تحت كل حجر فى مصر اثر وتاريخ وفى كل بيت أيقونة وتحف تستحق الاحترام و فى سوق «ديانا» بوسط البلد تملك القاهرة معرضاً مفتوحاً للانتيكات ، والحرف اليدوية ذات الذوق الرفيع، كنوز إبداعية توارثتها الأجيال تزين أرصفة القاهرة الخديوية بوسط البلد حيث يعكس كل ركن من أركانه الرقى والجمال المقتنيات الشخصية الشاهدة على القصور جزء من تاريخ وحضارة القاهرة، السوق الذى يمتد ليحيل منطقة التوفيقية بالكامل إلى قبلة لاقتناء النوادر من الأنتيكات ، وزيارته رحلة فى أعماق التاريخ والفن، فالأنتيكات المتوفرة فى السوق تعتبر بمثابة كنوز اعيد اكتشافها من جديد من قبل محبى الأنتيكات.. ورغم كل ذلك إلا ان وجود هذا السوق فى المكان يضرب فى مقتل كل ما انفق على تطوير القاهرة الخديوية ويشوه المكان بالفوضى مما يستلزم وجود حلول بديلة تحتفظ للسوق بقيمه وللمكان بجماله.
فى بستان الدكة
بداية من شارع «بستان الدكة» المتفرع من عماد الدين بقلب القاهرة الخديوية ، كما اطلق عليه البعض « سوق السبت» لأنه يقام يوم السبت من كل أسبوع ، حيث يبدأ الباعة فى عرض بضاعتهم من السادسة صباحا وحتى السادسة مساء ليتحول المكان إلى متحف مفتوح بطرق عرض مختلفة فمنهم من يعرض بضاعته على سيارته الخاصة ومنهم من يفترشها أرض وآخرون يستغلون الطاولات أمام المقاهى والكافيهات .
ويحظى السوق باهتمام وإقبال كبيراً من جميع الفئات سواء الذين سمعوا عنه من خلال وسائل التواصل المختلفة ويجدون فيه متعة « الفرجة» أو الطبقات الراقية من محبى اقتناء ما هو نادر ومتفرد كنوع من الديكور وغيرهم من عشاق التراث وهواة جمع العملات والطوابع ومحبى الأحجار الكريمة وحتى الدارسين والباحثين عن المراجع والكتب والصحف القديمة ، كما يتردد على السوق وفود من جميع أنحاء العالم وأحيانا يتم وضعه مزاراً أساسياً ضمن برنامج الزيارات الخاصة بهم ، ويجمع السوق ما بين الأصلى والتقليد ، والقديم والحديث .
«الفصال « هو النظام المتبع به فالبائع يعرض سعراً والزبون عليه تقييم المعروض حسب» شطارته» .
وتتنوع التحف والمعروضات بسوق الأنتيكات فمنها ما هو غريب ومنها ما هو قديم جدا مثل « الكوز» العثمانى ويباع بسعر ٤ آلاف جنيه ،ومنها الطريف كآلة النفخ « الزمارة « الخاصة بفرقة حسب الله الموسيقية والتى تباع بسعر 1200 جنيه ، وايضاً «وابور الجاز» بـ600 جنيه ، و»الهون النحاس « بـ 3 آلاف جنيه ، وغيرها من أجهزة « الجرامافون « ويبدأ سعره من 3 آلاف جنيه تبعًا للحالة والشكل والأسطـــــوانــات الخـــــــاصة به تبـــــاع بـ400 جنيه، والتليفونات القديمة تبدأ أسعارها من 400 ، والميداليات والأوسمة القديمة تباع بـ 250 ، علاوة على ساعات اليد القديمة بماركات شهيرة صنع يابانى وسويسرى تبدأ اسعارها من 100 إلى 5 آلاف جنيه، والراديو القديم الديكور من 200 إلى 400 ومنه مازال بحالة جيدة قابل للاستعمال كالراديو الهولندى بـ1700.
ويعتبر « وابور الجاز « النحاس من أشهر معروضات التراث ويباع بـ 600 جنيه ولمبة الجاز بـ 400 و» الهون النحاس « ومكواة اليد تبدأ بـ 200 إلى 600 بالقاعدة الخاصة بها ، ومنبهات نحاس بـ 400 ، وساعات كبيرة بالبندول بألفى جنيه ، والخنجر النحاس بـ600 ،وشرائط الكاسيت القديمة والقصص والمجلات والصحف وإصداراتها النادرة بأسعار تبدأ من 25جنيهاً وكذلك الوثائق التاريخية وحتى أفيشات الأفلام السينمائية القديمة .
