«الإرهابية» حاولت تغيير هوية الدولة ومؤسساتها
فى قلب تحولات مصر المعاصرة، يبرز يوم الثلاثين من يونيو عام 2013 كعلامة فارقة، ليس فقط لكونه يومًا للتحول السياسى، بل لكونه لحظة حاسمة أنقذت البلاد من مسار كان يوشك أن يغرقها فى فوضى عارمة، كانت تتخلق نتيجة لتصرفات وسلوكيات جماعة الإخوان الإرهابية خلال فترة حكمها. لم تكن ثورة 30 يونيو مجرد تعبير عن رفض شعبى لحكومة معينة، بل كانت صرخة مدوية ضد نهج سياسى يهدف إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وإقصاء شرائح واسعة من المجتمع، وتبنى رؤى أيديولوجية ضيقة تهدد النسيج الاجتماعى المصرى المتنوع. فبعد 25 يناير 2011، شهدت مصر فترة من عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى، انتهت بوصول الإخوان إلى سدة الحكم فى غفلة من الزمن. وكشفت ممارساتهم على أرض الواقع عن توجهات لم تكن متوافقة مع روح الثورة أو تطلعات الشعب المصرى.
منذ اللحظة الأولى لتوليهم الحكم، بدأت جماعة الإخوان فى ترسيخ نفوذها داخل مؤسسات الدولة، مستغلين كل فرصة لتمكين عناصرهم ووضع رجالهم فى المناصب الرئيسية، سواء فى الجهاز الإدارى للدولة أو فى القضاء أو فى الإعلام، مما خلق شعورًا عامًا بالاستحواذ والاستئثار. هذا التمكين لم يكن مبنيًا على الكفاءة بقدر ما كان على الولاء التنظيمى للجماعة، وهو ما أضعف من كفاءة هذه المؤسسات وأفقدها حيادها ومهنيتها. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد إلى محاولات تغيير هوية الدولة ومؤسساتها لتتناسب مع أيديولوجية الجماعة.
الأخطر من ذلك كان النهج الإقصائى الذى اتبعته الجماعة تجاه القوى السياسية الأخرى والمكونات المجتمعية التى لم تكن تنتمى إليها. لم يتمكن الإخوان من بناء توافق وطنى، بل على العكس، اتسمت فترة حكمهم بالاستقطاب الحاد والتوتر المستمر بين مختلف الأطراف. المعارضة تم تهميشها، والأصوات المخالفة تم إسكاتها، والمجتمع تم تقسيمه بين مؤيدين ومعارضين، مما أدى إلى حالة من الاحتقان الشديد. وقوانين وتشريعات مثيرة للجدل، مثل الإعلان الدستورى المكمل، زادت من تفاقم الأوضاع، وكشفت عن رغبة فى احتكار السلطة وتجاوز المؤسسات الدستورية والقانونية، وهو ما أثار غضبًا شعبيًا عارمًا وشعورًا بالخطر على مستقبل الدولة المدنية.
على الصعيد الأمنى، تدهورت الأوضاع بشكل ملحوظ، فمع انشغال الأجهزة الأمنية بالصراعات الداخلية، بدأت بعض المجموعات المتطرفة فى الظهور وتصاعدت وتيرة العنف والقتل، خاصة فى سيناء، مما هدد الأمن القومى المصرى بشكل مباشر.
فى هذا السياق المتأزم، ومع تصاعد وتيرة المظاهرات والاحتجاجات الرافضة لنهج حكم الإخوان، وصل الأمر إلى ذروته فى الثلاثين من يونيو. لقد كان الشارع المصرى يغلى، وكانت الملايين تتجمع فى الميادين والشوارع معبرة عن رفضها القاطع للاستمرار فى هذا المسار الذى رأته يقود البلاد إلى الهاوية. كانت هذه الثورة بمثابة إنقاذ حقيقى لمصر من السقوط فى براثن الفوضى الشاملة. فقد كان استمرار حكم الإخوان، فى ظل هذا الاحتقان الشعبى العارم والنهج الإقصائى، سيؤدى حتمًا إلى تصاعد العنف والانقسامات الداخلية، وربما إلى حرب أهلية لا تحمد عقباها كما حدث فى بلدان عربية مجاورة.
إن تدخل القوات المسلحة المصرية، استجابة لمطلب شعبى غير مسبوق، كان انحيازًا لإرادة شعبية جارفة، ورغبة ملحة فى استعادة استقرار الدولة والحفاظ على كيانها. لقد كانت القوات المسلحة هى الملاذ الأخير للدولة المصرية فى لحظة تاريخية حرجة، عندما كانت كل المؤشرات تدل على أن البلاد تتجه نحو انهيار شامل. من خلال إعلان خارطة الطريق السياسية، التى تضمنت انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وإعادة صياغة الدستور، وضعت ثورة 30 يونيو أساسًا لعودة الدولة المصرية إلى مسار الاستقرار والتعافى. لقد تم تفكيك شبكات التأثير التى كانت تحاول السيطرة على مؤسسات الدولة، وتم إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة الوطنية، وتم استعادة الأمن والأمان بشكل تدريجى.
وللحديث بقية