترام وإنزال الناس منازلهم «طيب مين المسئول؟ دى صورة مصر يا معالى الوزير»، لا أجد إلا صمتًا مغلفًا بابتسامة تشعرنى بالقهر الشديد، فعندما أرى أمام عينى ما يستحق ضرورة التواصل مع المسئول أبادر فورًا ودون إبطاء بفعل الواجب، رغم توقعاتى المرئيّة بأن لا أحد سيسمعنى ولا أحد لديه الرغبة فى نقاش جاد حول ملف عام بعيدا عن اختصاصاته.
>>>
ينتابنى شعور غريب بأن هناك قلقًا يصيب بعض المسئولين من الحديث مع الإعلام ، وهناك أمور شديدة الأهمية لا أجد مسئولا محددًا يمكن الحديث معه بشأنها، وحتى لا أكون كمن يحوم حول الفكرة دون الوصول اليها سأورد هنا نماذج لموضوعات أو مواقف جعلتنى أسمع ما لا يرضينى من بعض هؤلاء المسئولين، أولا من هو الشخص أو الجهة المسئولة عن صورة مصر فى الخارج؟ ومن هو الشخص أو الجهة المسئولة عن رسم الصورة الذهنية المطلوبة لمصر فى العالم؟
وما هى الجهة المسئولة عن صناعة وصياغة وصيانة المزاج العام المصري؟ وما هى الجهة أو الشخص المسئول عن رسم الثقافة العامة للدولة؟ ما هى الجهة العليا القادرة على إدارة «القوة الناعمة المصرية وتحديد مساراتها»؟ وما هى الجهة أو الشخص المسئول عن «الحديث السياسي» باسم الدولة والحكومة بخلاف المتحدثين الرسميين الملتزمين بإصدار البيانات الفنية الدقيقة ونشرها على صفحاتهم مع فرص نادرة للتعليق عليها.
>>>
وهنا لا أقصد هؤلاء بالطبع، لكننى أبحث عن الشخص الذى يخرج للرأى العام والإعلام والعالم ويتحدث شارحًا بوعى وقوة وذكاء كل ما تقوم به الدولة فى كل المجالات مدافعا بجسارة عن قرارات الدولة وتوجهاتها بعيدًا عن قيود وظيفة المتحدثين الرسميين الذى يغلب عليهم الطابع الدبلوماسى أو القانوني، لا أقصد كذلك المستشارين الإعلاميين الذين يروجون بمحدودية لمؤسساتهم دون رؤية شاملة لمسارات وسياقات الدولة، بالأمس القريب كان المجتمع يتحدث عن ثلاث قضايا.
>>>
الأولى زيادة أسعار المحروقات وخناقة سوهاج ووفاة مدير إدارة تعليمية ومقال أحد أشباه المثقفين الذى يطالب بعودة الرتب المدنية، لم يخرج ذلك المسئول الذى أتخيله حاملا الحقائق بين يديه متحدثا بلباقة وقوة للرأى العام ليشرح للناس الملابسات ويعرض عليهم الحقائق بمنتهى الثقة والقوة ، لكن ما جرى وما عايشته هو حالة هروب من المواجهة وعدم الإحساس بالمسئولية، ربما يقول قائل إن رئيس الوزراء يعقد مؤتمرًا صحفيًا يشرح للناس كل الأمور، وأقول نعم الرجل يحاول فنيًا بصدق لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أعمق من الأحاديث الفنية التى يغلب عليها الطابع الحكومى الكلاسيكي.
>>>
نحتاج حديثا سياسيًا واشتباكًا إعلاميًا، ثم ما هى الجهة المسئولة أو الشخص المسئول عن مواجهة ظواهر ومظاهر الفهلوة والبلطجة فى الواقع وكذلك فى الدراما والتليفزيونات والبرامج التافهة؟ ما هى الجهة المسئولة أو الشخص المسئول عن تغيير ثقافة المصريين تجاه العديد من الظواهر السلبية «الخلفة والإنجاب، إهدار الطعام، الميل إلى الوظيفة الميرى ، إدمان الدعم والمجانية، التزويغ من العمل وضرب الشهادات المرضية والبحث الدائم عن الواسطة حتى ولو كان الأمر متعلقا بالحج أو العمرة؟ من المسئول عن صورة المصريين فى الخارج خاصة فى مراسم الحج والعمرة؟».
>>>
من المسئول عن الرد على الصحافة والإعلام الأجنبى يوميا وكذلك المبادرة بالتوغل عبر القوة الناعمة المصرية إلى مناطق حساسة ومهمة لأمننا القومي؟