وكأننا في فيلم سينمائي من أفلام المغامرات، وصلت السفينة «مادلين» الي البحر المتوسط بعد رحلة بدأت من فرنسا، ولكنها تعرضت لهجوم القراصنة قبل ان تصل الي الميناء الذي تقصده، ميناء غزة، لتكسر الحصار المفروض علي الشعب الفلسطيني، ولتقدم بعض المساعدات التي احضرها القادمون علي السفينة، وهم 12 فتاة ورجلاً، أغلبهم من فرنسا، بينهم الألمانية «باسكال»، والنائبة البرلمانية «ريما» ذات الأصل الفلسطيني، و«مارلين» السويدية التي نذرت حياتها للدفاع عن قضايا العالم مثل التغيرات المناخية، ومثل العدوان المستمر علي الشعب الفلسطيني، وهو نفس ما يؤمن به «باسكال موريراس» الفرنسي الذي ذهب الي غزة سابقا عام 2018 لفك الحصار عن أهلها، ومثله «تياجو افيلا» البرازيلي المتخصص في الدفاع عن قضايا البيئة، أما السفينة نفسها، فقد اطلقوا عليها اسم فتاة فلسطينية قامت بأعمال بطولية للدفاع عن اسرتها في غزة، ولتتحول الرحلة إلي قصة كقصص الأفلام، فبعد ان تجمع هؤلاء ليذهبوا الي المحاصرين الذين يتعرضون لحرب تجويع «التي وصلت الي إطلاق النار عليهم في طوابير توزيع الطعام» وبعد ان اقتربت السفينة من حدود غزة البحرية انطلقت قوات البحر الاسرائيلية لتهاجمهم، وتقبض عليهم، وتضعهم في السجن مع عرض بالإفراج عنهم إذا ما طلبوه، وابتعدوا عن القضية، والعودة من حيث جاءوا، أثنان وافقا أول أمس، وعشرة رفضوا، وتحولت «سفينة الإنقاذ» الي سجينة العنف والعدوان، ولأن الموضوع ليس جديدا، فقد عدت الي الأوراق، وتذكرت بدايات الناس في العالم مع الحصار المفروض علي الشعب الفلسطيني، وكيف حاول الكثيرون من الرافضين لهذا العنف في عالمنا مساعدة أهل غزة برغم دعم حكوماتهم لحكومة الاحتلال، وكيف بدأت فكرة «أسطول الحرية» منذ 15 عاما كاملة، وكأنه فيلم سينمائي يحتاج فقط لمن يقدمه لنعرف جميعا أي شر وعنف تعرضت له منطقتنا العربية منذ سنوات طويلة، وكيف يقوم المحتلون والسارقون للأرض بفرض كل أنواع القوة، واغتيال كل ما يمكنهم من البشر، لتشديد سيادتهم علي الارض. ومع ذلك فالمقاومة لا تتوقف من الشعب المحتل، ومن الداعمين له في كل مكان في العالم.
من سويسرا إلى برلين
المكان، محطة القطارات الرئيسية في عاصمة سويسرا، والمذهل هو مظاهرة ضد العدوان علي غزة ظهر الثلاثاء اول امس، وفي نفس التوقيت، مظاهرة اخري في برلين عاصمة ألمانيا لنفس السبب، والمظاهرتان ترفعان أعلام فلسطين، وأنا عن بعد غير مصدقة ان يحدث هذا في «محطة قطار»، لكنه المشهد، والصورة، والقنوات الإخبارية، وليتأكد العالم كله من هوية إسرائيل كدولة عدوان وتطهير عرقي وإبادة جماعية وهو ما يحدث للمرة الاولي بهذا الحجم منذ النكبة وبفضل الإعلام الالكتروني و«السوشيال ميديا»، والبداية جاءت مع العدوان المستمر علي الشعب الفلسطيني، وهو ما دفع بعض من الرافضين له الي محاولات دعم ضحاياه بداية من عام 2007 حين وصلت الي غزة «سفينة العودة» وعليها بعض الفلسطينيين الذين ابعدوا عن بلدهم، وآخرين من النشطاء والصحفيين المدافعين عن الحق الفلسطيني والرافضين للحصار المفروض عليه، وبعد استمرار الحصار وتكرار العقوبات الجماعية، جاءت فكرة «أسطول الحرية» التي بدأت عام 2010 بعد ان ضربت اسرائيل سفينة أخري جاءت من قبرص عام 2008، وهو ما اغضب بعض النخب الأوربية، والتركية، ومنهم أعضاء في البرلمانات الأوربية فتجمعوا لدعم الفلسطينيين وتقديم المساعدات لهم في اكبر مظاهرة عالمية وقتها، وانطلقت ست سفن محملة بالمساعدات فجر يوم 29 مايو 2010 لكسر الحصار عن الغزاويين «والذي كان قد بلغ عامه الثالث منذ بدأ في 2008»، ولتنقض قوات الاحتلال علي السفن في معركة كبري، في المياه الدولية، وتقتل 9 وتصيب 26 منهم، ومع ذلك لم تتوقف قوافل «أسطول الحرية » بعدها، فعادت عام 2011، وفي عام 2015 ذهب الأسطول الثالث لفك حصار جديد علي شعب غزة، وفي العام التالي – 2016 – خرجت سفينتان من برشلونة في إسبانيا لفك الحصار الاسرائيلي، وبعده جاء عام 2018 ليشهد مظاهرة كبيرة من السفن والقوارب والمساعدات لفك حصار الفلسطينيين الذي تفرضه اسرائيل بحجة واحدة هي: منع تهريب السلاح، بينماكانت الأمم المتحدة تعلن بوضوح للعالم كله ان هذا الحصار هو «شكل من أشكال العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني».
غزة قلب شجاع
السؤال الآن هو، لماذا تستمر هذه السفن بعد كل هذه السنوات؟ والإجابة هي أنه طالما استمر ظلم ووحشية الاحتلال ضد الفلسطينيين، ومحاولة إبادتهم، أو طردهم جماعيا، طالما استفزت هذه الأفعال الكثيرون من البشر الذين لا زالوا مؤمنين بالقيم الإنسانية، حتي لو كانت حكوماتهم تدعم دولة الاحتلال وعدوانها، وهو ما نراه الآن في كل الدول الأكثر دعما لاسرائيل، وفي المقابل، زيادة اعتراف دول اخري بدولة فلسطينية مستقلة، وغير الدول فإن الكثير من منظمات المجتمع المدني في العالم اصبحت داعمة للشعب الفلسطيني من خلال شراكتها مع الهيئات المسئولة عن أسطول الحرية، من خلال تحالف أسطول الحرية واللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، ومثل الحملة العالمية لنصرة السفن الذاهبة لغزة والحملة الأوروبية لكسر الحصار عن غزة وتحالف التضامن مع فلسطين وسفن تخص دولاً مثل اليونان وكندا وتركيا للذهاب الي غزة بالمساعدات، ومنظمات لها اسماء اكثر إنسانية مثل اميال من الابتسامات وغزة قلب شجاع، ومؤكد توجد منظمات وتحالفات اخري تري وتسمع وتعرف ما يحدث يوميا من عدوان علي أطفال ونساء وشعب غزة وتحاول ان تفعل ما تستطيعه تجاه عدوان لم يتوقف منذ عامين تقريبا، ولأنه ليس حدثا فريدا وانما استمرار لعدوان مستمر منذ زمن، فإن ردود الأفعال ستستمر، خاصة مع مقاومة أصحاب الأرض وبسالتهم الأسطورية.