شهر رمضان من أهم مواسم الدعاء فى حياة جميع المسلمين، حتى العصاة منهم لا يفقدون الأمل فى عفو إلهى شامل فى شهر المناجاة والتقرب الى الخالق بكل صنوف العبادات والطاعات وعمل الخير.
وقد تعلمنا من ديننا أن الدعاء عبادة فى حد ذاته، وأن المسلمين جميعا مطالبون بالإكثار من الدعاء والله سبحانه وتعالى يأمرنا بالدعاء فيقول:» ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين» ويقول عز وجل:» وقال ربكم ادعونى استجب لكم».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الدعاء والابتهال الى الله طوال ساعات صيامه وقيامه فى رمضان حتى وقت الافطار الذى ينشغل فيه الانسان بطعامه كان رسول الله يناجى ربه ويشكره على إعانته على الصوم، ويشكره على ما توفر له من طعام ولو كان حبات قليلة من التمر أو شربة ماء، فقد كان صلوات الله وسلامه عليه يناجى ربه عند فطره فيقول: « اللهم إنى لك صمت وعلى رزقك أفطرت « وروى عن ابن عمر رضى الله عنه قال « كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله»
ولذلك لا ينبغى أن ينخدع المسلم أو ينشغل بعبادته ويعتقد أنه بصومه قد نال رضا الله وعفوه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث المسلمين الصائمين على الابتهال الى الله بالدعاء فى كل وقت لطلب العفو والمغفرة، ويرشدنا صلوات الله وسلامه عليه الى أحد الأوقات التى يستجاب فيها الدعاء، وهى وقت الصيام، فيقول فى الحديث الصحيح:» ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والامام العادل، والمظلوم « وهذا الحديث الشريف يوضح لنا أن مناجاتنا لخالقنا ينبغى أن تستمر فى كل وقت، وفى وقت فطره يكون الصائم أقرب الى الله عز وجل.. وكان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند آخرين دعا لهم قائلا:» أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة».
واهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فى رمضان وحرصه شخصيا على ذلك وتوجيهه للمسلمين بالحرص عليه لم يأت من فراغ، فرمضان شهر عبادة وطاعة والإنسان الملتزم بفريضة الصوم ومعها فريضتى الصلاة والزكاة ويتطوع بعمل الخير ويكثر من الصدقات يكون قريبا من خالقه ويكون دعاؤه مرجو القبول إن شاء الله، هذا فضلا عن أن الدعاء فى حد ذاته عبادة وطاعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذى أرشدنا الى ذلك فى حديثه الشريف: « الدعاء مخ العبادة « وفى رواية أخرى « الدعاء هو العبادة «.. وعندما نقرأ الآيات التى تحدثت عن الصيام فى سورة البقرة نجد ضمنها هذه الآية : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»، فكأن الله جل جلاله يرشدنا إلى أنه قريب من عباده فى رمضان.
>>>
لكن..هل يكفى أن يردد الإنسان بعض الأدعية لكى يستجيب الله له دون عمل واجتهاد وهل يقبل الدعاء مع ارتكاب الإنسان لمخالفات وتجاوزات شرعية؟
الإجابة التى يتفق عليها علماء الإسلام أن كل إنسان مطالب شرعا بأن يعمل ويجتهد ويكافح ثم يدعو الله بحاجته، وحاجات الناس مختلفة ومتفاوتة من شخص لآخر.
إن أول شروط قبول الدعاء فى رمضان أو غير رمضان أن يكون الدعاء خالصا لوجه الله، صادرا من نفس طائعة راضية بقضاء الله وقدره، فمثل هذا الدعاء يجد استجابة من الخالق، ويستمر عطائه من صاحبه الى أن يلقى الله، فهذه دعوة إبراهيم-عليه السلام- لولده نرى بركتها إلى يوم القيامة، حيث لجأ الى ربه عزوجل وقال: «ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون»، كما دعا ربه فقال:» رب اجعل هذا بلدا آمنا» فاستجاب له ربه فجعل البلد آمنا والحرم آمنا والقلوب تهوى إليه من كل حدب وصوب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
>>>
بعض الناس أو كثير منهم يدعو الله ولا يستجاب لهم.. فهل هذا دليل غضب من الله؟
الواقع أن إجابة الدعاء مرتبطة بحسن الإيمان، وحسن الظن بالله، وحسن الخلق، وطيب المطعم والمشرب والملبس، فلا يقبل الله دعاء الجاحد العاصى الذى يتجاهل تعاليم وأحكام دينه، كما لا يقبل الله دعاء هؤلاء الذين لا يحسنون الظن به، ولا يؤمنون بقدرته على إجابة عباده فى كل ما يسألون.. ولا يقبل الله دعاء من يأكل الحرام.
>>>
اللهم بارك لنا فى رمضان واجعله لنا شهر توبة ومغفرة وعتق من النار
اللهم اجعله شهر هداية وقبول للتخلص من ذنوب السنة كلها
اللهم نتوجه إليك خاشعين وكلنا رجاء فى رحمتك وعفوك وكرمك فلا تردنا خائبين
اللهم اغلق كل منافذ الشياطين إلينا فى هذا الشهر الفضيل واشملنا برعايتك وكرمك
اللهم اجعل لنا نصيبا سخيا من فضائل شهر التوبة والمغفرة
اللهم اجعلنا من الذين تقبل دعواتهم فى رمضان