أما باعة العملات المعدنية والورقية والطوابع فيفترشون طاولات المقاهى وكل عملة بسعرها تبدأ من 10 حتى 800 جنيه ، والأحجار الكريمة أشكال وأنواع ولها زبون مخصوص وتتنوع ما بين العقيق والكوارتز والفيروز واللازورد والألباستر وغيرها ويبدأ سعرها من 50 جنيهاً. وهناك طاولات أخرى تعرض عليها الإكسسوارات الفضة والنحاس والخواتم والسبح، علاوة على الوثائق التاريخية والصور التذكارية والشخصية ، وتابلوهات مختلفة الأحجام ولوحات فنية موقعة من أصحابها ، وكـــاميرات تصوير قديمة سعرها يبدأ من 150 لتصل لـ 600 جنيه ، كما تجد معروضات من الأثاث المنزلى الأنتيك والكلاسيك ، وماكينات الخياطة القديمة والآلات الموسيقية والتماثيل والشمعدان وصناديق المجوهرات وأطقم الصينى وأوانى الطعام والسجاد الإيرانى والعجمى .
ثروة تاريخية
يقول محمود الزهيرى : احد الزبائن الدائمين للسوق يقول أتردد عليه منذ سنوات لحبى الشديد للأحجار الكريمة فالسوق ليس للتحف والأنتيكات فقط بل هناك بائعون متخصصون للأحجارالكريمة ، وقد اقتنيت العديد من الاحجار منها العقيق والكوراتز والعطف وتوجد بالفعل احجار تعطى طاقة ايجابية لمن يرتديها وأسعارها تختلف فاشتريت قطعة من العقيق بـ 100 جنيه
يضيف حسن محيى – مرشد سياحى يحرص على زياراه السوق بانتظام منذ 3 سنوات لانه من محبى الديكور الأنتيك العتيق ومن المهتمين بالأحجار الكريمة لما لها من علاقة بالطاقة ويقول اشترى قطعاً تستخدمها كديكور أيضا والأسعار تختلف عن أى مكان وتقل حوالى الثلث عن غيره .
تؤكد نادية محمد – من محافظة سوهاج – تتردد على السوق مع زوجها مرة كل شهر ، حيث نشعر بمتعة غريبة للفرجة والشراء وكأن المعروضات من التحف القديمة والأنتيكات تجعلنا نستعيد الزمن الماضى وعراقته ، فاشتريت دورق مياه نحاساً احمر عثمانياً بـ 400 ، وخباطة زهر للأبواب بـ 400 جنيه .
مروان محمد- جاء من طنطا ويقول أعمل فى مجال الأنتيكات ولدى صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى لبيع التحف المستعملة وأحرص كل اسبوع على الحضور للسوق لشراء الجديد من التحف وعرضها على صفحتي.. فإشتريت اليوم طقم 2 شمعدان وساعة بـ 1500 جنيه وعلبة حافظة للمصحف من النحاس بـ 1200 جنيه.
ويشير فريد محمد ، جئت من محافظة دمياط خصيصا لزيارة السوق ، ومن الأفضل أن تكون لديك الدراية الكافية والقدرة على التفريق بين الأصلى والتقليد أو « المضروب « لتتمكن من شراء قطع مميزة ولا تقع فريسة للبائعين، فتعرض التحف والأنتيكات بأسعار باهظة أقل سعر بيدأ من 400 إلى 5 و6 الاف جنيه ودائما المعروضات قابلة للفصال وبما أننى لدى خبرة بالتليفزيونات والموبايلات القديمة فاشتريت موبايلاً قديماً جدا بـ 200 جنيه فوجدته بحالة جيدة بعد تجربته فى حين سعره يصل إلى ألف جنيه .
يطالب حسن العامرى ، مسئولى الحى بتنظيم الأماكن وتحديدها لوقوف الباعة ليظهر السوق بشكل حضارى دون تشويه ما تم من تطوير بالقاهرة الخديوية ويصبح أحد معالم القاهرة ومزاراتها السياحية ومقصداً لمحبى التحف والأنتيكات الذين يبحثون عنها من كل دول العالم كما يحدث فى الكثير من الدول الأوروبية الذين يقيمون أسواق اليوم الواحد أسبوعيا لتشجيع السياحة داخليا وخارجيا ، فالسوق يشتهر يوم بعد يوماً ومن الأفضل أن يقوم الحى بتنظيمه أو تحديد مكان مخصص حتى لا يتسبب فى الزحام وإشغال الطريق.
