من أهم وأبرز معادلات (الأمن القومي) المصرى والعربى .. تلك التى رسختها حقائق التاريخ وخرائط الجغرافيا وكشف عنها (جمال حمدان) فى كتبه وكتاباته وأبحاثه وموسوعاته وأثبتتها جولات الصراع العربى الإسرائيلى منذ النشأة وإلى يومنا هذا.. انظر إلى هذه المعادلة: من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول.. ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم فى سيناء.. ومن يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير.. ومن يسيطر على خط دفاع مصر الأخير يهدد (الوادي).. يهدد الجميع.. وهذه المعادلة أيضا: فلسطين هى منطقة (النواة) وقدس الأقداس فى العالم الإسلامى (دينا وأرضا).. انظر كذلك إلى المعادلة الثالثة: مصير الإمبريالية العالمية يتوقف على مصير العالم الثالث.. ومصير العالم الثالث يتوقف على مصير العالم العربي.. ومصير العالم العربى يتوقف على مصير فلسطين.. .إنها معادلات مثلما كتبت تاريخ المواجهة مع إسرائيل فى الماضى هى أيضا من خلالها ينسج (حاضر الصراع) خيوطه ويبعث (مستقبل القضية) إشاراته.
هذه (المعادلات) وغيرها جمعها العلامة عبدالوهاب المسيرى فى مقدمة كتاب (اليهود.. انثرو بولوجيا) وهو أحد أعمال العبقرى جمال حمدان.. إنه نعم العمل هذا الذى جمع بين العملاقين العلامة والعبقري.. عبدالوهاب المسيرى وجمال حمدان.. كلاهما عاشق لمصر.. مهموم بفلسطين.. مدافع عن أمته.. مقدمة كتاب (اليهود انثرو بولوجيا) التى هى إن شاء الله سبحانه وتعالى موضوع رسائلنا اليوم كتبها عبدالوهاب المسيرى يعرض فيها أهم ما جاء فى كتاب جمال حمدان حول علاقة (سكان إسرائيل اليوم) ببنى إسرائيل القدامي.. والذى أشار فيه إلى أن حقيقة هؤلاء الصهاينة أنهم جزء من (الغرب الاستعماري).. وخلال تقديمه أو عرضه للفكرة أو موضوع الكتاب تناول عبدالوهاب المسيرى العديد من معادلات الأمن القومى التى صاغها جمال حمدان فى مختلف كتاباته فكانت (مقدمة جامعة) الأساس فيها والركيزة لجمال حمدان والرؤية الثاقبة (الرابطة) لعبدالوهاب المسيري.
وفقنى الله سبحانه وتعالى أن أنتقى من مقدمة كتاب (اليهود.. انثرو بولوجيا) أربع عشرة معادلة أو ملاحظة ذكرها جمال حمدان وعرضها عبدالوهاب المسيرى عرضا شيقا.. هذه المعادلات أو الملاحظات أرى أن هناك (حاجة عربية ماسة) لاستدعائها أو استحضارها اليوم.. اليوم ونحن نرى أن جميع الأسلحة قد تم إشهارها جهارا نهارا ليس لتغيير خريطة فلسطين فحسب بل تغيير الوطن العربى بأكمله.
