رئيس مكتب ممثل الأونروا فى القاهرة تكشف حجم المأساة:
انقطاع المساعدات الإنسانية خطر وجودى وانهيار تام لمقومات الحياة
أكثر من ٢ مليون فلسطينى يتعرضون للتجويع الجماعى و90٪ لا يجدون قطرة ماء
15 ألف طفل دفعوا ثمن حرب لا ذنب لهم فيها ودون وازع من ضمير
الاحتلال دمر أحياء بأكملها لإجبار السكان على الفرار والتهجير
وقف إطلاق النار.. لم يعد مطلبًا بل ضرورة إنسانية
أكدت سحر الجبورى رئيس مكتب ممثل الأونروا فى القاهرة، أن غزة بعد أكثر من 600 يوم من القصف المتواصل، و80 يومًا من الحصار المطبق ، فى أسوأ حالاتها ، وفيما تُدمَّر أحياء بأكملها، يُجبر السكان على الفرار خالى الوفاض، منصاعين لأوامر تهجير جديدة ويضطرون للعيش فى مبانٍ مدمّرة أو مهجورة أو فى العراء، وسط اكتظاظ خانق وظروف معيشية غير كريمة.
قالت «الجبوري» فى حوار خاص لـ«الجمهورية» إن القطاع يتعرض لتجويع جماعى ، وتعانى أكثر من 90 ٪ من الأسر من انعدام الأمن المائي، وينهار النظام الصحى تحت وطأة الحصار وقرب نفاد الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية. وانتشرت الأمراض الجلدية والقمل والحشرات والإسهال المائى الحاد والإسهال الدموى بين الأطفال.
شددت رئيس مكتب ممثل الأونروا فى القاهرة على أن الأطفال دفعوا الثمن الأعلى لحرب لا ذنب لهم فيها، فقتل منهـــم أكـــثر من 15 ألفًا، منهـــم أكثـــــر من 950 طفلاً خلال الشهرين الماضيين فقط، ويموتون جوعًا ويُحرمون من الرعاية والتعليم.
وأشارت إلى أن الضغوط الهادفة إلى استبدال الأونروا تمثّل جزءًا من استراتيجية سياسية أوسع تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الإنسانى والسياسى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فى محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين والتنصّل من حقهم فى العودة.
واكدت «الجبوري» أنه حال استمرار انقطاع المساعدات الإنسانية، فسكان غزة يواجهون خطرًا وجوديًا وانهيار لكل مقومات الحياة. وسيكون لهذا تداعيات ليس فقط داخل القطاع، بل أيضا تداعيات إقليمية وأمنية خارجه.. وإلى نص الحوار:
> ماذا عن الوضع الإنسانى فى غزة؟
>> بعد أكـــثر من 600 يوم من القصـــف المتــــواصل،80 يومًا من الحصار المطبق، فإن قطاع غزة فى أسوأ حالاته وتعجز الكلمات عن وصف كارثية الوضع. فالغارات الجوية والقصف المدفعى والعمليات البرية المكثّفة والتى تستهدف عمدًا وبتكرار الخيام والمبانى السكنية والمستشفيات المزدحمة، تتسبب يوميًا فى سقوط عشرات القتلى والجرحي، منهم نساء وأطفال لجأوا إلى الخيام أو افترشوا العراء.
وفيما تُدمَّر أحياء بأكملها، يُجبر السكان على الفرار خالى الوفاض، منصاعين لأوامر تهجير جديدة ويضطرون للعيش فى مبانٍ مدمّرة أو مهجورة أو فى العراء، وسط اكتظاظ خانق وظروف معيشية غير كريمة. وهكذا توسعت المناطق المصنفة كـ»مناطق عسكرية إسرائيلية»، لتشمل أكثر من 81 ٪ من مساحة غزة مما دفع 2 مليون فلسطينى للاكتظاظ على ما تبقى من المساحة.
