لا أملك إزاء هذا الواقع العبثى سوى كتابة هذه الكلمات، علها تكون مثل الحجر الذى يلقى فى المياه الراكدة، ولن أمل من تكرار الحديث فى هذا الأمر، ربما يوجد من يستمع ويعقل الكلمات ويعمل بها وأصل إلى مرادى فى نسف ما أراه تشويهاً للبشر قبل المجتمع.
هذا العام اقترن عيد ميلادى بعيد الأضحى المبارك، حيث لم تفصل بينهما سوى أيام قليلة، الأمر الذى فرض على حالة من الإحباط واليأس بسبب الوقت الذى سأستغرقه فى الرد على معايدات فرضها هذا الواقع الافتراضى من أشخاص أزعم أن النسبة الأكبر منهم لا تربطنى بهم أى علاقة مباشرة، بل إن بعضهم لم يرنى لمرة واحدة فى حياته فقط.. أخبرهم هذا الفضاء الإلكترونى بعيد ميلادى، فقرروا تقديم التهنئة لى مثلما يفعلون مع غيرى، حتى أن بعضهم يقدم التهنئة لأشخاص رحلوا عن حياتنا منذ سنوات لا لشىء، إلا أن إشعاراً وصل إليهم بأن اليوم عيد ميلاد فلان، فتأتى تهنئتهم مثيرة للاشمئزاز، فما المعنى من تهنئة شخص لا يدركون أنه رحل عن دنيانا؟!
من هذا المنطلق، قررت قبل حلول عيد ميلادى بأيام إخفاء التاريخ من صفحات التواصل الاجتماعى الخاصة بى، فلا معنى لتلك المجاملات المزيفة، ولا طائل لى فى استغراق أكثر من ثلاثة أيام فى الرد على أكثر من ثلاثة آلاف رسالة.. يكفينى فقط ثلاث رسائل من أشخاص يتذكرون تاريخ ميلادى بشخصهم، بل تكفينى تهنئة واحدة تكون صادقة.. وقتها ستحمل معانى أكثر قيمة من هذا الكم الذى يحيل يومى إلى عذاب.
من تذكرونى كانوا الأشخاص الأقرب لقلبى بحق، وكانت كلماتهم صادقة لأنهم احتفظوا لى بمحبة حفظت تاريخ ميلادى فى ذاكرتهم بعيداً عن ذاكرة صفحات التواصل، ولا أنكر أن الكثير من الرسائل التى وصلتنى أضفت على اليوم بهجة لا توصف، لأنها حملت رسائل من قلوب أصحابها، فلمست قلبى.
نفس الحال فعلته فى العيد، حيث توقفت عن وضع أى تهنئة على صفحات التواصل الاجتماعى، كما كنت أفعل فى الماضى، ونحيت هاتفى جانباً وسافرت للاستمتاع بقضاء إجازة العيد وسط عائلتى، ليعيش صغارى أجواء العيد وفرحة أيامه ولياليه وسط أقاربهم بشكل يصنع لهم ذكريات تكون مخزون سعادة أيامهم.
قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، كان للعيد فرحة لا توصف.. حيث تبدأ زيارات الأهل والأقارب مع انتهاء صلاة العيد، وكانت المنازل تتزين استعداداً لهذه الزيارات، وكثيراً ما كنا نشترى الحلوى والشيكولاتة والفواكه والعصائر لتقديمها للزائرين، لتظل البيوت عامرة بفرحة العيد وناسه طيلة الإجازة، وكان البعض يقطع مئات الكيلو مترات لزيارة أقاربهم حتى الدرجة الرابعة.. أما الآن فيعرفون أقاربهم حتى الدرجة الثانية بالكاد.
لا شك أن وسائل التواصل الاجتماعى التى حملت فى بداية ظهورها شعار إعادة التواصل مع من تقطعت بنا السبل إليهم، كانت سبباً رئيسياً فى قطع العلاقات الاجتماعية فى المجتمع، بعد أن اكتفى الكثيرون بعلاقات الواقع الافتراضى، حتى إنك كنت تذهب فى الماضى لزيارة عائلتك فتجد والدتك تحكى لك عن أحوال خالك وعمك وخالتك وعمتك.. أما الآن ستجدها تحدثك عن البلوجر فلانة واليتيوبر علان، وكأنهم جزء لا يتجزأ من نسيج العائلة.
فى أيام العيد، توقفت أمام إحدى الحدائق العامة لأشاهد الفرحة التى ارتسمت على العائلات التى جاءت إليها بحثاً عن فرحة العيد، فانشغل الأطفال فى الجرى وركوب الملاهى، وتبادل الأزواج ضحكات من زمن فات، لأدرك أن هناك من احتفظ للعيد ببهجته.. أما نحن فقد تركنا السوشيال ميديا تسلبنا تلك الفرحة ليمضى العيد بلا فرحة.