إنه من الثابت عندما يتعرض (الأمن القومي) لأى دولة أو (أمة) لخطر أو تهديد.. فإنه من الواجب والضرورى والمفروض (حينئذ) أن تقوم الدولة أو الأمة بتفعيل جميع مصادر ومفردات (القوة) التى تمتلكها أو تحوزها أو (تتكيء عليها).. وإذا انطلقنا من هذه (القاعدة) إلى محاولة أخرى للتأمل والرصد والتحليل والاستخلاص فيما يجرى ويدور فى إطار (الحدث الأهم).. الحدث الأبرز والأخطر والأشمل.. القضية الفلسطينية وما يراد لها وما يحاك ويدبر ضد الشعب الفلسطينى من قبل إسرائيل ورعاتها.. (مشروع التصفية والتهجير).. إذا انطلقنا إلى محاولة أخرى للتأمل والرصد والتحليل والاستخلاص فيما يجرى للقضية الفلسطينية.. (من قاعدة تفعيل مصادر ومفردات القوة).. فإننا نجد أنفسنا أمام إجراء أو خطوة تعد مسألة اتخاذها أو القيام بها (مسألة وجوبية).. ألا وهى استدعاء (الجمع العربي) لدوائر الدعم التاريخية المحيطة لكى تشارك فى الدفاع عن (القضية) واجهاض مخططات (التهجير).. دوائر الدعم التاريخية هنا تشمل العالم الإسلامي.. دول الاتحاد الأفريقي.. دول آسيا.. دول العالم الثالث.. كل الدول التى عانت من الاستعمار القديم والحديث.. اللحظة فارقة والتهديد جد خطير.. لذلك أصبح استنفار كافة الامكانات ضرورة حتمية لمواجهة أخطر تحد تواجهه (قضية العرب الأولي).. استنفار الإمكانات (والتاريخ أيضا) يعد أحد الجوانب الرئيسية من جوانب مواجهة التهديدات وافشال (المخططات).. هذا (البعد) تم التركيز عليه كثيراً فى (ثنائية) جمال حمدان وعبدالوهاب المسيري.
أولى المعادلات أو الملاحظات التى جاءت فى مقدمة كتاب (اليهود.. انثرو بولوجيا).. هى معادلة تحدثت عن (الصهيونية) باعتبارها أكبر خطر يواجه العالم العربى والعالم الإسلامى .. حيث ذكرت المعادلة أو الملاحظة أن: الصهيونية (اليوم) هى بلا مبالغة أو مزايدة أكبر خطوة وتحد يواجه العالم الإسلامى المعاصر تماما كما يواجهه العالم العربي.. إنه أكبر خطر من الحملات الصليبية فى العصور الوسطى ومن موجة الاستعمار الأوروبى الحديث.. فهذا الاستعمار لم يتعد على اتساعه حدود الأغراض السياسية أو الإستراتيجية أو الاستغلالية.. إن الاستعمار الصهيونى (التوسعى الأخطبوطي) إن يكن (سرطان العالم العربي) فهو فى الوقت نفسه (جذام العالم الإسلامي).
وجاء فى المعادلة أو الملاحظة الثانية: إن الاستعمارالصهيونى هو (استعمار عميل).. فلقد كان من المستحيل أن يتحقق (الحلم الصهيوني) إلا بالمساعدة الكاملة من قوى (الاستعمار).. فالاستعمار الغربى هو الذى (أوجد الصهيونية) بالسياسة والحرب.. وهو الذى يمدها بكل وسائل (السيادة) من أسلحة وأموال.. وهو الذى يضمن بقاءها ويحميها علنا.. ومن هنا التقت الإمبريالية العالمية مع الصهيونية لقاء تاريخيا على طريق واحد هو طريق المصلحة الاستعمارية المتبادلة.. فيكون الوطن الصهيونى قاعدة تابعة وحليفا مضمونا أبدا.. يخدم مصالح الاستعمار ثمنا لإيجاده إياه وضمانة لبقائه.
وذكرت المعادلة أو الملاحظة الثالثة أن: إسرائيل قطعة من الاستعمار الغربي.. ولكنها قطعة تتمتع بأهمية خاصة.. فهى بالنسبة إلى الاستعمار قاعدة متكاملة آمنة عسكريا ورأس جسر ثابت إستراتيجيا.. ووكيل عام اقتصاديا وعميل خاص احتكاري.. وتحدثت المعادلة أو الملاحظة الرابعة عن ما ذكرناه فى البداية من أنه من يسيطر على فلسطين فإنه يمكن أن يهدد سيناء وبالتالى مصر جميعها.. وفى المعادلة أو الملاحظة الخامسة كتب عبدالوهاب المسيرى عن جمال حمدان: إن موقع مصر مهدد أبدا وبانتظام بالاجهاض والشلل الجزئى ما بقيت إسرائيل.. فإسرائيل (تريد أن ترث دور القناة نهائيا!!!).. بل وتهدف إلى سرقة موقع مصر الجغرافي.. ومن ثم يصبح المبدأ الإستراتيجى الأول فى نظرية الأمن المصرى هو: دافع عن سيناء.. تدافع عن القناة.. تدافع عن مصر جميعا.