وكما تعلمون يتعرض القطاع لتجويع جماعى من صُنع البشر لأسباب سياسية, وأخذت حالات سوء التغذية فى التزايد باضطراد، خصوصا بين الأطفال والنساء الحوامل، ما ينذر بتدهور الصحة العامة على المدى البعيد. كما تعانى أكثر من 90 ٪ من الأسر من انعدام الأمن المائي، حيث تضرر أكثر من نصف مرافق المياه والصرف الصحي.
وانهار النظام الصحى تحت وطأة الحصار وقرب نفاد الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية. وانتشرت الأمراض الجلدية والقمل والحشرات والإسهال المائى الحاد والإسهال الدموى بين الأطفال، لغياب مواد النظافة وتكدّس النفايات وتسرّب مياه الصرف الصحى ووجود المواشى فى أماكن الإيواء. هذه البيئة تمثل بؤرة خصبة لتفشى الأمراض والأوبئة، بما فى ذلك تلك القابلة للوقاية باللقاحات.
وفى ضوء استمرار الحرب على ما يقرب من عامين، باتت آليات الصمود معدومة وأصبح السكان كلهم على شفا الانهيار الكلي. وما نشهده ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو اختبار حقيقى لضمير العالم.. الصمت والتقاعس فى مواجهة هذه الكارثة يُعدّان تواطؤًا ضمنيًا فى معاناة شعب بأكمله. يجب عدم الاكتفاء بالمراقبة والقبول باستمرار معدلات الأذى الهائل بحق المدنيين. فوقف إطلاق النار الفورى والمستدام وضمان التدفّق الكبير للمساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية دون عوائق من خلال منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأسها الأونروا، لم يعد مطلبًا إنسانيًا فقط، بل ضرورة أخلاقية لا تحتمل التأجيل.
> كيف تصفون وضع الأطفال هناك؟
>> يدفع الأطفال الثمن الأعلى لحرب لا ذنب لهم فيها، فقتل منهم أكثر من 15,000، منهم أكثر من 950 طفلاً خلال الشهرين الماضيين فقط، ويموتون جوعًا ويُحرمون من الرعاية والتعليم، وجميعهم يعانون من «صدمة مستمرة،» وهو مصطلح بات يُستخدم لوصف الرعب المزمن الذى يعيشونه يوميًا. فالنزوح المتكرر وفقدان الأحبّة وغياب الأمان والجوع، ترك ندوبًا نفسية عميقة قد لا تندمل.
> ما هى المساعدات التى تقدمها الوكالة حاليا فى غزة؟
>> الأونروا تعمل فى القطاع منذ عقود، ولديها الكوادر والمرافق والقدرات اللوجستية التى تمكّنها من تلبية احتياجات الفلسطينيين فى غزة، والأهم من ذلك، تتمتع بقبول مجتمعى واسع يتيح لها الوصول إلى أنحاء القطاع كافة.
ويواصل 12,000 موظف فى الوكالة تقديم الخدمات الإنسانية مع معاناتهم هم أيضا من الفقد والتهجير والتهديدات المستمرة باعتبارهم جزءًا من المجتمع. فهم يقدّمـــــون نحــــو 15,000 استشارة صحيـــة فى 35 نقطة طبية و7 مراكز صحيــــة، واللقاحات فى 12 منشأة صحية، رغم نفاد بعض اللقاحات الحيوية كشلل الأطفال. ويقومون كل يوم بتشغيل خمسة آبار وتوفير المياه لنصف مليون شخص، هذا بالإضافة إلى جمع أطنان من النفايات الصلبة، إلى جانب إدارة حملات التنظيف ورشّ المبيدات لمكافحة الحشرات، وأنشطة التوعية بالنظافة والصحة بغرض الحدّ من تفشى الأمراض.
