تتعدد الأساليب وتتنوع التصريحات الأمريكية والإسرائيلية حول مخطط التهجير، حتى وصلت إلى حد التلويح باستخدام ورقة المساعدات العسكرية، لكن أمام كل هذا يظل الموقف المصرى على ثباته، يرفض التهجير وكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية، مصر لا تخضع للضغوط ولا تتنازل عن ثوابتها فى دعم القضية والحفاظ على الحق الفلسطيني، كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسى: فما تتعرض له القضية والشعب الفلسطينى ظلم لن نشارك فيه.
مصر تسعى للسلام وتطرح كل الأفكار التى تستهدف الوصول إلى هذا من خلال الوقف الكامل للحرب وحل الدولتين وإعادة إعمار قطاع غزة دون خروج أهله وأن يتم احترام حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره.
هذا الطرح المصرى يلقى قبولاً ودعماً عربياً وإسلامياً وعالمياً، لكن إسرائيل وبدعم من الإدارة الأمريكية تحاول السير فى اتجاه آخر.
خبراء السياسة والإستراتيجية يؤكدون نفس الرسالة.. فمصر لن تتنازل عن ثوابتها ولن تفرط فى أمنها القومي، كما أن العلاقة بين القاهرة وواشنطن إستراتيجية ولا يمكن ان يضحى بها الأمريكان بهذه السهولة ومن خلال تصريحات.
اكد اللواء أركان حرب د.وائل ربيع مستشار مركز الدراسات الإستراتيجية بالأكاديمية العسكرية، ان الرئيس عبد الفتاح السيسى أعلن موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، وانه لا تهجير قسرى ولا طوعي، وهذا الرفض المصرى يتم التأكيد عليه فى كل اللقاءات والتصريحات الرئاسية، وان الحل السياسى وحل الدولتين هوالسبيل الوحيد لتحقيق السلام فى المنطقة، كما ان وزير الخارجية بدر عبد العاطى خلال زيارته الى الولايات المتحدة أصدر عدة بيانات توضح موقف مصر، ورفضها التام لمخططات التهجير والحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطينى .
وأوضح ربيع ان التهديد بقطع المساعدات الأمريكية، هو أمر غير مجدى مع دولة كبيرة مثل مصر لديها من المقدرات والموارد البشرية والاقتصادية وموقعها الجيوسياسي، ما يجعلها من أكبر الدول فى المنطقة، ولا يمكن فرض مثل هذه المخططات عليها، لان مصر دولة قوية ودولة مؤسسات وذات حضارة، والرئيس السيسى كان لديه حكمة واسعة بتنويع مصادر السلاح وعدم اقتصارها على الجانب الأمريكي، حيث تم عقد صفقات للتسليح مع فرنسا وروسيا، حتى لا يتم الضغط على مصر، ومصر تنوع ادواتها من اجل حماية الامن القومى الإستراتيجي، وحجم المساعدات الأمريكية وفقا لاتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عبارة عن 2,3 مليار دولار، فى حين ان مقدار المساعدات الأمريكية لإسرائيل تصل إلى 5 مليارات دولار، منها 2,3 وفقا لمعاهدة السلام.. وهناك مساعدات أخرى وفقا لاتفاق أوسلو بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل واتفاق وادى عقربة مع الاردن، ووصلت المساعدات الأمريكية للجانب الإسرائيلى 5 مليارات دولار، بالاضافة الى تمويلات أخرى بالمليارات نتيجة التعاون المشترك فى التصنيع العسكرى فى عدة مجالات ومنها تصنيع منظومة مضادة للصواريخ، ومما يرفع قيمة الدعم لإسرائيل، وفى فترة الرئيس الأمريكى السابق جوبايدن وخلال الحرب على غزة ارتفع الدعم المقدم لإسرائيل وتجاوزت قيمته 10 مليارات دولار، وحاليا هناك مساعدات عسكرية لإسرائيل بمقدار 7,4 مليار دولار يتم مناقشتها فى الكونجرس الأمريكى للتصديق عليها.
وبالتالى الحديث عن وقف المساعدات أمر لا جدوى منه ولن يؤثر على الموقف المصرى لأننا لا نقف عند هذا الأمر.
وقال ان زيادة المساعدات للجانب الإسرائيلى هو دعم غير طبيعي، ومختلفة عما يتم تقديمه للعالم كله، والرئيس الأمريكى فى بداية عهدته الثانية سحب المعونة الأمريكية من كافة ارجاء العالم، وانسحبت امريكا من اتفاقية باريس للمناخ، ومن منظمة الصحة العالمية، ومن منظمة حقوق الانسان العالمية، ومن دعم الاونروا وبالتالى كان متوقعاً حديثه عن المساعدات مع مصر.