بينما يرى سعد عبد الله ، ان السوق مقام منذ أكثر من 15 سنة أى قبل التطوير ويقام يوم السبت إجازة المصالح والبنوك الموجودة بالشارع والمنطقة المحيطة مما لا يؤثر على حركة المرور بل وإنه له زبائنه يتوافدون عليه بشكل متكرر لمتابعة كل ما هو جديد .
جولة «الجمهورية» داخل سوق كشفت الكثير من اسرار هذا السوق التاريخى خاصة وأن العديد منها ذو قيمة تاريخية ويرجع لعهود قديمة أغلب تجار السوق يحصلون على البضائع بعدة طرق منها مزادات المنازل الفخمة والقصور أو ورثة أصحابها خاصة مقتنيات المشاهير والفنانين والشخصيات العامة، كذلك عن طريق بائعى « الروبابيكيا» وبصفة خاصة المترددين على المناطق الراقية والقديمة ، ومؤخرا عن طريق وسائل التواصل وتطبيقات الإنترنت الخاصة بعرض هذه النوعية من الكنوز المستعملة للبيع ،وهناك نوعية أخرى يقوم البائعون بالبحث والتنقيب عنها بأنحاء مصر كالأحجار الكريمة.
أقدم باعة سوق التحف عم محمود فهمى ، يؤكد أن السوق هو تأريخ للحضارة وتأكيد على أن المصريين أصحاب أيدٍ ماهرة تلف فى حرير «صنايعية» علموا باقى الدول فنون الحرف اليدوية التراثية منذ عهد محمد على باشا، مشيرا إلى أن السوق به كنوز يعود بعضها إلى عصور قديمة تتعدى مئات السنين ومعظم المعروضات من التحف الأثرية والأنتيكات التى تلقى إقبالاً كبيراً من زبائن معينين أصحاب الذوق الرفيع ومحبى النوادر والتراث سواء من أشخاص يستعملونها كديكور بالمنزل أو غيرهم من أصحاب المعارض والجاليرى وحتى المطاعم الكبرى والفنادق التى تضع هذه القطع خاصة كبيرة الحجم كديكور، ويزور السوق رواد من كل مكان فى مصر وخارجها من جنسيات مختلفة المانيا وفرنسا والصين ممن لديهم شغف بالتحف التذكارية القديمة والمشغولات النحاسية ومعظم الانتيكات ذات الطابع المصرى الاصيل فمعظم المعروضات لها قيمتها الأثرية والتاريخية فلدى كوبايات نحـــاس من عهد الملك فاروق والملك فؤاد بـ400 و500 جنيه وأطباق نحاس مزخرفة بـ 200 ، وقدرة فول تعود لعصر الملك فاروق سعرها 800 جنيه ، ولدينا مخازن بها انتيكات وتحف ترجع لعهد الرؤساء جمال عبدالناصر والسادات ومبارك وعملات تذكارية من أيام الملك فاروق والسلطان حسين موضحاً أن معظم التحف المعروضة لدى الباعة فى السوق يحصلون عليها من تجار الخردة والروبابيكا وأيضا من خلال المزادات التى تتم فى القصور والبيوت الأثرية القديمة .
يضيف أبو آدم – بائع أحجار – بداية السوق كانت منذ أكثر من 71 سنة لبيع العملات القديمة والطوابع ثم دخلت عليه التحف والأنتيكات والأحجار الكريمة وشبه الكريمة والعادية التى ننقب عليها بالظهير الصحراوى خاصة الصحراء الغربية ومن الأحجار الأكثر رواجاً بالسوق العقيق المصرى والفيروز السينـــاوى والكــوارتز وأسعـــاره تبــدأ من 50 جنيهاً، وشبه الكوارتز يبدأ من 57 جنيهاً ، والـلازورد المعــرق ذهب أو فضة يبدأ من 100 ، والطاووس، ودم التنين أحد أنواع أحجار الدم، والشهب والمرجان المتحجر ويبدأ سعره من 200 جنيه وكنا نحصل عليه من رأس سدر من الشعاب المرجانية قبل منع بيعه من اليونسكو، كما توجد لدينا بواقى عظام لديناصور عثرنا عليها أثناء إحدى الرحلات .