وعلى الرغم من تعرّض نحو 90 ٪ من المدارس لأضرار أو قصف مباشر، تواصل الأونروا تقديم التعليم لنحو 37,000 طفل فى مراكز التعليم المؤقتة التابعة للوكالة، حيث يتلقون أنشطة القراءة والكتابة الأساسية والحساب والأنشطة الترفيهية بما فى ذلك الرسم والموسيقى والرياضة. وتواصل الوكالة أيضًا تقديم خدمات الدعم النفسى والاجتماعي، لا سيما للأطفال المتضررين نفسيًا .
> ما حجم الأضرار التى تعرضت لها الاونروا؟
>> تضررت الأونروا كثيرا منذ اندلاع الحرب بشكل لم تشهده فى تاريخها منذ تأسيسها قبل 76 عامًا. ففى انتهاك صارخ للقانون الإنسانى الدولي، قٌتل 310 موظفين واعتُقل أكثر من 50 موظفًا، وتعرّضوا لأبشع صنوف الإهانة والتنكيل أثناء احتجازهم، فى ممارسات تُشكّل سابقة خطيرة فى استهداف العاملين فى المجال الإنساني. ولم تسلم منشآت الوكالة، حيث تعرّض أكثر من 300 منها للقصف أو التدمير الكلى أو الجزئي، رغم تزويد أطراف النزاع بإحداثياتها بانتظام. ولذلك، نُجدّد الدعوة لإجراء تحقيق مستقل ومحاسبة الأطراف المعنية عن هذه الانتهاكات.
> كيف ترى الضغوط الأمريكية والإسرائيلية لاستبدال الأونروا؟
>> الضغوط الهادفة إلى استبدال الأونروا تمثّل جزءًا من استراتيجية سياسية أوسع تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد الإنسانى والسياسى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فى محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين والتنصّل من حقهم فى العودة. وهى أيضًا محاولة لإزالة أحد الأعمدة الرئيسية التى تُبقى على هذه القضية حاضرة فى المحافل الدولية، تمهيدًا لفرض واقع يتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
تستند هذه الضغوط إلى ادعاءات متكررة بشأن «انحياز» موظفى الأونروا، بما فى ذلك مزاعم بمشاركة عددٍ منهم فى هجمات 7 أكتوبر 2023. وعلى الرغم من اتخاذ الوكالة لإجراءات فورية، وفصل الموظفين المتهمين حتى قبل التحقيق معهم لحماية مصالح الوكالة، إلا أن هذه الادعاءات استُخدمت كذريعة لتعليق التمويل أو تقليصه أو رهنه بشروط والدعوة إلى تفكيك الوكالة.
إن استبدال أو تفكيك الأونروا سيؤدى إلى كارثة إنسانية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وفى باقى مناطق عملياتها، حيث يعتمد ملايين اللاجئين على خدماتها الحيوية. كما أن هذه المحاولات تقوّض الجهود الإنسانية وتُهدد استقرار المنطقة.
> ما هو المصير الذى تتوقعونه لسكان غزة فى ظل عدم وجود مساعدات؟
>> فى حال استمرار انقطاع المساعدات الإنسانية، فسكان غزة يواجهون خطرًا وجوديًا وانهيارًا لكل مقومات الحياة. وسيكون لهذا تداعيات ليس فقط داخل القطاع، بل أيضا تداعيات إقليمية وأمنية خارجه، ويغرس جذور اليأس ويُغذّى التطرّف وتفكّك النسيج المجتمعى ويزعزع استقرار المنطقة. ومن هنا، فإن أى تأخير فى الاستجابة الانسانية لا يُقاس فقط بعدد الأرواح التى تُفقد وستفقد، بل أيضًا بما نخسره من مبادئ وقيم، ومن فرص للاستقرار على المدى البعيد لهذا نتمنى أن تنجح جهود مصر والوسطاء لوقف الحرب وإطلاق النار حتى ننقذ هذا الشعب الذى لم يعد لهم أمل سوى فى انتهاء الحرب وهنا لابد أن نشيد بالجهود المصرية الجادة سواء فى دعم الأونروا وتأكيد دورها الذى لا غنى عنه.. أو فى الضغط من أجل نفاذ المساعدات لهذا الشعب البريء.
