فى يوم الصحفى المصرى والذى نحتفل به فى العاشر من يونيو كل عام نتذكر الرسالة المهنية والأخلاقية للصحافة المصرية والتى سجلت صفحات مشرفة من النضال الوطنى، وكانت دائما سيفا من سيوف الوطن، وأداة من أدوات استقراره، وإصلاح ما به من خلل، ومنها انطلقت رسالة الصحافة الحقيقية إلى كل البلاد العربية، وعلى يد أبنائها تعلمت أجيال من أشقائنا العرب مهنة الصحافة والممارسة الصحيحة لها.
وبهذه المناسبة يزعجنى التشخيص الخاطىء والمتسرع لأحوال الصحافة فى عالمنا المعاصر عموما، وفى بلدنا الحبيب على وجه الخصوص، حيث يزعم البعض بأن دور الصحافة المكتوبة قد تلاشى، وأنها تموت ببطء، سواء بفعل التطور المتسارع فى وسائل التواصل والاتصال الأخرى، أو بفعل عدم إيمان بعض السلطات برسالة الصحافة، وما تقدمه من خدمة حقيقية للوطن.
والواقع أن الصحافة تقوم برسالة عظيمة حيث لا يمكن أن ينهض وطن- أى وطن- وتحل مشكلات مواطنيه إلا بالوعى برسالة الصحافة، وهذا يتطلب احترام تلك الرسالة وبناء الجسور من الثقة بين مختلف المسئولين فى المجتمع والصحافة، والإيمان بأن الإعلام المسئول يبنى ولا يهدم ويقوم بأدوار ورسائل إيجابية تسهم فى دعم خطط وبرامج الإصلاح فى المجتمع.
لذلك أتمنى أن تتسع صدور كل المسئولين لما يعبر عنه الإعلام عموما والصحافة على وجه الخصوص من هموم ومشكلات للمواطنين هنا وهناك، وأن يتعاملوا مع هذه المشكلات بما تستحق من اهتمام، والتعامل مع الزملاء الصحفيين بموضوعية بدلا من سيطرة الشكوك والأوهام عليهم وتوجس الخيفة منهم.
هذا التعامل الراقى والمسئول مع الصحافة والصحفيين هو الذى يعمَّق رسالة الصحافة فى المجتمع ويساعدها على القيام بدورها.. وعندما تتعمق رسالة الصحافة فى أى مجتمع يدرك الصحفيون أكثر وأكثر أنهم أمام مهمة وطنية ورسالة مهنية وأخلاقية كبيرة لكى تحقق الصحافة رسالتها الإصلاحية والتنويرية، وتكمل منظومة السلطات الخادمة للمجتمع، وتقوم بدور الناقل الأمين لهموم الناس ومشكلاتهم إلى من بيدهم أمر الإصلاح والتغيير.. كما تقوم بدور الناقل الأمين والموضوعى لجهود السلطات الأخرى، وكل مؤسسات المجتمع التى من المفترض أنها تتكامل وتتسابق لخدمة المواطن، وتحقيق صالح الوطن ومواجهة كل التجاوزات وصور الفساد التى تعوق مسيرة إصلاحه.
>>>
أقر وأعترف بأن كثيراً من المسئولين فى مصر يقدَّرون رسالة الصحافة، ويتابعون ما تنشره الصحف من مشكلات ومطالب عادلة للجماهير ويحاولون تلبية ما يستطيعون منها.. لكن أيضاً يجب أن ننبه هنا إلى أن بعض المسئولين فى مواقع عمل مختلفة يتعاملون مع الصحافة باستعلاء ويعتقدون ــ واهمين ــ أن الاستعلاء على رسالة الصحافة شجاعة تضيف إلى هيبتهم وفرض نفوذهم.. وبعض هؤلاء يتعالى على الصحفيين فى لقاءاته بهم وهو استعلاء يواجهه الزملاء بكل شجاعة ويؤكدون كل يوم أنهم جديرون بالأمانة والمسئولية المنوطة برسالة الصحافة.
ليس شجاعة أن يتجاهل مسئول- أياً كان موقعه ــ ما تنشره الصحف من مشكلات وهموم للناس. بل المسئولية تفرض عليه أن يتحرى مصدر المشكلة ويعالجها بالأسلوب الذى يراه محققاً للصالح العام.. فالصحافة لا تفرض رؤى معينة للتغيير والإصلاح، ولا تتبنى إلا ما يحقق الصالح العام ويرفع المعاناة عن المواطنين الذين لا تتوقف شكاواهم واستغاثاتهم بالصحافة.
>>>
لا يدرك المسئولون فى مختلف قطاعات الدولة حجم الشكاوى والاستغاثات التى ترد إلى الصحف يومياً من المواطنين فى مختلف محافظات مصر.. وهى شكاوى واستغاثات تؤكد ثقة المواطنين فى الصحافة والعاملين فيها وتؤكد نظرتهم الواعية لدور الصحافة ورسالتها، وهناك قناعة لدى المسئولين فى مختلف الصحف بضرورة الانحياز إلى مطالب الجماهير وضرورة تبنى مشكلاتهم فالغالبية من هؤلاء أصحاب حق ويجب العمل على حل مشكلاتهم.
فالمواطن لا يفكر فى عرض شكواه من خلال صحيفة أو فضائية إلا بعد أن تسد كل الطرق فى وجهه وعندما يلجأ هذا المواطن إلى وسيلة إعلامية لعرض مشكلته على المسئولين يلام ويعاقب ويتلقى تهديدات أو مماطلة فى التعامل مع مشكلته.. وقد يبادر المسئول بالرد على شكوى المواطن من خلال الوسيلة الإعلامية بما يخالف الحقيقة ويهدر حقه، وقد يظهره فى صورة الجانى أو المخطىء!!
>>>
كل ما سبق لا ينفى وجود ممارسات خاطئة من بعض أدعياء الصحافة والإعلام وهؤلاء يجب مواجهتهم ووقف ممارساتهم الخاطئة.. وهذه مسئولية نقابة الصحفيين وأجهزة الدولة المختلفة التى يجب أن تواجه أدعياء الصحافة بكل قوة وشجاعة.