كثيراً ما تقسو علينا الدنيا، وتضعنا فى اختبارات لا طاقة لنا لتجاوزها دون خسائر قد تقلب حياتنا رأساً على عقب، وقد تقودنا للنهاية بلا مفر لنجد أنفسنا من حال لحال ونحن لا حول لنا ولا قوة، فهى أقدار كتبت علينا وما علينا سوى الصبر على الإبتلاء وتجاوزه بقدر الإمكان.. منذ سنوات تعرضت لابتلاء وانقلبت حياتى معه رأساً على عقب، وكاد قلبى يتوقف من الحزن ولم أملك وقتها سوى الدعاء لعل الله يجعلنى أستطيع تجاوز هذا الأمر واستيعاب ما يحدث حولى، ورغم مروره كما يعتقد البعض أو كما أقوم بإيهام نفسى أنه مر لكن آثاره لم تمر، ومازال مرار تلك الأيام عالقاً فى حلقى يذكرنى بين الحين والآخر بما حدث.
ومنذ ذلك الحين، بات دعائى «اللهم جنبنى فواجع الأقدار، وتبدل الحال، وما لا أستطيع عليه صبراً.. اللهم لا تضرنى فيمن أحب» بشكل لا ينقطع، بعد أن باتت لدى حالة من الهلع من مصير أجهله .
فى الماضى، كان لدى اعتقاد أن الإنسان يستطيع أن يرسم مساره فى الحياة وبالتالى مسار من يرتبطون به فلا معنى أن تجد طبيباً مشهوراً ونجله طالب فاشل فهذا حتماً مرجعه انشغال الأب عن تربية أبنائه، وليس لأن ما توافر للأب من قدرات عقلية ربما لم يتوافر لصغيره.. ولا معنى أن تجد معلماً يهابه طلابه ويحترمونه وابنه طالب فاشل وسيىء السلوك ،هنا يتوارد للأذهان المثل القائل « باب النجار مخلع « ،حتى أننى فى مرة من المرات تعجبت من زميل حصل على شهادة عليا فى وقت كان التعليم فيه صعباً، وترك أبناءه يحصلون على تعليم متوسط حتى رزقت بأطفال وأدركت كم يعانى الآباء مع صغارهم من أجل تحصيل دروسهم وقد تفعل المستحيل وفى النهاية تأتيك النتيجة صفراً .
هذا المشهد تجسد أمامى وأنا أتابع كم الانتقاد الذى وجه للسفيرة نبيلة مكرم عبيد ،عندما منحها الله من الصبر على الابتلاء ما جعلها تحاول أن تصنع من المحنة منحة وأرادت أن تلهم غيرها فنالها ما نالها نفس الحال مع إعلان خبر سرقة الدكتور نوال الدجوى، وما تلاه من أحداث كشفتها التحقيقات لتنال السيدة فى هذا السن الطاعن ما لا يستطيع عليه أحد صبراً، وعزاؤنا أنها لا تستوعب أن البعض استغل الفرصة لتدمير تاريخ صنعته على مدار عشرات السنوات .. الأطفال أيضاً لم يسلموا من هذا التنمر المجتمعى، حتى أن طفلاً تعرض لوقائع تنمر ولم يتعاطف معه أحد لأن والده فنان يعترض البعض على سلوكياته ووجدوا فى ابنه فرصة للانتقام والتشفى منه ،ليتم استخدام الطفل رغم عدم مشروعية ذلك فى إلحاق الأذى بوالده .
وقائع التنمر فى المجتمع باتت ظاهرة مخيفة وسخيفة ،حتى إنك قد تجد نفسك « ترند « وتنال ما لا تستطيع تحمله لمجرد أن أحدهم التقط لك مقطعاً قصيراً وأنت تمارس حياتك الطبيعية وقرر رفعه على منصات التواصل الاجتماعى لتتحول إلى مادة للتهكم، وإذا حاول أحد أقاربك أو معارفك الدفاع عنك سيتم العصف به من رواد السوشيال ميديا لأنه تجرأ وصار عكس التيار .
«من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر « مقولة نستشهد بها من الإنجيل وفى القرآن الكريم يأتى قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون « كدعوة للمؤمن لعدم الخوض فيما قد يجهله .
استقيموا يرحمكم الله ولا تكونوا سبباً فى تدمير أبرياء لا ذنب لهم إلا أنهم تعرضوا لابتلاء فى ابن أو أب أو زوج أو زوجة فلا أحد معصوم من الخطأ وإن فعلت وظننت نفسك محصناً من هذا أو ذاك، ففى لحظة قد تجد نفسك فيما كنت تنتقده منذ لحظات ..ارحموا أنفسكم قبل أن ترحموا غيركم ودعوا الخلق للخالق .