يشير عبد الرحمن زيدان – بائع- إلى ان سوق ديانا من أرقى أسواق بيع الأنتيكات والمستعمل والمترددين عليه هم من يقدرون قيمة هذه المعروضات فأنا أقوم ببيع الاكسسوارات « الهاند ميد» وأعتبر من أحداث الباعة حيث لى سنة واحدة فقط فأنا حاصل على بكالوريوس تجارة ولم أحصل على فرصة عمل مناسبة ولدى هواية تشكيل المعادن أصقلتها بالتعلم وأصبحت أقوم بصنع الاكسسوارات والميداليات وأشكال الحيوانات بورش خان الخليلى طوال الاسبوع استعدادا لسوق السبت ، وعن أسعار البيع فهى مناسبة مقارنة بالمحلات التى تعرض نفس البضاعة فسعر الخاتم 50 جنيهاً والإسورة بـ ٥٧ ، والميدالية بـ 150 ، والأشكال المعدن تبدأ من 50 جنيهاً
أكد الخبراء ان اسواق « الانتيكات « فى قلب القاهرة يمكن أن تمثل مصدر جذب للسياحة من خلال عمل حملات ترويج لتلك الاسواق مثل شارع المغز ، وايضاً تقنين أوضاع الباعة بسوق « ديانا « وإيجاد بدائل فى نفس المكان ولكن بشكل لائق يتسق مع طبيعة المنطقة التراثية دون تشويه وتحت رقابة الجهات المسئولة.
الدكتور عادل عامر ـ الخبير الاقتصادى – يقول كان هناك مقترح معروض فى خطة تطوير القاهرة الخديوية وعواصم المحافظات أن يتم إنشاء سوق مجمع لكل منطقة بديلا للأسواق العشوائية والباعة الجائلين تحت إشراف المحافظة أو الاتحاد العام للغرف التجارية بالاشتراك مع المحافظة للحفاظ على نسق التطوير الذى سيفقد جدواه فى ظل مظاهر التشويه التى تغير ملامح القاهرة الخديوية ،فسوق الانتيكات إذا تم إقامته تحت مراقبة المسئولين المختصين وبإشراف منهم سيكون له مردود إيجابى خاصة وأنه يندرج تحت ما يسمى بالاقتصاد السرى غير الخاضع لرقابة الدولة، ولكى يتم عمل مشروع ويأتى بثماره لابد أن تكون له بدائل متعددة مثل ما تم من تطوير لشارع المعز الذى اصبح معرضا مفتوحا للتحف والانتيكات التى تروى حكايات تاريخية للقاهرة .
يضيف عامر ، تطوير القاهرة الخديوية تم على عدة مراحل متكاملة مستهدفا إعادة هوية تاريخ المنطقة والرؤية الجمالية لوسط البلد والعمل على ازالة التشوهات والمخالفات بها، وواجب علينا الاهتمام والاستمرارفى الحفاظ على التطوير وحمايته حتى لا تعود لما كانت عليه وإلا يعتبر إهداراً للمال العام ، وسوق « ديانا « الواقع فى وسط القاهرة الخديوية يمكن أن يمثل تشوهاً للمظهر الجمالى واذا تم الاهتمام به وتقنين وضع الباعة سيصبح عاملاً هاماً فى جذب السياح لهذه المنطقة الاثرية .
ويرى الدكتور سعيد حسانين ـ استشارى التخطيط العمرانى – أن «سوق الانتيكات «يمكن استغلاله كمصدر جذب للسياحة بمنطقة القاهرة الخديوية فمنطقة مثل «خان الخليلى» وشارع المعز أغلب الأنشطة بها قائمة على الأنتيكات وتتم بعيدا عن الأبنية كمنظر سياحى يجذب اى شخص أو سائح لمشاهدة وتصوير الانتيكات ، لذا فإن تخطيط سوق الانتيكات بوسط البلد سيكون مفيداً للعمران المتواجد بها كمبانى القاهرة الخديوية التراثية القديمة ، فيجب تخصيص اماكن للباعة لبيع الأنتيكات والاشياء القديمة تحت اشراف الحى والمحافظة لتصبح مصدر جذب للسياحة خاصة ان هذا السوق يقام مرة واحدة فقط من كل أسبوع وله رواد من الأجانب .
ويشير الأسواق المفتوحة الأسبوعية معروفة عالميا وتستخدم بهدف جذب السياحة فهذا السوق إذا تم تقنين أوضاعه بتخصيص مكان محدد ومنظم مع وضع مظلات وإلزام الباعة بأماكن محددة بحيث لا تشوه المبانى التراثية واثارها سيساهم فى الحفاظ على القاهرة الخديوية وتطويرها مما لا يشوه الأثر والمنطقة التراثية وسيصبح مصدر جذب لرواد المكان من رؤية المبانى وجمالها ومشاهدة السوق .