العامل هو عصب الحياة فى كافة المجتمعات فعلى أكتافه تم بناء دول وحضارات.. وحدث التطور الحادث بالفعل ونلمسه فى حياتنا.. لذا من حق هذا العامل أن يعيش فى بيئة آمنة اجتماعياً ونفسياً ومادياً ومن حقه أن تصان كرامته وألا يعمل تحت سيف صاحب العمل، خاصة فى المجتمعات الاقتصادية والرأسمالية أو فى الناشئة التى بدأت تعتمد على الاقتصاد الحر ومجتمع رجال الأعمال.. ولأن مجالات العمل توسعت وتنوعت بعد توسع المستثمرين فى إنشاء الشركات والمصانع وغيرها وحاجة صاحب العمل فى المزيد من الأيدى العاملة.. حدثت بعض الخلافات بين طرفى المعادلة فصاحب العمل يهمه فى الغالب زيادة حصيلته المالية فى البنوك والتوسع فى إنشاء أفرع أخرى لشركته أو مصنعه.. فبات يضغط على العامل وأحيانا لا يفى بما تم التعاقد عليه مع العامل.. الأمر الذى معه ضاعت حقوق البعض من العمال ووقعوا تحت براثن وأطماع صاحب العمل.. فكان لزاماً من وضع قانون يضمن حق العامل لحمايته من جبروت صاحب العمل وأيضا ليكون الحكم والفاصل بين الطرفين.. فما هذا القانون الذى انتظرناه طويلا وسعدنا بإقراره؟!
القانون هو قانون العمل الجديد الذى رأى النور بعد 10 سنوات من إعداده كمشروع قانون والذى بالفعل تم الموافقة عليه من قبل مجلس النواب ورفعه إلى رئيس الجمهورية للتصديق عليه ونشره فى الجريدة الرسمية ليبدأ عهد جديد فيما يتعلق بحقوق وواجبات حوالى 30 مليون عامل فى القطاع الخاص سيستفيدون منه خاصة ان القانون الجديد وضع عددا من المميزات للكثير من الفئات على رأسهم العمالة غير المنتظمة إذا ما يطلق عليهم (الايد الشقيانة) لتوفير حماية شاملة لهم وضمان حصولهم على حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية حيث استحدث لأول مرة (صندوق اعانات الطوارئ) بهدف تقديم إعانات مالية فى حالات الطوارئ ودعم التأمين الاجتماعى وتوفير خدمات صحية واجتماعية للعمال.
كما ركز القانون الجديد على إلزام وزارة العمل بوضع سياسات تشغيل العمالة غير المنتظمة وإلزام الجهات الإدارية بحصر هذه الفئات فى سجلات رسمية وإعداد قاعدة بيانات تربط بين الوزارات المختلفة لضمان وصول الدعم والخدمات للشقيانين بكفاءة والأهم من ذلك إلغاء قضية الفصل التعسفى المعروفة باستمارة (6) سيئة السمعة حيث نص على أنه لا يتم اعتماد الاستقالة إلا من خلال إحدى مديريات القوى العاملة أو مكتب العمل التابع للمنشأة نفسها وانه فى حالة النزاع يكون الفصل للمحكمة العمالية فى مدة لا تتجاوز 3 شهور وبالتالى يضمن القانون عدم اجبار العامل التوقيع على استقالته قبل استلام العمل، كما نص القانون الجديد على أنه لا يجوز لصاحب العمل فصل العامل دون إبداء الأسباب المقنعة ونص القانون كذلك على تحديد الحد الأدنى للتقاعد عند 60 سنة للجميع بالقطاع الخاص.
صراحة.. القانون الجديد للعمل وجد توافقاً بنسبة كبيرة من طرفى العلاقة لأنه أعطى المزيد من الأمان الوظيفى مما يشجع الشباب على العمل فى القطاع الخاص فى ظل ضآلة الفرص بالقطاع الحكومى الذى كان الجميع يتغنى به ويرددون مقولة «تراب الميرى» ولكن مع تغير الزمن والمفاهيم تجاه القطاع الخاص بدأ الكثير من الشباب التوجه نحوه كفرص عمل أوفر وبرواتب أكبر رغم بعض التخوف من سطوة صاحب المال، ولكن بصدور هذا القانون زالت الشكوك وزادت الحماية لهم من قبل الدولة التى هى فى النهاية المسئولة عن الجميع لتشجيع القطاع الخاص وأيضاً لتخفيف الضغط على الحكومة التى تسعى مثل بقية العديد من الدول إلى تقليص أعداد العاملين ولتخفيف الضغط على الميزانية والدليل أن عدد العاملين بالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال حوالى مليون عامل يخدمون حوالى 300 مليون مواطن.
القانون الجديد قضى على مشكلة الاستقالة المسبقة التى كانت ترهب الشباب وتجعلهم يعزفون عن القطاع الخاص، كما ضمن القانون مستحقات العمال عند إنهاء الخدمة فى حالة العقود محدد المدة، كما صان حقوق المرأة العاملة بزيادة مدة أجازة الوضع إلى 4 شهور بدلاً من 3 وأحيانا لمدة شهر واحد فى بعض المنشآت الخاصة ليس هذا فقط بل حظر إنهاء خدمة المرأة خلال إجازة الوضع مع تخفيض ساعات العمل للمرأة الحامل اعتبارا من الشهر السادس للحمل وحظر تشغيلها ساعات عمل إضافية خلال فترة الحمل، كما كفل القانون لها إجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز عاملين لرعاية طفلها.
الحقيقة.. كنت أتمنى أن يتم عمل استبيان أو استطلاع رأى بين العاملين فى القطاع الخاص، لأنه بالتأكيد ستكون هناك العديد من الأفكار لديهم فهم المعنيون بالقانون أكثر من صاحب العمل، وأتمنى أن تكون رقابة صارمة من مكاتب العمل التابعة لوزارة العمل للتأكد من تطبيق القانون وإلزام الجميع به، مع تغليظ العقوبة على المتجاوزين والذين يحتالون على القانون وأن تكون هناك خطوط ساخنة لتلقى الشكاوى بدون أسماء الشاكى كى لا يعاقب من قبل صاحب العمل وان يتم الاستدعاء من قبل مكاتب العمل للتأكد من أنها غير كيدية وأن تكون الوزارة صراحة فى جانب العامل لأنه هو الطرف الأضعف بالتأكيد ولا يريد سوى حمايته وضمان حقوقه.