وتقول المعادلة أو الملاحظة السادسة: إن التعريب والإسلام هما أعظم حقيقة فى تاريخ مصر الثقافى والروحى ويمثلان نقطة تحول حاسمة وخط تقسيم فى وجودنا اللامادي.. وتضيف المعادلة أو الملاحظة السابعة: فلسطين عين القلب وقدس الأقداس.. وتقول الثامنة: إن يكن العالم العربى هو قلب العالم الإسلامى روحيا وموقعا فإن فلسطين كمصر فى هذا الصدد هى أرض الزاوية.. هى منطقة النواة وقدس الأقداس للعالم الإسلامي.. دينا وأرضا.
وتذكر المعادلة أو الملاحظة التاسعة أن: مصر محكوم عليها بالعروبة.. فهى لا تستطيع أن تنسحب من عروبتها حتى لو أرادت.. بل إنه محكوم عليها بزعامة العالم العربى الذى تقع فلسطين فى منتصفه.. والمعادلة أو الملاحظة العاشرة: إسرائيل تمثل فاصلا أرضيا يمزق اتصال المنطقة العربية ويخرب تجانسها وبمنع وحدتها.. إسرائيل (إسفنجة) غير قابلة للتشبع تمتص كل طاقاتها.. ونزيفا مزمنا فى مواردها.. وأداة جاهزة فى يد الاستعمار الغربي.. وتتناول المعادلة أو الملاحظة الحادية عشر العلاقة بين مصير الإمبريالية العالمية ومصير فلسطين وهو ما ذكرناه فى البداية أيضا.. وتقول المعادلة أو الملاحظة الثانية عشرة: إن إسرائيل أخطر مناطق العدوانية الإمبريالية فى العالم الثالث.. أخطر مناطق التسليح الغربي.. هى ترسانة أمريكية (مسلحة حتى الأسنان).
تتطرق المعادلة أو الملاحظة الثالثة عشرة إلى المجتمع الإسرائيلى فتقول: إن المجتمع الإسرائيلى تم عسكرته تماما.. لقد جعلت إسرائيل حدودها هى جيوشها.. وجيوشها هى حدودها.. ووجودها غير الشرعى رهن بالقوة العسكرية وبكونها ترسانة وقاعدة وثكنة مسلحة.. أما فى المعادلة أو الملاحظة الرابعة عشرة فيكتب عبدالوهاب المسيرى عن جمال حمدان أن: الخطر الصهيونى لا يستهدف الأرض المقدسة فى فلسطين فحسب وإنما يمتد من النيل إلى الفرات.. ويضم كل أراضى الإسلام المقدسة بل وكل دائرة الرسالات.. وإذا كان من واجب العالم العربى أن يدعو إلى (قومية المعركة) فإن من واجب العالم الإسلامى أن يتنادى إلى إسلامية المعركة.
بعد عرض أو سرد المعادلات الأربعة عشر التى جاءت فى كتاب (اليهود.. انثرو بولوجيا) .. أود أن أعود إلى ماسبق وأن سردته فى (هذا المكان) من قبل (على لسان جمال حمدان أيضا) وذلك فى كتاب (سيناء.. فى الإستراتيجية والسياسة والجغرافيا).. أعود لما سبق أن سردته وسبب العودة هنا هو دواعى (اللحظة والمناسبة والتحدي).. يقول جمال حمدان: (إن أطماع الصهيونية فى سيناء قديمة قدم هيرتزل.. أبو الصهيونية.. فلقد سبق وأن ذهبت إلى سيناء بعثة صهيونية لدراسة إمكانية التوطين اليهودى بها.. وقد اقترحت البعثة نقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى سيناء خاصة العريش للاستزراع والتوطين .. لقد تعودت إسرائيل أن تنقل المواجهة دائما إلى سيناء.. لذلك فإنه على أرض سيناء لا يتحدد مصير مصر فحسب بل مصير العرب جميعا).. نعم.. من فلسطين إلى سيناء.. الدم واحد.. الهدف واحد.. المصير واحد.. الانتماء واحد.. والعدو واحد.