يوم الجمعة الماضى قادتنى الصدفة للصلاة بأحد المساجد التاريخية بمصر.. مسجد الرفاعى بمنطقة القلعة بالقاهرة.. لتعود بى الذاكرة لما كان يفعله معنا أبى أنا وأشقائى ونحن أطفال.. حيث كان يحرص أبى على اصطحابنا للصلاة يوم الجمعة فى أحد المساجد التاريخية.. وهى الفرصة التى اتاحت لنا أن نزور معظم مساجد مصر القديمة.. وهو ما حرصت ان أقوم به مع أبنائي..وهم أطفال حيث قمت بتكرار ما كان يفعله معى أبى ونحن صغار.. وزيارة هذه المساجد فى الوقت الحديث أصبحت أكثر سهولة.. فقد تلقيت من أحد اشقائى اسطوانة مدمجة «سى دي» بعنوان القاهرة ألف مئذنة.. وهذه السى دى كانت مرجعى عند زيارتى لهذه المساجد مع ابنائى وهم صغار.. فكنت بعد الانتهاء من الصلاة احرص ان نتجول فى المسجد.. نلتقط الصور التذكارية..واحكى لهم بعض المعلومات عن المسجد الذى نزوره من خلال ما عرفته فى السى دي.
وقد أتاحت هذه الزيارات الفرصة لى ولأبنائى للتعرف على معظم مساجد القاهرة الأثرية.. وكنت انتظرها أسبوعيا.. وفى معظمها كان والدى حريصا ان يشاركنا ويحضر معنا.. لنستمتع جميعا بزيارة هذه المساجد..
وإذا عدنا لمسجد الرفاعى فهو أحد المساجد الأثرية الشهيرة بالقاهرة والتى امرت ببنائه خوشيار هانم والدة الخديو اسماعيل سنة 1869م.. وتوقف العمل فى المشروع لأكثر من 25 عاما.. وفى عام 1905 عهد الخديو عباس حلمى الثانى إلى أحمد خيرى باشا باتمام بناء المسجد.. والذى كلف المهندس هرتس باشا باكمال البناء وقد انتهى منه عام 1911.. وافتتح المسجد للصلاة فى العام التالي.. وهو مقام على مساحة 6500 متر مربع منها 1767 مترا للصلاة وبقية المساحة مخصصة للمدافن والملحقات.. حيث يوجد بالمسجد مقبرتان للشيخين على ابى شباك ويحيى الأنصاري.. بالاضافة إلى مقابر الأسرة الملكية والمدفون بها الخديو اسماعيل وامه خوشيار هانم وزوجته وأولاده.. والسلطان حسين كامل وزوجته والملك فؤاد الأول والملك فاروق الأول.. وشاه إيران محمد رضا بهلوي..
ويتميز المسجد بمداخله العالية والأعمدة الحجرية والرخامية وتيجانها الجميلة.. وشبابيك الواجهات المصنوعة من النحاس برسوم جميلة.. إن تفاصيل الجامع كثيرة ويستحق الزيارة والاستمتاع بجمال عمارته.. وفى مقابل الجامع يوجد جامع السلطان حسن وهو أيضا احد المساجد الشهيرة بالقاهرة ويوصف بأنه درة العمارة الاسلامية بالشرق.. وانشأه السلطان الناصر بن قلاوون خلال الفترة من 1356 إلى 1363م.. ويضم المسجد مدرسة للمذاهب الاربعة «الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة «.. وكان يدرس بها أيضا علوم تفسير القرآن والحديث النبوي..
ان كل مسجد من مساجد مصر القديمة له قصة.. بداية من مسجد عمرو بن العاص.. وهو أقدم مساجد مصر التاريخية.. والذى انشئ مع حكم عمرو بن العاص لمصر فى مدينة الفسطاط التى أسسها المسلمون كأول عاصمة إسلامية.. وكانت مساحته وقت وقت انشائه 50 ذراعاً فى 30 ذراعا وله ٦ أبواب.. واستمرعلى هذه المساحة حتى عام 53 هـ /672م.. ومؤخرا عملت وزارة الاوقاف بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار على ترميم المسجد واعادة تجهيزه من جديد.
ان زيارة مساجد مصر التاريخية زيارة تستحق ان تقدم عليها الأسر المصرية من مختلف المحافظات.. ان لدينا كنوزا لا تقدر بثمن ولا يوجد لها مثيل.. وعلينا ان نساعد أبناءنا على التعرف على هذه المساجد.. فهى تستحق الزيارة وان يتعرف عليها أبناؤنا جميعا.. فلدينا مسجد الأزهر والحسين وابن طولون والرفاعى والسطان حسن والسيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الشافعي.. وغيرها من المساجد.. وهنا احب ان اعود لمسجد السيدة زينب حيث فوجئت عند صلاة الجمعة منذ عدة سنوات فى هذا المسجد.. بوجود منطقة محاطة بالاحبال ومغلقة ولا يسمح فيها بالدخول إلا لنفر قليل من المصلين.. واكتشفت بعد أذان الظهر وبداية خطبة الجمعة..ان هؤلاء من الصم والبكم يقف أحد المتخصصين فى لغة الاشارة على أحد المقاعد ليقوم بترجمة الخطبة لهم.. وعقب الصلاة فوجئت بأنهم يقيمون سوقاً خاصة بالصم والبكم بجوار سور المسجد يبيعون فيه بعض السلع.. وكانت هذه المرة الأولى فى حياتى التى أرى فيها خطبة الجمعة يتم ترجمتها للصم والبكم فى نفس اللحظة.. وان هناك مسجداً يخصص لهم هذه المساحة.. وحرصت على اصطحاب عدد من الزملاء الصحفيين من تونس والمغرب خلال زيارة لهم للقاهرة لصلاة الجمعة بمسجد السيدة زينب.. والذين اعربوا عن اعجابهم بما يقدمه هذا الجامع للصم والبكم.
ومرة أخرى أعود للتأكيد على ضرورة زيارة هذه المساجد وان يتعرف عليها شبابنا وأطفالنا.. وإلى جانب الصلاة والتعرف على مساجدنا التاريخية.. فهى تعتبر رحلة للاسرة.. اننى اتذكر كيف كنت حريصا ان اصطحب أبنائى فى رمضان لمدينة البعوث الاسلامية بالعباسية.. خلال شهر رمضان وهم صغار.. لكى يشاهدوا مدفع رمضان الذى كان يطلق من المدينة من خلال مدفع تاريخي.. فننتظر إلى وقت أذان المغرب ونرى ونشاهد أحد أفراد الشرطة وهو يعد المدفع للانطلاق وقت الأذان.. إنها تجارب وزيارات سعدت كثيراً بتكرارها.. واعتقد ان أبنائى سيقومون بهذه الزيارات مع أولادهم فى المستقبل إن شاء الله.. وتحيا مصر.