تحت هذه الكلمات التى اتخذتها عنوان لمقالتي، كان يعرض فيلم تسجيلى لحفل افتتاح مقهى وادى النيل بميدان التحرير بعد تجديده عقب تفجيره بعمل ارهابى عام 1993، ويبدو ان من اختار هذا الاسم للفيلم أدرك جيداً ان تلك المقاهى التى يقع اغلبها فى وسط القاهرة وبعضها فى الاسكندرية تحكى قصة مصرية قديمة مستمرة حتى الآن، فقد كانت ومازالت ملتقى للثوار من الشباب والمثقفين والفنانين والشخصيات العامة، يلتقون ويتحدثون ويرسمون مستقبل الوطن.. نهاية القرن التاسع عشر كان المفكر الاصلاحى جمال الدين الافغانى يتخذ من مقهى «منايتا» الذى كان يقع فى ميدان العتبة الخضراء بالقاهرة مكاناً لاجتماعاته وإلقاء الخطب السياسية، ومن بين حضور تلك الاجتماعات كان عدد من الشخصيات التى لعبت دوراً سياسياً مثل محمود سامى البارودى وسعد زغلول والإمام محمد عبده.. وقد انضم إلى «منايتا» الاديب والزجال وخطيب الثورة العرابية عبدالله النديم فى نهاية القرن التاسع عشر عندما جاء إلى القاهرة تاركاً الإسكندرية باحثاً عن دور له فى الاحداث السياسية، وقد وجد فى ذلك المكان العديد من الشخصيات التى فجرت ثورات مصر بعد ذلك ومجموعة من المثقفين والأعيان والتجار، الذين كانوا يطلق عليهم اسم «الحزب الوطني».. واستكمالاً لتاريخ الكفاح المصرى وثوراته، كان مقهى «ريش» الذى أنشأه النمساوى بيرنارد تسينبر عام 1908 لمحاكاة مقهى المثقفين فى باريس ليلعب دوراً مهماً فى ثورة 1919، حيث تحول البدروم الخاص به إلى مطبعة سرية لطبع المنشورات الخاصة بالثوار كما اتخذه رجال ثورة 1952 مقراً لبعض لقاءاتهم، وخرجت منه عام 1972 مظاهرة يقودها الاديب الكبير يوسف إدريس عندما قتل الروائى الفلسطينى غسان كنفانى،.. وفى وسط ميدان التحرير يقع واحد من أشهر مقاهى الستينيات «ايزافيتش»، الذى يملكه لاجئ سياسى يوغوسلافى وعرف أنه كان مقراً لأحداث انتفاضة الطلبة الشهيرة، التى خرجت تحت شعار «تحيا الطلبة مع العمال» والتى وقعت فيها حادثة كوبرى عباس الشهيرة عندما فتحت قوات الاحتلال الانجليزى الكوبرى أثناء مرور الطلبة المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط عدد منهم فى مياه النيل، وفى ميدان باب اللوق يوجد مقهى الحرية ومازال حتى الآن، الذى أنشئ عام 1936 على أنقاض منزل الزعيم احمد عرابي، حيث لعب دوراً كبيراً أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث كان يرتاده السياسيون وكبار رجال الدولة والمثقفون الذين كان لهم دور بارز فى توجيه الرأى العام.. وليصبح من أماكن وجود الضباط الأحرار بعد ذلك، خاصة السادات.. ومن أشهر مقاهى مصر القديمة والحديثة تقع قهوة الفيشاوى فى منطقة الحسين، التى ذكرت فى كتاب وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسية، حيث تردد أن نابليون بونابرت اعتاد الجلوس فيه كما كان يتردد عليها كبار رجال السياسة الافغانى ومحمد عبده وكذلك عدد كبير من رؤساء الدول والفلاسفة والسياسيين مثل امبراطورة فرنسا اوجينى التى شاركت فى حفل افتتاح قناة السويس الأسطوري.. ومن المقاهى التى لعبت دوراً فى التاريخ السياسى «انديانا» الذى سمى مقهى اللاجئين السياسيين فى ميدان الدقى بالجيزة ويحمل اسم احدى الولايات الامريكية وكان ملاذاً للاجئين لأسباب سياسية، ومن رواده صدام حسين والروائى السعودى عبدالرحمن منيف.. وبطبيعة الحال كان للإسكندرية حظ من تلك المقاهي، حيث أنشئ مقهي «ديليس»، الذى عرف بأنه مقهى الملك فؤاد وأخته، لأنهما اعتادا زيارته ويقع فى منطقة الرمل بواجهة تطل على ثلاثة شوارع رئيسية.. وفى شارع إسماعيل صبرى بحى الجمرك بمنطقة بحرى كان هناك مقهى «كاليميرا» وكانت صاحبته سيدة يونانية، وفى اثناء احدى زيارات الملك فاروق للمدينة أوقفت موكبه ودعته للجلوس فى المقهى واستجاب الملك لطلبها وسط ذهول الآلاف المحتشدة لتحيته وطلب الأرجيلة ومشروب القرفة بالجنزبيل، ليتحول اسمه إلى مقهى فاروق وتزدان جدرانه بصور الملك.. وهكذا إذا أردت ان تتجول بين صفحات التاريخ المصرى القديم، فعليك بزيارة تلك المقاهى ومشاهدة سجل زيارتها.