وقال ان التصريحات الأمريكية حول تهجير الفلسطينيين من الصعب تنفيذها، ومصر تمتلك العديد من الأدوات، لانها دولة كبري، ولديها جيش قوي، وثروات ومقدرات كبرى فى المنطقة ومنها قناة السويس، وموقع مصر الجيوسياسى لا يمكن اغفاله، ومن يريد منع المساعدات فليمنعها، لأن هذا لن يؤثر على موقف مصر من ثوابتها تجاه القضية الفلسطينية وعمقها الإستراتيجى للأمن القومي، والادارة الأمريكية على علم كبير بما تمثله مصر فى المنطقة ومدى قوتها، ولذا فان صعوبة تنفيذ مثل هذه الأمور ضد مصر معروفة للجميع، وسوف تعتبر مصر هذه التصريحات غير قابلة للتنفيذ حول تهجير الشعب الفلسطيني، ومجرد تصريحات لأنها لا تسمح بأى مساس بأمنها أو أرضها فهذا خط أحمر غير قابل للنقاش.
واضاف ان اهم ورقة فى كل هذه الأحداث هو الشعب الفلسطينى الصامد على أرضه، واثبت ذلك خلال الحرب على قطاع غزة، والاعتداءات فى الضفة الغربية، وأثبت انه شعب جبار، وتحرك الشعب الفلسطينى فى طوفان عودة من جنوب غزة الى الشمال برغم الدمار الشديد والشتاء الممطر وعدم توفر اى مقومات للحياة، وضعوا الخيام وباتوا فيها، ونقول ان التهجير ليس نقل قطعة اثاث وانما هناك أرض وشعب وتمسك بالأرض، مشيرا إلى ان تدمير حكومة بنيامين نتنياهوقطاع غزة بالكامل من بنية أساسية ومستشفيات ومدارس وبنايات وجعلها غير صالحة للمعيشة هو أمر مخطط له من أجل التهجير وبناء مستوطنات إسرائيلية، وبالفعل قدمت جماعة نحال اليهودية خرائط جاهزة للاستيطان داخل غزة، وذلك بعد هدم مستوطنات غوش قطيف التى كانت موجودة قبل انسحاب إسرائيل من غزة 2005 بعد اتفاقية فك الارتباط، والكلام الأمريكى أيضا عن تحويلها ريفييرا، وهى مخططات لا يمكن تنفيذها.
وأكد اللواء أركان حرب د.ابراهيم عثمان الخبير الإستراتيجى ونائب أمين عام مجلس الدفاع الوطنى المصرى سابقا، ان التصريحات الأمريكية حول تهجير الفلسطينين أمر فى غاية الصعوبة ولا يمكن تحقيقه، لعدة امور حيوية فى المنطقة، ولان الموقف العربى موحد ازاء هذه القضية وخاصة الشعوب العربية، ولذا فإن هذا الكلام عن قطع المساعدات الأمريكية عن مصر لن يغير موقفنا الثابت، ولا يؤثر على مصر اطلاقا، فمصر ثابتة على موقفها من القضية الفلسطينية من قبل الحرب على غزة لانه موقف تاريخي، وهناك 6 محاور رئيسية للحفاظ على القضية من تصفيتها، وهى «الارض، وامن، وحدود، ومياه، ولاجئين والقدس» ومصر متمسكة بهذه المحاور وان يتم اقامة الدولة الفلسطينية والتأكيد على اهمية التوصل إلى حل سياسى دائم وعادل للقضية الفلسطينية من خلال المسار العملى الوحيد، الذى يتمثل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ، وفقاً لمقررات الشرعية الدولية، وعلى حق العودة للاجئين الفلسطينين، وحق الوجود على الارض وتقرير المصير.
يضيف عثمان أن ما يتم طرحه بتهجير الشعب الفلسطينى غير مقبول، باعتبار انها قضية انسانية وان قطاع غزة اصبح غير صالح للحياة، وانها قضية حقوق تاريخية.
وقال ان التصريحات التى يتم اطلاقها من الجانب الأمريكى هى تصريحات شعبوية خاصة بالرئيس الأمريكى ترامب من أجل دفع فاتورة الانتخابات الرئاسية ونجاحه فيها، وتنفيذا لوعود تم قطعها شخصيات منتمية للصهيونية العالمية التى شجعتها على خوض الانتخابات وحققت له زخم غير عادي، وما صرح به هو دفع فاتورة مشيرا الى نتائج ما يقوله لن تتحقق على أرض الواقع لاستحالة، وهو ما قاله الإسرائيليون أنفسهم، ومنهم ايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، والذى قال إنها تصريحات خيالية وتحفظ موقف نتنياهو وتصريحات غير مدروسة بجدية.
وأوضح ان العلاقات المصرية- الأمريكية إستراتيجية ولا يمكن للأمريكان التضحية بهذه السهولة قطع المساعدات العسكرية عن مصر لن تكون مصدر ضغط كبير علينا، ولكنه مرتبط بـ»معاهدة السلام» الموقعة بين مصر وإسرائيل وأمريكا، ولذا على الفور صرح الجانب الإسرائيلى بانه ملتزم بالمعاهدة، لانها خاصة بانسحاب القوات الإسرائيلية من اماكن محددة ويتم تحديد اماكن للقوات المصرية فى المنطقة ألف وباء وجيم، وأماكن محددة للإسرائيليين فى المنطقة جيم، ولذا تم التحديد اتفاقية السلام فى عام 1979 وفقا لمحددات معينة، والمساعدات مرتبطة بالمعاهدة وسوف يفكرون اكثر من مرة فى قطعها، مشيرا إلى ان مصر متمسكة الى حد كبير برفض التهجير وعدم تصفية القضية الفلسطينية ولن تتنازل عن ذلك.