لسنا الآن في مجال تقييم ما فات من تاريخ الجامعة العربية كمنصة جامعة للعرب ومعبرة عنهم، فما فات بكل ما فيه من نجاحات وإخفاقات لم يعد له مكان في الحديث الآن، ونحن في مواجهة مختلفة وتحد مصيري غير مسبوق يتطلب ظهورًا جديدًا للجامعة يتناسب مع قدرة 22 دولة وما يقرب من نصف مليار إنسان تعبر عنهم وتتحدث باسمهم، والفرصة سانحة الآن بشدة أمام الجامعة لتعود صوتًا قويًا يعمل له ألف حساب عالميًا، وليس مجرد بيان يصدر ليختفى بعد يوم واحد من صدوره.
معلوم أن الجامعة العربية هي مجموع ما تريده العواصم العربية، وعلى قدر التوحد في الموقف يصدر قرار الجامعة ويكتسب قوته، وللأسف كثيرًا ما كانت الاختلافات وتباين الرؤى والمصالح سببًا في أن تتحول قرارات القمم العربية إلى مجرد حصاد اجتماعات ولا ترقى إلى مواقف مؤثرة، لأنها لن تنفذ، وعندما نحصر عدد القرارات التي صدرت من القمم العربية على مدى نحو 80 عامًا سنجد القليل منها جدًا هو ما تم تنفيذه.
لكن الوضع الآن مختلف، ولا مكان للتباين ولا مجال للاختلاف، ولا مساحة لأولويات متعددة، الأولوية الآن واضحة ولابد أن تكون واحدة وهي الأرض العربية، التي وضح تمامًا أن هناك مخططًا جاهزًا للتنفيذ يستهدف سرقتها وابتلاعها لصالح دولة الاحتلال، والقضاء تمامًا على أهم قضية لجامعة العرب وهي فلسطين، دون مراعاة لحقوق تاريخية أو قوانين ومواثيق دولية، أو حتى علاقات مع الدول العربية.
والواضح تمامًا أن الأمر هذه المرة ليس قاصرًا على أرض غزة والرغبة في تهجير أهلها إلى سيناء أو الأردن، وإنما الأفكار التوسعية أكبر من هذا وأخطر وتصريحات نتنياهو ولأول مرة وصلت إلى السعودية، ومن قبلها دول أخري، فاللعب الآن على المكشوف، لم تعد المخططات سرية ولم تعد المؤامرة خفية، وإنما التحرك أصبح في العلن والتصريحات واضحة، وكلام الرئيس الأمريكي ترامب لا يحتمل سوى معنى واحد، أن هناك إصرارًا على تنفيذ المخطط، وهذا لا يمكن إيقافه إلا بتوحد الإرادة العربية، التي عبرت عنها البيانات المتتالية من العواصم العربية وفي مقدمتها البيانات المصرية التي حملت ثوابت لا تنازل عنها أكد عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل واضح وصريح..
كما جاءت البيانات المتتالية من السعودية والأردن وعدد من الدول العربية مؤكدة على نفس الميدأ، لكن هذا لا يعنى الإكتفاء بذلك والتوقف عند البيانات الإنفرادية على أهميتها وقوتها، وإنما لابد من التعبير عن هذا الموقف أيضا وبشكل جماعي من خلال الجامعة في القمة الطارئة القادمة التي سعت إليها القاهرة وبذلت جهودًا من أجل عقدها، لإعلان موقف موحد والأهم أن يرتبط بيان القمة بآلية تنفيذ محددة بالتحركات والإجراءات التي سيتم اتخاذها.
لابد أن تكمل القمة إظهار العين العربية الحمراء، وأن تعلم تل أبيب ومعها واشنطن أن هناك غضبًا عربيًا يتم التعبير عنه بما يتجاوز اللغة الدبلوماسية.. بيان القمة هذه المرة يجب أن يخلو من أي عبارات هادئة أو منمقة، وإنما لابد أن تكون كل عبارة فيه قاطعة وتحمل رسالة واضحة وحاسمة، وطالما أن الطرف الآخر استخدم لغة التهديد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، فلا يليق إلا أن يكون الرد العربي من نفس المستوى..
ولدينا أوراق كثيرة كعرب يمكن أن تستخدمها:
- أولًا: للرد الحاسم على المخطط الإسرئيلي- الأمريكي.
- ثانيًا: للتأكيد على رفض هذا الأسلوب الذي لا يليق في التعامل مع الدول العربية، فنحن لسنا تابعين لأحد ولا نخشى من أحد.
- ثالثًا: عودة قوية للجامعة حتى تعمل لها دول العالم ألف حساب حين تعلن عن عقد قمة أو اجتماع..
مرة أخرى نحن أمام تحد مصيري لنا كعرب وإذا فرطنا الآن فلن نحافظ على حقوقنا بعد ذلك، وهذا الموقف نفسه فرصة أن تقول الجامعة العربية بإرادة واحدة جامعة… إن العرب قوة وليسوا متلقين للقرارات، نعم نريد السلام ونسعى إليه لكن لا نقبل أن تمس أرضنا أو سيادتنا ولا تتنازل عن ثوابتنا ولن نضحي بقضيتنا، ومن أجل هذا دعت مصر للقمة الطارئة ومن أجل هذا أيضا وافقت الدول العربية على انعقادها.